ثورة المراحيض .. أكثر أهمية من المعابد
بقلم / الدكتور محمد النجار
يحظى تاريخ 19 نوفمبر باهتمام العالم خاصة منظمة الصحة العالمية ..لإنه ((يوم المرحاض العالمي)) الذي حددته المنظم لتحقيق أحد أهم أهدافها في التنمية المستدامة، ويتمثل في تزويد جميع البشر بمياه الشرب النظيفة ونظم صرف صحي ا بحلول عام 2030 .
وبمناسبة هذا البوم صدر تقرير الأمم المتحدة يؤكد أن ما يقرب من 4.5 مليار نسمة بدون مرافق صحية مأمونة، في حين لم يزل 892 مليون شخص يمارسون التغوط في العراء ، وأن الأثر المترتب على الفضلات البشرية لهذا العدد الهائل من البشر مدمر على الصحة في العالم، وتتطلع إلى أن يتمتع كل فرد بمرفق صرف صحي آمن، وأن تنتهي ممارسات التغوط في العراء تماما بحلول عام 2030.
تقول السيدة “ارني بانيزار”، رئيسة قسم الصحة المستدامة في المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) : ان “المراحيض أكثر أهمية من المعابد”.
وقد يتعجب القارئ العربي عندما يكتشف أن المراحيض العامة للنساء في أوربا والولايات المتحدة لم يتم بناؤها عمداً وذلك لإبقاء المرأة في المنزل؟ فقد صرحت البروفيسورة الانجليزية “لارا غريد” الأستاذة في جامعة “ويست أوف إنجلند” ببريستول لمحطة البي بي سي ، بأن عدم وجود مراحيض عامة للمرأة في العصر الفيكتوري في بريطانيا كان مقصودا لإبقائهن في البيوت بعيدا عن الأماكن العامة. (علما بأن العصر الفيكتوي ليس بعيدا ، فقد كان مابين عام 1837 وعام1901م وهي الحقبة الزمنية التي تولت فيها الملكة فيكتوريا العرش في بريطانيا ، وهي أطول فترة حُكم لهذه الملكة عن أسلافها،ولذلك سُميت بالعصر الفيكتوري. ولم تظهر الحمامات النسائية إلا في نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر عندما ظهرت الحركة النسوية، ثم وانتشرت المراكز التجارية والمقاهي فحينئذ باتت المراحيض العامة للمرأة مقبولة”.
ولم يقتصر الأمر على بريطانيا ، بل صرحت المصممة المعمارية الأمريكية “ميغان دوفرينس”، من مركز التصميم ببوسطن في الولايات المتحدة : أن أماكن العمل والمنشآت التعليمية كانت مصممة لاستخدام الرجال فقط دون النساء ، وكانت النساء تتكيف مع هذا الوضع (نقص المرحاض) بشرب كميات قليلة من الماء ، وحبس البول لساعات طويلة، وقضاء وقت أقل في الأماكن العامة .
احتياجات النساء للمرحاض اكثر من الرجال :
يقول البروفيسور “هارفي مولوتش” أستاذ الاجتماع بجامعة نيويورك إن النساء أكثر احتياجا للمرحاض العام من الرجال فهناك كبيرات السن اللائي يعانين سلس البول، والنساء خلال الدورة الشهرية، والحوامل، واللائي يحملن رضعا.
ضحايا عدم المراحيض والمياه الملوثة:
حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية و كذلك منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» ، فقد تبينت عدة حقائق هامة عن المراحيض في العالم:
- معدل 60٪ تقريبا من سكان العالم أي 4.5 مليار شخص لا يوجد لديهم مرحاض في المنزل أو أن المرحاض المستخدم لا يعالج الفضلات بشكل آمن.
- ممارسة عدد 892 مليون شخص في جميع أنحاء العالم عادة التغوط في العراء، وهذا يستحيل معه معالجة تلك الفضلات البشرية لأهداف نافعة، بل تتحول الى تلوث ومضار للبيئة والانسان.
- 600 مليون شخص يتشاركون المرحاض.
- يتناول (1.8) أي مليار وثمانمائة مليون انسان مياه شرب غير صالحة، لعدم حمايتها من التلوث من البراز والصرف .
- خطورة الوضع على النساء اللائي يجبرن على قضاء حاجتهن في العراء، حيث يتعرضن للإغتصاب والقتل.
- لا يتوفر لثلث المدارس في العالم مرافق الصرف الصحي، وهذه مشكلة كبرى خصة للفتيات في أثناء الدورة الشهرية لديهم ، مما يحرمهم من التعليم نهائيا أو على الأقل منعهم من الحضور أثناء فترة الدورة الشهرية .
الوضع في أثيوبيا :
حسب تقرير منظمة “ووتر إيد” حول وضع المرحاض في العالم عام 2017 :
- أظهرت أن إثيوبيا هي الدولة الأولى في العالم من حيث البيوت التي لا يوجد بها مرحاض. وأن ((93%)) من شعبها ينقصه أساسيات الصرف الصحي.
- يوجد بالهند أكبر عدد من السكان يعيشون بدون بنى تحتية للصرف الصحي ، حيث بلغ عددهم ((723)) مليون شخص بدون صرف صحي
- إن 46 مليون امرأة في إثيوبيا و355 مليون امرأة في الهند لا يتوفر لهن مرحاض آمن.
ثورة المراحيض
- أعلنت الصين “ثورة المراحيض” قبل ثلاث سنوات ، وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إنه منذ عام 2015، قامت الصين بإنشاء وتحديث ((68)) ألف مرحاض وذلك زيادة عن الهدف الذي حددته الحكومة سابقا ((57)) ألفا.
- كان رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي قد أعلن سابقا ، أن خطته تهدف الى حصول جميع الهنود على مراحيض آمنة ومستدامة .
اهتمام حضارة الاسلام بالطهارة والحمام :
بدأ الاهتمام بالمرحاض في الحضارة الاسلامية منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وذلك في اطار الطهارة والوضوء والصلاة ، وأن الاهتمام بالحمامات كان مرافقا للاهتمام ببناء المساجد ، في حين لم تذكر المصادر التاريخية شيئا عن المرحاض في الجزيرة العربية قبل ظهور الاسلام.
وقد ذكر على الصولي في كتابه “ قراءات في الفكر المعماري والعمراني العربي والاسلامي : “أن عمرو بن العاص شيد أول الحمامات الاسلامية بالفسطاط في مصر.وروى ابن بطوطة ان معظم بيوت قرى دمشق كان فيها الحمامات مثلها مثل المدن الكبرى.
أخيرا .. نرى إن المحافظة على الصحة العامة علامة فارقة في حياة الأمم والشعوب ، بل إنها دليل نجاح أو فشل الرؤساء والحكومات ، حيث أن نمو المجتمع وتقدمه يتوقف بشكل فعال على مدى المحافظة على صحة المواطنين والاهتمام بسلامة ونظافة ونقاء مياه شربهم وبعدها عن مصادر التلوث. إن المحافظة على الصحة العامة توفر على الدولة مصاريف العلاج ، وتبعث الأمل والثقة والطمأنينة في أفرد شعبها ، مما يدفعهم لزيادة معدلات الإنتاج والحرص على تقدم الوطن .
اللهم ألهمنا الصواب في الفكر والقول والعمل .. واحفظ لنا ديننا وأوطاننا .