تيك توك: كيف يوازن المجتمع المصري بين التطور الرقمي والذوق العام؟

بقلم الباحثة: ريم نبيل*
في السنوات الأخيرة، اجتاح تطبيق “تيك توك” منصات التواصل الاجتماعي كمنصة منفتحة لعرض المواهب والإبداعات الفنية. لكن، وفي مصر، تحول هذا التطبيق أحيانًا إلى مساحة يطغى عليها محتوى يسيء للذوق العام وينال من قيمنا وعاداتنا الاجتماعية الراسخة.
في مواجهة هذا الواقع، اتخذت الدولة خطوات حاسمة للحفاظ على الذوق العام، إذ تم ضبط مجموعة من صانعي المحتوى المثيرين للجدل والمعروفين إعلاميًا بـ”نجوم مافيا التيك توك”. هذه الإجراءات ليست سوى جزء من معركة أوسع لتطهير الفضاء الرقمي من الإسفاف والانحطاط، بالتنسيق مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التي تتابع حسابات مخالفة، وترصد الانتهاكات، وتغلق الصفحات التي تنشر محتوى يعارض القانون أو يهدد الأمن القومي.
Table of Contents
Toggleأبعاد المشكلة
لكن المشكلة تتجاوز الجانب الأخلاقي فقط. فهي تمتد لتشمل أبعادًا اقتصادية وأمنية خطيرة. ففي ظل تشبّع المنصة، تحولت بعض شبكات استغلال “تيك توك” إلى غطاء لأنشطة غير قانونية، أبرزها عمليات غسيل الأموال عبر التحويلات الإلكترونية والهدايا الافتراضية ذات المصادر غير الشفافة، التي يصعب تتبعها. وفي المقابل، هناك غسيل آخر يحدث على مستوى المجتمع: غسيل للقيم والأخلاق، وتفريغ للهوية المصرية من مبادئها وتقاليدها، عبر جرعات يومية من محتوى هابط يستهدف العقول الصغيرة قبل الكبيرة.
وفقًا لتقارير متخصصة، وصل عدد مستخدمي “تيك توك” في مصر عام 2025 إلى 37.6 مليون مستخدم، مما يجعلها السوق الأكبر عربيًا وواحدة من أهم الأسواق عالميًا من حيث الانتشار والتأثير. ويرافق هذا النمو تدفق أرباح ضخمة على صناع المحتوى، حيث تُقدَّر العائدات المباشرة وغير المباشرة على أكثر من 250 مليون دولار سنويًا في مصر وحدها.
إمكانات البناء والهدم
ومثل أي أداة رقمية، يحمل “تيك توك” في طياته إمكانات البناء والهدم. ففي الوقت الذي نجح فيه شباب من مختلف دول العالم في تحويل منصات التواصل إلى فضاءات تعليمية وإبداعية، من غير المقبول أن نظل أسرى نماذج سلبية تُصدِر صورة مشوهة عن المجتمع المصري. وهنا تتبلور المسؤولية المشتركة بين الدولة التي تدافع عن الذوق العام والهوية الوطنية، والشباب الذين عليهم توجيه طاقتهم الإبداعية نحو محتوى هادف يبني ولا يهدم.
“تيك توك” ليس مجرد تطبيق عادي، بل هو ظاهرة ثقافية عالمية غيرت طرق التعبير الفردي والجماعي، وأثرت في طريقة تواصل الناس مع بعضهم واكتشافهم للاتجاهات الجديدة. ومع أكثر من مليار مستخدم نشط في أكثر من 150 دولة، وصل “تيك توك” إلى ملايين الشباب يوميًا، والتأثير هنا أعمق مما نتصور.
نتاج تراكمي لخيبات متصلة
ولكن، ما الذي يدفع آلاف الشباب للركوب على موجة الترند يوميًا؟ هل هو فضول التجربة؟ أم عطش الشهرة؟ أم ربما ضيق الواقع والفرص؟ الحقيقة أن المواجهة ليست بين الدولة و”تيك توك” نفسها، بل بين منظومة تقليدية عاجزة، وجيل رقمي لا يعرف الحدود.
جيل “تيك توك” هو نتاج تراكمي لخيبات متصلة، منها تدهور التعليم، وإغلاق سوق العمل، وضعف الحاضنة المؤسسية. إنه جيل نشأ في ظل أزمات متلاحقة لكنه لا يزال ينبض بالحياة، جيل يمثل مرآة لشروخ الفجوة بين المؤسسات التقليدية وتطلعات الشباب، بين عالم ضيق ومجال رقمي أصبح متنفسهم الوحيد.
ومع كل ذلك، لا يعني هذا غياب الوعي التام عند البعض. المطلوب اليوم ليس محاكمة المنصات والتقنيات، بل فهْم عميق لدوافع مستخدميها، وصناعة بيئة ذكية تفرق بين المحتوى الفارغ والصوت الصادق. هؤلاء الشباب ليسوا مجرّد صانعي فيديوهات، بل هم شهود عصر يبحثون عن معنى لحياتهم وسط زمن سريع التغيرات ومليء بالتحديات
*الباحثة ريم نبيل حامد حسن – ماجستير في القانون