شئون عربية

تقرير أممى يحذر: جنوب السودان على شفا حرب شاملة جديدة

 

كتبت : د.هيام الإبس

حذّرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى جنوب السودان من أن الأزمة السياسية المتفاقمة فى البلاد تدفع نحو عودة وشيكة للحرب الشاملة، فى ظل انهيار مؤسسات العدالة، واستشراء الفساد، وتدهور الأوضاع الإنسانية، داعيةً الاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن الدولي إلى تحرك عاجل وحاسم لإعادة الالتزام بالسلام والمساءلة والانتقال السياسى الحقيقى.

جاء التحذير فى بيان رسمى أصدرته اللجنة بتاريخ 13 أكتوبر 2025، فى ختام زيارتها لمقر الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا، حيث ناقشت مع كبار المسؤولين الأفارقة سبل إنقاذ عملية السلام المتعثرة وإحياء آليات العدالة الانتقالية المنصوص عليها فى اتفاق السلام المُنشّط لعام 2018.

تحذير من الانزلاق مجدداً إلى الحرب

قالت اللجنة إن الاشتباكات المسلحة الأخيرة فى جنوب السودان بلغت مستويات غير مسبوقة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 2017، مؤكدةً أن المدنيين هم الضحايا الرئيسيون لانتهاكات حقوق الإنسان والنزوح الجماعى.

وذكرت أن قادة البلاد اختاروا تعطيل تنفيذ اتفاق السلام عمداً، ما وضع الدولة على “شفا هاوية جديدة”، وفق تعبيرها.

وقال بارنى أفاكو، رئيس وفد اللجنة إلى الاتحاد الأفريقى: “الأزمة السياسية، والقتال المتجدد، والفساد المنهجى ليست سوى أعراض لفشل القيادة فى تنفيذ التزاماتها تجاه السلام والانتقال السياسى، ما لم يحدث تدخل سياسى إقليمى عاجل ومنسق، فإن جنوب السودان يخاطر بالانزلاق إلى صراع شامل ستكون له عواقب إنسانية مروعة على البلاد والمنطقة بأسرها.”

فراغ العدالة يغذى الفساد والإفلات من العقاب

أوضحت اللجنة أن غياب العدالة والمساءلة ما يزال يغذى الجمود السياسى والفساد والصراع، مشيرةً إلى أن الانقسام السياسى الأخير فى مركز السلطة شجع الجماعات المسلحة وأدى إلى تجدد العنف ونزوح الآلاف.

وفى تقريرها الأخير بعنوان “نهب أمة: كيف أطلق الفساد المستشرى أزمة حقوق الإنسان فى جنوب السودان”، كشفت اللجنة أن الفساد الكبير وتحويل الموارد العامة بشكل منهجى مازالا من أبرز دوافع الحرب، مما حرم ملايين المواطنين من أبسط حقوقهم الأساسية.

أوضاع إنسانية مأساوية

منذ مارس 2025، شنت قوات الدفاع الشعبى لجنوب السودان غارات جوية متكررة على مناطق مأهولة بالسكان، ما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا ونزوح جماعى واسع، كما فُرضت حالة الطوارئ فى مناطق عدة ما تزال تشهد عمليات عسكرية نشطة.

 

وأشارت اللجنة إلى أن دعم القوات الأوغندية للجيش الحكومى، إلى جانب تجنيد آلاف الجنود الجدد، زاد من مشاعر القلق والخوف من موجة انتهاكات جسيمة وشيكة ضد المدنيين.

وقال عضو اللجنة كارلوس كاستريسانا فرنانديز إن على القادة الموقعين على الاتفاق أن “يتخلوا عن الأجندات الحزبية والعمل لأجل الشعب”.

وأضاف:”لا يمكن للعالم أن يقف متفرجاً بينما تقصف مناطق المدنيين وتُسكت أصوات المعارضة، لقد انتهى وقت الدبلوماسية السلبية – ويجب أن تتوقف هذه الهجمات العبثية فوراً”.

اعتقالات تعمّق الأزمة الحقوقية

أوضحت اللجنة أن الاعتقال التعسفى لشخصيات معارضة، من بينها النائب الأول للرئيس الدكتور رياك مشار، زاد من حدة التوتر السياسى، وعمّق الأزمة الحقوقية والإنسانية فى البلاد.

وأشارت إلى أن ولاية أعالى النيل، التى تعانى بالفعل من انعدام الأمن الغذائى على مستوى الطوارئ، أصبحت ممراً رئيسياً للآجئين الفارين من السودان، ما يزيد من هشاشة الوضع الإقليمى.

وقالت اللجنة إن المخاوف تتزايد من احتمال تداخل الصراع فى جنوب السودان مع الحرب الجارية فى السودان، ما قد يؤدى إلى أزمة إنسانية وأمنية أوسع نطاقًا فى القرن الإفريقى.

دعوة لتفعيل المحكمة الهجينة الخاصة بجنوب السودان

دعت اللجنة الاتحاد الأفريقى إلى التحرك العاجل لإنشاء المحكمة الهجينة الخاصة بجنوب السودان، المنصوص عليها فى الفصل الخامس من اتفاق السلام المُنشّط لعام 2018.

وقالت ياسمين سوكا، رئيسة اللجنة: “العدالة لم تعد ترفاً، بل ضرورة وجودية لجنوب السودان. لقد حان الوقت لأن تتحول الوعود إلى أفعال.

المحكمة الهجينة يجب أن تنتقل من النصوص إلى التنفيذ، وعلى الاتحاد الأفريقى أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية فى ضمان العدالة الانتقالية.”

وأكدت أن تفعيل المحكمة سيترك “إرثًا تحويليًا” من خلال تعزيز مؤسسات القضاء الوطنى، وترسيخ مبدأ المساءلة، وبناء الثقة فى سيادة القانون وحقوق الإنسان.

نزوح متجدد ومعاناة إنسانية متفاقمة

أشارت اللجنة إلى أن تصاعد الصراع أجبر نحو 300 ألف شخص على الفرار من جنوب السودان خلال عام 2025 فقط، بينهم: 148 ألفًا إلى السودان، 50 ألفًا إلى إثيوبيا، 50 ألفًا إلى أوغندا، 30 ألفًا إلى الكونغو الديمقراطية، 25 ألفًا إلى كينيا.

كما يستضيف جنوب السودان 2.5 مليون لاجئ جنوبى فى دول الجوار، إلى جانب 2 مليون نازح داخلى، و560 ألف لاجئ سودانى  فرّوا من الحرب فى الشمال.

وأكدت اللجنة أن النساء يتحملن العبء الأكبر من النزوح والعنف، فى ظل استمرار غياب العدالة والحوكمة الرشيدة.

رسالة إلى الاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن

حثّت اللجنة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن الدولي، اللذين يجتمعان هذا الأسبوع فى أديس أبابا، على اتخاذ موقف موحد وحازم لمعالجة الأزمة المتفاقمة فى جنوب السودان.

وقال كارلوس كاستريسانا فرنانديز، أحد مفوضى اللجنة:“الاشتباكات المتزايدة والنزوح الجماعى وانهيار اتفاق السلام دليل على أن جنوب السودان لن ينهض دون العدالة والاستقرار، على الاتحاد الأفريقى وشركائه أن يتحركوا الآن لبناء سلام يقوم على سيادة القانون.”

نداء لإنقاذ الدولة

وفى ختام البيان، شددت رئيسة اللجنة ياسمين سوكا على أن ما يحدث فى جنوب السودان هو نتيجة قرارات متعمدة من قياداته التى وضعت مصالحها فوق مصالح الشعب.

وقالت “لقد آن الأوان لأن يتدخل الإقليم والمجتمع الدولى لإقناع قادة جنوب السودان باختيار مختلف — خيار يضع الشعب أولًا.”

يرسم التقرير الأممى صورة قاتمة لمستقبل جنوب السودان، ويضع الكرة فى ملعب الاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن الدولى، اللذين يُطالبان الآن بتحرك عاجل لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل، عبر تفعيل العدالة الانتقالية، وإنهاء الإفلات من العقاب، وإحياء عملية السلام على أسس جديدة من المسؤولية والشفافية والكرامة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى