كتب – وليد على
هكذا تتوالى نفاحات شهر شعبان وهو شهر احبه رسول الله وقال عنه ذاك شهر تغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم .
ويريد الله سبحانه وتعالى ان يعلى من شأن شهر شعبان بهذا الحدث العظيم وهو تحويل القبله .
ولا شك ان اتباع القبله من الأهمية بمكان بل هو ركن من اركان الصلاة فمن صلى الى غير القبلة فصلاته لا تصح .
ولكى نوضح هذا الامر يجب ان نعرف اولا ان قبلة المسلمين كانت الى بيت المقدس وصلى اليها النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ستة عشر شهرا امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى ولانها كانت قبلة الانبياء من قبله .
وكان النبى يمتثل لامر الله تعالى ولكن قلبه يميل الى الكعبة الشريفه فكان يجعل الكعبة بينه وبين المسجد الاقصى فيصلى الى إتجاه الشمال .
ورواى ابن عباس قال : ” كان رسول الله يصلي وهو بمكة نحو المسجد الاقصى والكعبة بين يديه ” رواه أحمد
وظل النبى يصلى هكذا هو وأصحابه حتى اذن الله لهم بالهجرة الى المدينه والمدينه بين مكه والشام فكان النبى اذا اراد ان يصلى توجه الى الشام وتكون مكه فى ظهره وكان صلى الله عليه وسلم يجد إثر ذلك فى نفسه فيقلب وجهه فى السماء ولا يسائل الله شىء .
وفي منتصف شعبان، وبعد مرور ستة عشر شهراً من استقبال المسجد الأقصى ، نزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليزفّ اليه البشرى بالتوجّه إلى الكعبة، قال تعالى :( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )(144) سورة البقرة
وعن ابن عمر : أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة الظهر ، وأنها الصلاة الوسطى .
والمشهور أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر ، ولهذا تأخر الخبر عن أهل قباء إلى صلاة الفجر .
فخرج رجل ممن كان يصلي معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت وعن عمارة بن أوس قال : بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس ، ونحن ركوع ، إذ أتى مناد بالباب : أن القبلة قد حولت إلى الكعبة . قال : فأشهد على إمامنا أنه انحرف فتحول هو والرجال والصبيان ، وهم ركوع ، نحو الكعبة .
وهكذا أرضى الله رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم بالتوجه فى الصلاة الى الكعبة الشريفة وكان لهذا التحول من الاثر العظيم فى نفوس النبى وأصحابة .
وقد تباينت ردود أفعال الناس تجاه هذا الحدث العظيم ، أما المؤمنون فلم يترددوا لحظة عن التحوّل طاعةً لله ورسوله، فامتدحهم الله وبيّن لهم أن هذه الحادثة إنما كانت اختبارا للناس وامتحاناً لهم كما قال تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } (البقرة : 143)
وأظهر بعض المسلمين القلق على من لم يكتب الله له شرف الصلاة إلى الكعبة ممن مات قبلهم، وخافوا من حبوط أعمالهم، وقالوا : يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ، ؟ فأنزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } (البقرة : 143) يعني صلاتكم
رواه الترمذي وأصله في الصحيح.
وأما اليهود فقد عابوا على المسلمين رجوعهم عن المسجد الأقصى إلى الكعبة، وقابلوا ذلك بالسخرية والاستهجان، واستغلّوا ذلك الحدث بدهاءٍ ليمرروا من خلاله الشكوك والتساؤلات طعناً في الشريعة وتعمية لحقائقها، وقد حذّر الله سبحانه وتعالى المسلمين وأخبرهم بموقف اليهود قبل وقوعه فقال : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } (البقرة : 142)
وهكذا تحقق للمسلمين فضل التوجه إلى القبلتين جميعاً، واستطاعوا أن يجتازوا هذا الامتحان الإلهي، وبذلك نالوا شهادة الله ورضى عنهم قال تعالى: { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } (البقرة )143
وكان ذلك التحول إيذانا بنهاية الشرك وسقوط رايته وظهورالاسلام وعلو شأنه بين الناس ، وأصبحت الكعبة قبلة للمسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .