تقرير حقوقى يكشف عن انتهاكات فظيعة ومجازر لــ ” الدعم السريع” فى شمال دارفور وكردفان

منسقية النازحين واللاجئين: 360 أسرة وصلت اليوم من الفاشر إلى منطقة طويلة
كتبت – د. هيام الإبس
فى تصعيد دموى جديد للصراع الدائر فى السودان منذ إبريل 2023 بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، اتهمت هيئتان سودانيتان، اليوم الإثنين، قوات الدعم السريع بارتكاب مجازر بشعة بحق المدنيين فى ولايتى شمال دارفور وشمال كردفان.
مجزرة فى الفاشر
وفى بيان لها، أفادت شبكة أطباء السودان بأن قوات الدعم السريع ارتكبت مجزرة بشعة فى مدينة الفاشر بشمال دارفور، واصفة الحادثة بأنها “جريمة تطهير عرقى” استهدفت مدنيين عزل على أساس عرقى، وأشارت الشبكة إلى أن عدد الضحايا تفوق العشرات، لكن صعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بسبب الانفلات الأمنى الكامل حال دون إحصاء دقيق للعدد الإجمالى.
وأضاف البيان أن عناصر الدعم السريع قاموا بنهب المستشفيات والمرافق الطبية والصيدليات فى المدينة، ما أدى إلى انهيار شبه تام للخدمات الصحية، واعتبرت هذا التصرف “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولى الإنسانى”.
وأكدت شبكة أطباء السودان أن الأوضاع الإنسانية فى المدينة قد أصبحت كارثية، وطالبت المجتمع الدولى، بما فى ذلك الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، بالتدخل العاجل لوقف المجازر ومحاسبة المسؤولين عنها.
حصار وظروف إنسانية قاسية
وتشهد مدينة الفاشر منذ أسابيع معارك عنيفة بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وسط مزاعم من الأخيرة بالسيطرة على مقر قيادة الجيش فى المدينة.
وفى المقابل، نفت المقاومة الشعبية المساندة للجيش هذه المزاعم، وأكدت أن المدينة لا تزال صامدة فى وجه الهجوم، مشيرة إلى أن القوات المهاجمة تقوم بتشويه الحقائق وبث الرعب عبر “حملة تضليل إعلامى”.
وتعيش المدينة حالة حصار خانق منذ مايو 2024، حيث يعانى آلاف المدنيين من نقص حاد فى الغذاء والدواء والمياه، مما يهدد بحدوث مجاعة وأوبئة واسعة النطاق.
وتعد الفاشر مركزاً رئيسياً للعمليات الإنسانية فى إقليم دارفور، ما يجعل الأوضاع أكثر خطورة فى ظل استمرار القتال.
مجزرة فى بارا بشمال كردفان

وفى ولاية شمال كردفان، أكدت مجموعة محامو الطوارئ ارتكاب قوات الدعم السريع مجزرة مروعة فى مدينة بارا منذ السبت الماضى، عقب معركة عنيفة مع الجيش السودانى، وقالت المجموعة إن القوات المهاجمة شنت هجوماً واسعاً استهدف المدنيين بشكل مباشر، مما أسفر عن تصفية جماعية لمئات من السكان، معظمهم من الشباب، إضافة إلى اعتقالات ونهب وتخريب للممتلكات العامة والخاصة.
وأشار البيان إلى انقطاع كامل للاتصالات والإنترنت فى المدينة، ما صعب توثيق الانتهاكات، كما لفت إلى أن آلاف السكان قد فروا إلى القرى المجاورة فى ظروف إنسانية قاسية، فى حين لا يزال عدد كبير من المدنيين فى عداد المفقودين.
تصعيد الصراع وتداعياته
القتال بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع يتصاعد بشكل مطرد منذ بداية الصراع فى إبريل 2023، والذى أسفر عن مقتل وجرح الآلاف من المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية. ويأتى تصعيد الهجمات فى وقت حرج، حيث تزداد الضغوط الإنسانية على المواطنين فى مناطق القتال، ويواجه السكان المدنيون تحديات كبيرة بسبب الحصار وعدم توفر الاحتياجات الأساسية.
يذكر أن العديد من المنظمات الإنسانية الدولية قد أبدت قلقها من تدهور الوضع الإنسانى فى مناطق النزاع، وطالبت بفتح ممرات إنسانية لتقديم المساعدات العاجلة للمتضررين.
الدعوات للتحرك الدولى
فى ظل هذه الجرائم المتزايدة، ناشد العديد من النشطاء الحقوقيين والمجتمع الدولى باتخاذ خطوات ملموسة لوقف تصعيد الصراع، وضمان تقديم الجناة إلى العدالة.
ووجهت شبكة أطباء السودان ومنظمات حقوق الإنسان نداءات ملحة لتوفير الدعم الطبى والمساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة، مشددين على ضرورة تدخل المجتمع الدولى لإيقاف المجازر وحماية المدنيين.
360 أسرة وصلت اليوم من الفاشر إلى منطقة طويلة
من جانبه، أكد الناطق باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين فى دارفور، آدم رجال، إن 360 أسرة تضم 1117 فرداً وصلت إلى منطقة طويلة بولاية شمال دارفور اليوم الإثنين، وذلك بعد فرارهم من مدينة الفاشر جراء تدهور الأوضاع الأمنية هناك.
وأوضح رجال أن إجمالى عدد الأسر الى وصلت إلى طويلة منذ 18 أكتوبر وحتى 27 من الشهر نفسه بلغ 831 أسرة تضم 3038 فرداً، مشيراً إلى أن هؤلاء النازحين يعيشون فى ظروف إنسانية بالغة القسوة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
وأكد رجال، أن الأسر الجديدة بحاجة ماسة إلى خدمات أساسية منقذة للحياة تشمل المياه الصالحة للشرب، والرعاية الصحية، والتغذية، والغذاء، ومواد الإيواء، إضافة إلى خدمات الحماية والتعليم والدعم النفسى والاجتماعى.
فيما دعا الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الإنسانية إلى التدخل العاجل لتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لهؤلاء الناجين الذين يواجهون أوضاعًا “صعبة ومروعة”، على حد وصفه.
فى الأثناء، أعلن ناشطون بولاية شمال دارفور، إن قوات الدعم السريع تعرض كل من يخرج من مدينة الفاشر إلى أبشع أنواع العنف، وتقتلهم بوحشية.
وسيطرت قوات الدعم السريع أمس الأحد، على مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة آخر معاقل الجيش السوداني بإقليم دارفور، بعد حصار طويل ومعارك عنيفة، مؤكدة أنها حققت انتصاراً عظيماً بالاستيلاء على مدينة الفاشر.
تطهير عرقى
وقالت لجان المقاومة الفاشر فى سلسلة بيانات متتالية، إن الأبرياء الخارجين من الفاشر يتعرضون لأبشع أنواع العنف والتطهير العرقى.
وأضافت أن قوات الدعم السريع تستهدف من يحاول الفرار بالخطف أو القتل أو الاغتصاب، فتُوظَّف النساء والأطفال كأدوات ترهيب وضغط، بلا رحمة أو ضمائر.
وتابعت: “ما يعمّق الجرح أن أصوات الضحايا والمحتجين تُخنق بصمت دولى، فالعالم يشاهد بكاميرات الهواتف، يرى الجثث، يسمع الألم، لكنه غالبًا لا يحرك ساكنًا بمستوى كافٍ لوقف المأساة”.
ووصفت من أسمتهم بـ”المتخاذلين” بأنهم شركاء فى الظلم، وقالت “إن الصمت أو الحيادية فى مواجهة هذه الانتهاكات لا تعنى سوى التواطؤ مع الظالمين، والسكوت على الحق يأكد هذا التواطؤ”.
وأضافت التنسيقية أن المدينة إذا سقطت فلن يكون ذلك بيد الأعداء فقط بل بخيانة قيادات دارفور التى تخاذلت تجاه المدينة وتركت الجنود يواجهون الجوع والموت.
ووصفت القيادة بالجبانة وهى ترفض تحريك الطيران خوفاً من السقوط، وأكدت أن من تبقى فى المدينة سيقاوم إلى آخر رمق.
محنة إنسانية
وقالت التنسيقية إن ما يجرى فى الفاشر ليس مجرّد تبادُل نيران أو اصطدام بين طرفين، بل محنة إنسانية، جريمة ضد الإنسانية، تحتاج إلى وقفة ضميرٍ عالمى، إلى ضغط دولى حقيقى، ومحاسبة حقيقية لمن نهل العنف والدماء ليُرهب الضعفاء.
وناشدت كل من يُؤمن بالعدالة والرحمة بعدم ترك هذه المعاناة تُمحى من الذاكرة، وألا يدعو صمت العالم يتحوّل إلى تطبيع للجريمة.
إبادة إنسانية
من جانبه، قال مجلس غرف طوارئ شمال دارفور إن الفاشر تشهد إبادة إنسانية من خلال مشاهد القتل والدمار المتكرر كل يوم، والمدنيون يدفعون الثمن.
ووصف فى بيان، استهداف المدنيين بأنه يمثل جريمة حرب لا تسقط بالتقادم، وحمل المجتمع الدولى المسؤولية التاريخية لصمته على الإبادة، ودعا المنظمات الحقوقية للتحرك بدلاً عن البيانات.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة كشفت عن نزوح ما بين 2500 إلى 3 آلاف شخص جراء الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع بالفاشر حتى أمس.




