
كتبت: د. هيام الإبس
شهدت مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، واحدة من أكثر الحوادث الجوية إرباكًا منذ بدء النزاع المسلح في السودان، بعدما أسقطت قوات الدعم السريع، عن طريق الخطأ، طائرتين مسيّرتين تابعتين لها، في حادثة وصفتها مصادر ميدانية بـ”الاستهداف الذاتي غير المحسوب”.
خطأ قاتل يفضح خللاً في غرفة العمليات
وبحسب مصادر عسكرية مطّلعة، أطلقت وحدات الدفاع الجوي التابعة للدعم السريع صواريخ نحو طائرتين مسيّرتين من النوع الاستراتيجي، ظنًّا أنهما تابعتان للجيش السوداني، قبل أن يتبين لاحقًا أنهما كانتا في مهمة استطلاع روتينية لصالح ذات القوات.
ووصفت أوساط عسكرية الحادثة بأنها نتيجة مباشرة لفوضى القيادة وضعف التنسيق بين وحدات المراقبة الجوية وغرف العمليات، ما أشعل جدلًا داخليًا واسعًا داخل منظومة الدعم السريع.
انقسامات داخلية وخسائر استراتيجية
الحادث فجّر موجة خلافات داخلية، مع تبادل الاتهامات بين وحدات الدفاع الجوي والرصد الأرضي بشأن الجهة المسؤولة عن إصدار أوامر الإطلاق دون تحقق كافٍ. ووفقًا لمصادر داخلية، دعت بعض القيادات الميدانية إلى إعادة هيكلة غرفة العمليات وتحديد المهام بصورة دقيقة لتفادي تكرار الأخطاء.
الطائرتان اللتان تم إسقاطهما تعدّان من الطرازات المتقدمة المستخدمة في الرصد الليلي، وتوجيه الضربات النيرانية، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتقدّر تكلفة الواحدة بعشرات الآلاف من الدولارات. وتشير التقديرات إلى أن الخسارة التقنية قد تؤثر مباشرة على فعالية المليشيا في إدارة المعارك المقبلة، لا سيما في مناطق ذات أهمية استراتيجية كنيالا وكاس وزالنجي.
قصف مكثّف في نيالا وصدى عسكري في بورتسودان
في المقابل، صعّد الجيش السوداني من عملياته العسكرية، حيث شنّ غارات جوية دقيقة استهدفت مواقع دعم سريع في نيالا مساء الجمعة، ما أسفر عن انفجارات عنيفة هزّت أجزاءً واسعة من المدينة، شملت الأحياء الجنوبية والشرقية والمركز.
وأكد شهود عيان رؤية سيارات إسعاف وهي تنقل عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى من عناصر الدعم السريع، بينهم جنود كانوا يتدربون داخل حرم جامعة نيالا التي تحوّلت إلى مركز ميداني لتدريب العناصر على تشغيل المسيّرات.
في سياق متصل، سُمع دوي مضادات أرضية في مدينة بورتسودان شرقي البلاد، بالتزامن مع حديث عن ردّ محتمل من قوات الدعم السريع، لكن لم ترد تأكيدات رسمية حول طبيعة الانفجارات.
وأشارت مصادر إلى أن قائد ثاني الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، نجا من القصف بعد مغادرته موقعًا عسكريًا في نيالا قبيل الهجوم بدقائق.
في قلب الخرطوم… كابتن طيران يتبرّع بمنزله لدعم الحكومة
بعيدًا عن أجواء الحرب، شكّل إعلان الكابتن الطيار ناصر الشيخ، الشهير بـ”المانجيل”، تبرعه بمنزله المكوّن من خمسة طوابق كمقر حكومي لرئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، مفاجأة لافتة في المشهد السوداني.
وقال الشيخ في بيان صحفي إن المبنى الواقع في منطقة استراتيجية داخل الخرطوم، مخصص لاستخدام الحكومة الاتحادية مجانًا لمدة عام كامل، للمساعدة في تسريع الانتقال المؤسسي من بورتسودان إلى العاصمة.
وأشار إلى أن المبادرة تأتي “من منطلق الواجب الوطني”، داعيًا كل سوداني قادر للمساهمة في جهود إعادة الإعمار ودعم مؤسسات الدولة في هذه المرحلة الحساسة.
رسائل أمل ومبادرات مدنية تتحدى ركام الحرب
الخطوة قوبلت بإشادة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها كثيرون نموذجًا حيًا للروح الوطنية، مطالبين بتكريم الكابتن رسميًا. واعتُبر التبرع رسالة رمزية قوية في وقت تعاني فيه العاصمة من دمار واسع بفعل الحرب، ولا تزال المؤسسات الحكومية مشتتة بين بورتسودان ومناطق أخرى.
ويرى مراقبون أن مبادرة “المانجيل” قد تشجّع رجال أعمال ومغتربين على اتخاذ خطوات مماثلة، ضمن مسار طويل لإعادة بناء الدولة واستعادة الاستقرار.
خاتمة تحليلية
بينما تتأرجح البلاد بين نيران الحرب ومبادرات السلام المدني، يبدو المشهد السوداني وكأنه يسير على خيط رفيع يفصل بين الانهيار والانبعاث. فهل تنجح قوى الداخل في ترميم ما تهدّم؟ أم أن التصعيد العسكري سيبدّد كل محاولات التعافي؟