تباعدوا ، يرحمكم الله !
بقلم: ياسر راجح
16/10/2021
على الرغم مما يتحدث عنه البعض من أثارٍ سلبية عديدة لوسائل التواصل الاجتماعي بمواقعها و تطبيقاتها الكثيرة شائعة الاستخدام في هذا العصر، أبرزها إضعاف العلاقات و الروابط العائلية و الحد من التواصل المباشر وجهًا لوجه بين أفراد المجتمع بشكلٍ عام، نتيجة إنشغالهم فيها لساعاتٍ طويلة، أرى في هذا الحد من التواصل المباشر وجهًا لوجه مع الكثير من الناس ميزة كبيرة جدًا في يومنا هذا و ليس عيبًا، فمع تصدع الوجدان المصري العام تحت وطأة الضغوط الاقتصادية المطردة منذ ثمانيات القرن العشرين و حتى يومنا هذا، و إحتدام الصراع من أجل البقاء، إنطلق الوحش الكامن داخل نفس الإنسان،فسادت المجتمع حالة غير مسبوقة من الأنانية المفرطة و التمركز حول الذات، تقلصت معها مساحات الود و التراحم و الإحترام بين أفراده، و صارت المصلحة الخاصة هي القيمة الأسمى و العامل الأقوى في معاملات الحياة اليومية بين الإنسان و أخيه الإنسان، فإتسمت العلاقات الإنسانية في عالم اليوم بالقسوة و إنعدام الرحمة و عدم الرغبة في التفاهم, و إنتشرت بين الناس أوبئة أخلاقية أكثر خطرًا على المجتمع و فتكًا به من الأوبئة الفيروسية المتعارف عليها، كالطمع و الحقد و الحسد والغيبة و النميمة و نقل الكلام لصناعة الفتن و نشر الضغائن و الاحقاد في قلوب الناس بعضهم تجاه بعض، و إنتهاك الخصوصية بالتنمر و التحرش و التحسس و التجسس، و غيرها من الرذائل الأخلاقية و الأمراض الاجتماعية الشائع إنتشارها الأن بشكل لم يعد معه الإنسان أمنًا على نفسه و ذويه من أعين الناس و ألسنتهم و شرور نفوسهم الأمارة بالسوء، مع أن الله تبارك وتعالى عندما خلق الناس ، عدل بينهم، و ضمن لهم الأقوات و الأرزاق منذ بدء الخليقة و إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. من أجل ذلك صار التباعد بين الناس هذه الأيام و الإكتفاء بالتواصل الغير مباشر معهم ضرورة حتمية لا غنى عنها لتحقيق السلام النفسي و الأمان الاجتماعي، حيث تمنحك تلك الوسائل القدرة على التحكم عن طريق وضع مسافة أمنة،لايمكن لأحد تجاوزها، و إلا ففي تلك الوسائل من الأدوات ما يمكنك بسهولة من حماية خصوصيتك كالتجاهل و عدم الرد بل و الحذف و منع الوصول ( البلوك) أحيانًا، مع بعض الناس الغير مرغوب فيها . و لعل ما يحدث بيننا اليوم تحقيقًا لنبؤة الإمام علي، باب مدينة العلم، كرم الله وجهه حين قال في كلمةٍ بليغة ماثورةٌ رويت عنه : يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء, تسعة منها في إعتزال الناس و واحدة في الصمت.