أراء وقراءات

تعديل هام

بقلم / الفنان أمير وهيب 

منذ فجر التاريخ، شكّل “التصنيف” أداة عقلانية في يد الإنسان لترتيب الأشياء والمفاهيم وفقًا لصفات مشتركة، تيسيرًا للفهم والتنظيم، وتحقيقًا لجودة الأداء وسرعة الإنجاز. فبعد تحديد “التوصيف”، كان من الطبيعي أن يأتي “التصنيف” كخطوة لاحقة تترتب عليها قرارات ومعاملات.

التصنيف ليس حكرًا على البحوث أو الوثائق الرسمية، بل هو حاضر في كل تفاصيل الحياة: دول تُصنَّف إلى عظمى ونامية، أفلام إلى عاطفية وكوميدية، أماكن إلى سياحية وأثرية، وملابس إلى رسمية وعملية. لكن ما يعنيني اليوم، بحكم الخبرة والمشاهدة والممارسة، هو تصنيف العمر البشري إلى مراحل: طفولة، شباب، وشيخوخة.

تصنيف العمر.. ضرورة عملية

التصنيف العمري ليس ترفًا إداريًا، بل ضرورة تنظيمية تُسهّل التعامل مع الاحتياجات المختلفة لكل فئة. فعندما يدخل شخص إلى مكتبة، ويتجه مباشرة إلى ركن “الكتب التاريخية”، فإن هذا ممكن فقط لأن المكتبة صنّفت الكتب مسبقًا. الأمر ذاته ينطبق على تصنيفات في أسعار التذاكر أو الاشتراكات، التي تراعي الفروق بين “طالب”، “بالغ”، و”كبير سن”.

وفي الدول المتقدمة، يُقدَّر كبار السن، ليس فقط بالكلام، بل بالأفعال. إذ تُخصص لهم حدائق تحتوي على ألعاب للأطفال لمرافقيهم، وتُمنح لهم إعفاءات في المواصلات والمرافق العامة، وتُميز أماكنهم في الطوابير والمقاعد والخدمات.

خطوة مصرية تستحق الإشادة.. ولكن

مؤخرًا، توصلت الحكومة المصرية إلى صيغة قانونية جديدة تُنظم بعض المسائل المتعلقة بالإيجارات، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح وتستحق الإشادة في دولة كثيرًا ما تعاني من ضعف تطبيق القانون.

لكن، يبقى هناك تعديل ضروري وهام غاب عن هذا التشريع الجديد، ويتعلق بـ حماية كبار السن من الإخلاء القسري بعد انتهاء مدة الإيجار. فهل من المنطقي، أو الإنساني، أو حتى المقبول، أن يُطلب من شخص تجاوز الخامسة والستين – وربما يعاني من أمراض مزمنة أو ضعف الحركة – أن “يبحث عن سكن جديد” ويُنقل إليه؟!

مراعاة إنسانية واجبة.. لا منّة فيها

التعامل مع هذه الفئة لا يجب أن يكون فقط بمنظور قانوني بحت، بل بمنظور اجتماعي، وديني، وأخلاقي. فالقانون يجب أن يُكيف نفسه ليخدم الإنسان، لا أن يُرهقه. وما نطلبه ببساطة هو أن يُضاف إلى هذا القانون بند واضح بـ “إعفاء كبار السن من الانتقال أو الإخلاء الإجباري” عند انتهاء عقد الإيجار، إلا في حالات نادرة وموثقة تستدعي ذلك.

لنتخيل السيناريو التالي: سيدة مسنة تعيش بمفردها، أبناءها مهاجرون، ويُطلب منها فجأة أن تُخلي الشقة التي سكنت فيها لعقود. من سيتولى التفاوض مع سيارة نقل الأثاث؟ من سيرافقها؟ هل الحكومة ستوفر البديل وتتكفل بالنقل؟ أم سيُترك الأمر للظروف، كالعادة؟

تعديل بسيط.. لكنه يحمل كرامة وطن

المسألة لا تتعلق فقط بحق السكن، بل بحق العيش بكرامة في مرحلة بات فيها الإنسان أحوج ما يكون إلى الاستقرار والرحمة. أما سن الإعفاء، فهو مرهون بكرم المشرّع. فإذا كان كريماً، سيبدأ بالإعفاء لمن تجاوز سن الـ65، وإن كان بخيلاً، فلن يُفاجئنا إن رفع السن إلى ما بعد السبعين.

أزمة الإبداع في السينما والدراما المصرية 2

أمير وهيب

فنان تشكيلي وكاتب ومفكر 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى