أراء وقراءات

تريندات الظلام المسمومة: السوشيال ميديا أصبحت ساحة للتشهير وتزييف الواقع

بقلم /  المهندس منصور أمان

لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تطبيق “تيك توك”، مجرد منصات ترفيه أو تواصل اجتماعي، بل تحوّلت في كثير من الأحيان إلى ساحات فوضوية يسيطر عليها صنّاع التريندات المسمومة، الذين يتفننون في الترويج لمحتوى خطير يستهدف العقول ويشوّه القيم ويثير البلبلة.

تتصاعد اليوم موجة الاتهامات العشوائية التي تصل أحيانًا حد التشهير وادعاء الاتجار بالبشر أو الأعضاء، دون أي دليل أو وعي بالعواقب القانونية والاجتماعية والنفسية، فقط من أجل “الترند” و”المشاهدات”. إنها حالة من الهوس الجماعي بالشهرة السريعة، مدفوعة بخوارزميات لا تعترف بالأخلاق، بل تكافئ الإثارة والجدل.

فخ صناعة التريندات المثيرة: كيف يحدث؟

وراء هذا الجنون المدروس، تقف آليات نفسية وتقنية يتم استغلالها ببراعة، وفيما يلي أبرز أدوات هذه الصناعة:

  1. الصدمة والإثارة: اتهامات صادمة مثل الاتجار بالأعضاء تُحدث حالة فضول فوري تجذب المشاهد للنقر والمتابعة.

  2. العناوين والصور الخادعة: تُستخدم صور مصغرة مثيرة وعناوين مُفخخة تدفع المتلقي للاعتقاد بأن أمامه كشف خطير أو سبق إعلامي.

  3. الجدل والاستقطاب: كلما كان المحتوى أكثر جدلًا، زاد تفاعل الجمهور، ما يعني انتشارًا أوسع عبر خوارزميات المنصة.

  4. القصص المزيفة: كثير من التريندات تُقدَّم على شكل اعترافات أو شهادات شخصية “مفبركة”، لتمنحها طابعًا إنسانيًا زائفًا.

  5. استغلال الخوارزميات: يعرف هؤلاء كيف يصنعون تفاعلًا أوليًا قويًا، فيضمنون أن يُروّج لهم تلقائيًا.

  6. طلب التفاعل المباشر: مطالبة المتابعين بالإعجاب والمشاركة والتعليق، تُحوّل الجمهور من متلقٍ إلى “وقود” لنشر السموم.

دورة التفاعل السامة

المعادلة خطيرة: كلما زادت الصدمة، زادت المشاهدات، زاد الربح، زادت الجرأة على الكذب والتشهير. وهكذا ندخل في حلقة مغلقة من الانحدار الأخلاقي.

لكنّ المسؤولية هنا لا تقع فقط على صناع هذا المحتوى، بل على المشاهد الذي يختار أن يشاهد ويعلّق وينشر. كل نقرة وكل مشاركة، هي بمثابة دعم لهذا العبث، وإن بدا ساخرًا أو ترفيهيًا.

دعوة للوعي والمقاومة

لا يجوز أن نقف مكتوفي الأيدي بينما تُستغل المنصات لتغذية العنف الرمزي والتخوين والإشاعات. الشهرة ليست عذرًا لانتهاك الكرامة، وحرية التعبير لا تعني حرية التجريح.

حكمة:

“في عالم يعشق السرعة والمشاهدة، تذكّر أن الحقيقة أبطأ دومًا، ولكنها الأبقى. لا تكن وقودًا لنار لا تُدفئ إلا زيفًا، وكن مهندسًا لواقعك لا مجرد مستهلك لضجيج الآخرين.”


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى