الصراط المستقيم

ثلاثة أشياء وصفها الله بالجمال.. لماذا ؟

 

صبر جميل … هجر جميل … صفح جميل

فأصبر بلا شكوى ..و أهجر بلا أذى .. و أصفح بلا عتاب

العلاقات الإنسانية والمشاعر من أعقد ما يتميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات ..غضب فرحة حزن رحمه لين و رفق مواساه و غيره

كيف نتعامل مع مشاعرنا من منظور ديني

١.الدرس الأول .. هجر جميل ..التعامل مع الغضب:

سجل القرآن لحظه غضب موسي عليه السلام .. وأنه ألقى الألواح بما فيها من كلام ربه ومالها من بركات !

لم يكتفي موسي النبي بهذا بل سجل له القرآن أنه  “أخذ برأس أخيه يجره إليه “.. وأخوه في هذه اللحظه نائبه على الناس وسيدهم ! 

كنت اتسائل لماذا سجل القرآن وصور هذه اللحظه .. كان يمكن أن يتخطاها …لكن القرآن يظهر الأنبياء  في بشريتهم بكل انفعالاتهم فهم ليسوا ملائكه .. هذه بشريتهم لا تقلل من شأنهم ولا مكانتهم .

لم يعاتبه ربه  على هذا لأن موسى بشر ..لكن المؤمن سريع الفيء بعد الغضب .. وهكذا فعل موسى عليه السلام وانتهى الموقف .

وغضب النبي محمد من زوجاته لإفشاء سره.. وفي لحظه الغضب طلق النبي محمدا السيده حفضه رضى الله عمها و التي وأخطأت  بإفشاء السر .. ومع ذلك نزل سيدنا جبريل عليه السلام يشفع لها حتى رجع النبي في طلاقها !

كسرت السيدة عائشة طبق طعام في بيت رسول الله.. و الرسول معه ضيوفه .. ف احتوى الموقف و قال ..”غارت أمكم”  و ضم الطعام و أمر اصحابه فقال ..كلوا .. و استبدل الاناء المكسور بأخر من بيت عائشة

تقدير لمشاعرها و احتوائا حكيما للموقف مع أخذ موقف بتبديل الاناء و اللوم بأسلوب المربي .. غارت أمكم.

 

وتكررت المواقف في القرآن ما بين التكلم في أم المؤمنين في حادثه الإفك … و موقف خادم ابو بكر حين تكلم في عرض عائشة .. حتى منع عنه أبو بكر الصدقة .. فنزلت ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟ .. قال .. بلى يا رب و استمر بالنفقة !

 

و غير ذلك من المواقف من شكوي زوجه من زوجها في صوره المجادلة أو حتى موقف بين أب  وابنه مثل نوح وابنه او ابراهيم و أبيه ..

 

فلم يقف القرآن عن الموقف البشري بل تخطاه لينبه الناس لعلاقتهم بربهم وما هو الصواب وما المطلوب منهم وألا يجعلوا الثأر الشخصي والانتصار للنفس هدف … فقط ليتوبوا وينتهي الأمر .

 

وتسامي البشر عن الانتصار لأنفسهم وتقبلهم لخطأ الغير على انه خطأ  يمكن  أن يمر وتعود القلوب ..هو  مما يرقي بهم  و يقوي صلتهم بربهم

 

ومثل هذه المواقف بين البشر  لو مرت كما يعلمنا القرآن .. تقوي العلاقات ولا تضعفها. وتزيد الود والبر ولا تنقصه .

فمن  يتعلم الاعتذار والتنازل عن الاعتداد برأيه  .. فهو يرغم نفسه على مخالفه هواها  .. ويأخذ اجر .. ويري فيمن قبل اعتذاره وغفر له خطأه صاحب فضل  وأهل للموده

 

٢.الدرس الثاني .. صفح جميل …التغافل:

“فأسرّها يوسُفُ فى نفسِهِ ولمٌ يُبدِها لهم”

أكثر مواقف النبل التي لا تستطيع أن تُسقطها من الذاكرة، من نصيب شخص تغافل عن خطئك العمد، في موضع كان بإمكانه أن يُلقي عليك كل ألوان العتب لكنه لم يفعل، يتصنع الغفلة ليستر الزلة، ويحفظ ماء الوجه، ويبقى الوُد بينك وبينه.

قالوا قديمًا ما استقصى كريم، …وأن تسعة أعشار الخلق في التغافل، كأن ترى من يكذب وتضحك له، من يحبِكُ القصة ليتظاهر بعكس الحقيقة فلا تقاطعه، أو كأن ترحم ارتباكة امرأة زلّت، فتحاول أن تجد بابًا تهرب منه بكرامة. 

كثيرًا ما نفقد علاقات متينة، بسبب التضييق على الآخر ومحاصرته ومواجهته بكل هفوة، نغلق عليه كل منافذ الهرب، فنضطره أن يخسرنا أو يتحول إلى عدو يترصدنا.

كثيرًا ما نخوض نقاشات نكون فيها على حق، لكننا نقتحم آراء الآخر من كل طريق ومنفذ تنكيلًا به، ولنبدو أصحاب الحجج والعقول المبهرة، ولا ندع له طريقاً واحداً يعودُ منه إلى الحق، دون أن يفقد ماء وجهه.!

كثيرا ما نتنمر على الناس بما نعرفه فيهم بلا رحمة، في المجالس وعلى مواقع التواصل، ونقول فيهم أكثر مما ينبغي أن يقال، لمجرد أنهم آذونا أو اختلفوا معنا، ولو أننا تمثلنا التغافل، وكتمنا السر، والتزمنا الصمت عن الزلل، لكانوا أشخاصًا أفضل، وكنا وخزة في ضمائرهم تكبر آلاف صنوف العتب واللوم.

لكن الكريم يتغافل من أجل بقاء الوُد وستر الزلات، وفتح باب العودة، فليس كل شعور يسكننا يصلح للبوح.

 

٣. الدرس الثالث .. صبر جميل … قول الاحسن و فعل الأجمل:

لو كان يصح للناس أن يُتركوا على (طبيعتهم) بشكل مطلق في أقوالهم وأفعالهم لما أُمروا أن يقولوا للناس حُسنا، وأن يكظموا غيظهم، وأن يُنزلوا الناس منازلهم وغير ذلك.

فنصوص الدين والأدب مليئة بمثل هذه الآداب والأخلاق الدينية والاجتماعية التي ترتقي بالإنسان من رتبة الحيوان الذي تحركه غريزته إلى رتبة الإنسان الذي له عقلٌ يحكم لسانَه ويدَه، ويمنع أذاه عن الناس.

قال الله  تعالى في نصحه لمن خلقه و هو اعلم بنا من أنفسنا

(وَقُل لِّعِبَادِی یَقُولُوا۟ ٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ یَنزَغُ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَـٰنِ عَدُوࣰّا مُّبِینࣰا)

[سورة الإسراء 53]

وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال:

﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما.

والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره.

وقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم.

فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم ﴿ليكونوا من أصحاب السعير﴾. 

(یُؤۡتِی ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ)

 

من اختيارات الكاتب الصحفي محمد يوسف رزين 

مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.