الصراط المستقيم

تحذير المسلمين من عاقبة الفساد والمفسدين

كتب :هاني حسبو.

ما جاء الإسلام إلا لصلاح البشرية والمجتمعات لذا حذرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من قضية خطيرة بل أخطر القضايا على الإطلاق ألا وهي قضية الفساد.

والفساد هو خروج الشيء عن الاعتدال سواء أكان الخروج عليه قليلا أو كثيرًا، وكل اعتداء على الدين، أو العقل، أو المال، أو العرض، أو النفس فهو إفساد.

جاءت آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل تنهى عن الإفساد في الأرض، قال تعالى: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ﴾ [الأعراف 56]. قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله، والدعوة إلى غيره، والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به، ومخالفة أمره، قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم 41]، ولقد حذر القرآن أشد التحذير من المتظاهرين بالإصلاح وهم سدنة الفساد وأربابه، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾البقرة [:204 – 205].

وقد حذر القران من هؤلاء القوم الذين تزيوا بزي الإصلاح، ثم امتهنوا العنف والقتل والتخريب وإشاعة الخوف والرعب بحجة الإصلاح والتقويم، وذلك هو الفساد بعينه.

فقال تعالى:”

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ  أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة:10 – 12].

وجاءت رسُل الله عليهم الصلاة والسلام آمرة بالإصلاح والنهي عن الفساد، فتبدأ قصة الصلاح والفساد من قبل خلق ابونا آدم عليه السلام، حيث تخوفت الملائكة من وجوده في الأرض لأنها صالحة سليمة نقية، وقد يأتي إليها هذا المخلوق فيفسد فيها، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:30] وقال تعالى على لسان نبيه صالح عليه السلام ينادي في قومه: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ  وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ  الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء:150 – 152]. وقال تعالى أيضا ﴿ فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 74]. وقال تعالى على لسان شعيب عليه السلام يهتف بالنداء نفسه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت:36]، وقال تعالى﴿ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ﴾ [هود: 85]،. وقال تعالى على لسان موسي عليه السلام ينادي في بني إسرائيل: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة:60]؛ وها هو يقدم النصيحة الغالية لأخيه: ﴿ وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف:142]. وها هم الصالحون من قوم سيدنا يحذرون قارون من مغبة الفساد: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص:77].. ولقد ابتلي موسى بفرعون وبني إسرائيل الذين بلغوا أقصى درجات الفساد والفسق والضلال: ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ  الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ  فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾ [الفجر:10 – 12]. والأدهى من ذلك والأمر أن فرعون كان يدعي الصلاح والإصلاح ويتهم موسى – عليه السلام – بالفساد، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر:26]، وهذا هو المنطق المعكوس عند أهل الكفر والضلال في كل مكان وزمان. و قد رتب الله تعالى أشد العقوبة على أي عمل يؤدي إلى الفساد في الأرض، فقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة:33]. وقد صرح جمع من أهل العلم أنه بمجرد قطع الطريق، أو إخافة السبيل فهنا ترتكب الكبيرة، فكيف إذا أخذ المال، أو جَرَح، أو قَتَل، أو فعل كبيرة، فكل هذا لا يجوز. فالفسادُ خُلُق ذميم يبغضه الله تعالى، ولا يرتضيه لخلقه.

وجاءت السنة لتؤكد على خطورة هذه القضية الكبرى فقد روى البخاري من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها انها قالت :

” أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ ، ثُمَّ قَامَ ، فَاخْتَطَبَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا “

هذا الحديث فيه تربية عظيمة للفرد والمجتمع فبدأ بوعظ أسامة أنه لا يجوز الشفاعة في الحدود لأنها حق لله وحده ثم حذر الأمة جميعها من أن تكون هناك وساطة في الحدود فيعامل الشريف معاملة غير معاملة الضعيف فيعم الخراب المجتمع.

فالفساد مهلك للفرد والمجتمع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.