جميع من حوله انشغل بحياتهم، ليغرق هو فى وحدة وعزلة واكتئاب، رغم إقامته مع والدته وشقيقه فى ذات المنزل. فوالده توفى قبل نحو ثلاث سنوات، أما والدته فهى منشغلة دائمًا بأعمال المنزل، ولم تفطن إلى أن نجلها الشاب البالغ من العمر 25 سنة، لا يزال فى حاجة إلى الرعاية والمتابعة والتواصل معه ودعمه نفسيا لكونه عاطلًا عن العمل وليس لديه ما يشغله، أما شقيقه الأصغر فهو طالب جامعي، مستغرق فى دراسته ومَلازِمه ومذكراته.
أزمة حسين، 25 سنة، لم ينتبه إليها أحد مطلقًا، حتى أجبرتهم جريمة قتل بشعة على إدراك الواقع المر الغارق فيه ذلك الشاب، فالطالب الجامعي إصطحبه شقيقه معه لزيارة جدته وخالته، المقيمتين بشارع الإسكندرية بمنطقة السلام، واستأذن أخاه لمقابلة أصدقاء له، بينما تبسمت له الخالة واستأذنته فى البقاء مع جدته لرعايتها، لحين إحضارها أغراضًا من السوق. وعادت الخالة على مصيبة مدوية، حسب تحقيقات نيابة حوادث شرق القاهرة، إذ رجعت وهى مطمئنة سعيدة بوجود نجل أختها معها ورعايته لوالدتها المسنة حتى عودتها، ودقت جرس الباب على أمل أن يفتح لها الشاب ويحمل ما بيدها، بخلاف عادتها بأن تفتح هى الباب وتساعد نفسها فى ظل ضعف حركة والدتها، لكن لا أحد يجيب، ففتحت الباب ودخلت لتضع الأغراض على الأرض فى جانب من مدخل الباب، وتنادى على ابن أختها ووالدتها دون رد أيضًا، فظنت أنه من المؤكد أن الشاب غادر المنزل دون أن يعبأ بالمسؤولية البسيطة التى تركتها له.
وتوجهت لوالدتها للاطمئنان عليها وبيان إن كانت نائمة فلا ترد عليها، لكن هالها أن أمها العجوز غارقة فى دمائها، منحورة من عنقها، فارتعبت وهرعت من الشقة إلى الخارج تستغيث بأقاربها وجيرانها من المشهد المفزع، وبالفعل حضر الأهالي، وتأكدوا من موت المسنة، واتصلوا بالشرطة، وفتشوا أرجاء الشقة، ليجدو “حسين” جالسًا فى حالة غير طبيعية، بركن من دورة المياه بالمنزل، فأمسكوا به وسلموه للشرطة. وخلال التحقيق مع المتهم لم تتضح وجود أي دوافع له، فهو لم يرتكب جريمته بغرض السرقة، ولا يتعاطى مواد مخدرة يمكن القول معها إنه لم يكن فى حالته الطبيعية، وباستجوابه ومناقشته خلال التحقيقات رأى المحقق أن سلوك الشاب ليس طبيعيا وأنه ربما مهتز نفسيا، وجاءت التحريات الأولية لتؤكد عزلته ووحدته مما يدل على عدم سلامته نفسيا، فأمرت النيابة بدورها بحبسه، وإحالته للكشف الطبي بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية، خاصة بعدما تبين أنه نهض وجلب سكينًا وغرسه فى عنق جدته دون أي مقدمات أو دوافع.