أراء وقراءاتشئون عربيةمصر

ثورة بلا فن جعجعة بلا طحن

 

 

مظاهرات 30 يونيو
مظاهرات 30 يونيو

بقلم : تيسير السجيني

الثورة هي فلسفة أو فكر يتبناه فرد أو جماعة من الافراد لتغيير المجتمع ، يهدف الى تطويره والارتقاء به نحو مستقبل افضل ، وهي تكون مجرد أفكار فقط اقرب الى الاحلام الوردية . ولكي تنجح أي ثورة لابد لهذه الاحلام أن تتحول الى شيئا ملموسا على أرض الواقع. ومن هذا المنطلق تكون الخطوة التالية هى المنهج الذي سيتم السير عليه لتحقيق هذا الحلم وتحويله الى خطط عمل واضحة ، كي يتحول هذا الحلم الوردى الى شيئ حقيقى وفعلى ، عندها نقول انه حدثت ثورة .

وحتى الان لا نستطيع ان نقول أن هناك ثورة فى 25 يناير ولا حتى 30 يونيو ، ولكن ما حدث فى 30 يونيو هو بداية لثورة حقيقية فعلا …ولكن للان لم تكتمل الا فى رأس الرئيس السيسي ورجال القوات المسلحة فقط .

فالحلم يعيشه حتى الان السيسي فقط ورجاله ، اما البقية من الشعب فلا تزال فى موقف المشاهد أوالمتابع واحيانا نصفق لهم دون التفاعل الحقيقيى المدافع عن هذه الثورة والتى إن قدر لها النجاح بإذن الله تعالى سوف تجتاح العالم بلا أدنى مبالغة مما أثار الرعب لدى إسرائيل وأمريكا ودول الغرب خاصة بعد دعم روسيا والصين معا .

شعب بلا كتالوج

 فقد اربك تحرك الشعب في 30 يونية 2013 كل الحسابات المعدة منذ سنوات والتى كانت قد اوشكت على تحقيقها بنجاح تام فى تقسيم المنطقة والتى اعدت الخرائط الكاملة لها لتسقط مصر . ولم يكن فى حسبانها ذلك الشعب العظيم حقا فى قدرته الفائقة على حسن الاختيار وتحديد القائد ،حتى ان احدهم قد علق قائلا ( ان الشعب المصري شعب لايمكن فهمه فليس له كتالوج ) وهو تعبير ليس بجديد فى وصف الشعب المصرى،فقد سبق وقيل نفس المعنى تقريبا فى كتاب وصف مصر انه شعب من الصعوبة الشديدة على الفهم (فقد كنا نتمازح مع المصريون في مكاتبنا منذ الصباح وحتى اذان الظهر وفجأة تحدث الثورة فينقلب هذا الانسان الوديع المسالم الى وحش كاسر وتنتهى الثورة الى الى الفشل فيعود ذلك الانسان الى وداعته السابقة وكأن شيئا لم يكن وكان ذلك فى الثورتين) ايضا كان تعجبهم من ان المصرى لا تستطيع أن تقرأ فى ملامح وجهه مايكنه صدره ، وقد ارجعوا ذلك لذكاء مفرط وفطرى فى ذلك الشعب ، وما ادهشهم حقا ان اللعبة الشعبية الاولى لدى الشعب المصرى هى الشطرنج وهى لعبة الملوك والقادة وكانت تلعب فى المنازل وعلى نواصى الحارات ، بل هناك لعبة شبيهة بالشطرنج تسمى السيجة بستة احجار أو اثنى عشر حجرا من لونين مختلفين وهى تعتمد ايضا على شدة الذكاء.

وهذا الذكاء الفطرى لدى الشعب المصرى العجيب والذى توارثه عبر الاف السنين هو الذى اعتمد عليه شعب العظيم فى اختيار السيسى يضاف لهذا الذكاء الفطرى النادر ، شيئ اخر هو الاحساس الصادق في الاختيار ، والذى على اساسه تم التمسك بقيادة عبد الناصر من قبل رغم نكسة 67 واعلانه التنحى خرج هذا الشعب ورغم الكارثة برفضه التنحى وإصراره على إبقاء قائده ، اولا لثقته التامة فى صدق هذا الرجل وأن ما حدث خطأ غير متعمد منه ، ثانيا إحباط اعداء مصر من الشماتة .

المرحلة الاهم

ومصر الان تجاوزت المرحلتين الاولى والثانية من الثورة اى مرحلة الفلسفة والفكر والحلم ومرحلة المنهج وتبقى المرحلة الاهم وهى التطبيق ، والذى لا يكون الا بتفاعل شعبى يحقق الاكتمال التام للثورة وتمامها هذا الاكتمال يتلخص فى التفاعل التام بين القيادة والشعب لتنفيذ المنهج المخطط له من قبل .

واكتمال هذه الثورة لابد من داعم لها يعبر عنها ويقوم بإيصال مفهومها للشعب ليشارك فيها ويعطيها شرعيتها الكاملة ، وهذا ما يحاول اعداؤها الحيلولة دون ذلك حتى الان .. وللحق هم حتى الان يحققون النجاح فى ذلك.

منيرة المهدية
منيرة المهدية
سيد درويش
سيد درويش

دور الفن والثقافة

فالفلسفة والمنهج دون تفعيل الفن لها هى جعجعة بلا طحن حقا ، والمقصود من الفن ليس فن الغناء او السينما أو المسرح فقط ، بل كل الفنون من أدب ،شعر ،موسيقى ، اعلام ، صحافة فن تشكيلي ….. أى كل وسيلة تعبير تكون شكل من اشكال الاتصال بالجماهير لتوعيتهم بها ووصول هذا الفكر والمنهج الى الشعب ليتحول الى ايمان بهذه الثورة .

فثورة عرابى كان الفضل فيها لعبد الله النديم ، الفضل فى تعريف الشعب بها حتى انها وإن لم تكتمل في مصر فقد كانت الإلهام للثورة المكسيكية فقد طاف النديم بكل ارجاء مصر من قرى وكفور ونجوع لتوعية الشعب بهذه الثورة .. ولكن كان النديم وحده ،ولكن على الرغم من هذا كان لدور النديم الاثر التوعوى كنواة توعية لثورة اخرى هى ثورة 1919 .

وثورة 19 كان الفن هو المحرك الاصلى والهام والملهم لكل الاعمال الوطنية المصاحبة لها حتى بعد انتهائها وكان الفن هو الطاقة والوقود لها .

وهناك سؤال بسيط جدا ، هل يتذكر احد منا اى من كلمات سعد زغلول او خطبه الرنانة .. بالطبع لا ، ولكن نتذكر الكثير الكثير من فن الثورة ، العبقرى فنان الشعب سيد درويش وأوبريتاته العظيمة واغانيه التى نرددها للان .. نشيد (بلادى بلادى) ، ( قوم يامصرى) ، (أنا المصرى كريم العنصرين) ، ايضا حين أصدرت سلطات الاحتلال اوامرها بالحبس لمن يتغنى باسم سعد زغلول ، خرجت منيرة المهدية والتى كان لها دورا وطنيا عظيما كبيرا لتتحدى وتغنى لسعد زغلول (يا بلح زغلول ياحليوة يا بلح) ، (ياحمام زغلول) ، (أسمر ملك روحى ياحبيبى تعالى بالعجل) وكان ذلك أثناء نفي سعد زغلول ، فضلا خروجها في المظاهرات ضد الاحتلال ومعها الكثير من النساء مثل السيدة روز اليوسف وغيرمن وعرفت مصر منذ تلك الايام المظاهرات النسائية.

أم كلثوم
أم كلثوم
عبد الحليم
عبد الحليم

متى تأكدت ثورة يوليو

وفى 23 يوليوعام 1952 حدثت الثورة الثانية ، والتى اطلق عليها فى البداية انقلاب الضباط الاحرار وبعد شهور بسيطة تحول الاسم الى حركة الضباط الاحرار وبعد ذلك تحول الاسم  الى ثورة الضباط الاحرار ثم ليستقر الامر فى النهاية على ثورة يوليو.

ولتغيير المسميات هنا دلالات والتى كانت بناء على احداث مرت بها الثورة ، ولكن ما يعنينا هو ان الثورة لم تتأكد انها ثورة الا بعد العدوان الثلاثى على مصر، فقد كان الشعب فى واد والحاكم فى واد اخر.

فى البداية غير الضباط التغييرات فى المجتمع لم تكن بالنسية للشعب ذات أهمية .

فالغاء الالقاب.. لا تعنيهم فى شيئ.

الغاء الطرابيش .. لا مانع .

الغاء الرتب العسكرية التركية واستبدالها بالعربية .. لا ضرر .

الاصلاح الزراعى وتوزيع الاراضى على الفلاحين .. خير وبركة .

مجانية التعليم .. نعمة .

حتى  وقع العدوان الثلاثي وخطاب عبد الناصر فى جامع الازهر واستشعار المواطن المصرى بحماسته وصدقه التام ..وكان التلاحم . وتبدأ الخطوات الحقيقية للثورة كثورة وتحقق مصر معدلات تنمية غير مسبوقة بنسبة  25 %  خلال الفترة من عام 1958 حتى عام 1967 ورغم النكسة عام 67 انخفض معدل قليلا ليصل 23 %  حتى عام 1970.

وبدأ الفن فى الاشتعال وبشكل حقيقى اثناء الايام الاولى للعدوان الثلاثى يذهب الفنانون للإذاعة ليقدموا ابداعاتهم الصادقة ، وأصبحت الإذاعة ميدان وقلعة قتال ، أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ..و..و..و. ، حتى أن الموسيقيون لم يغادروا الاذاعة لعدة أيام فبعض الاعمال كان يتم كتابتها وتلحينها فى حينها .

وبعد انتهاء العدوان والانتصار الساحق والذى حاول البعض الاستخفاف به والاستهانة به من اعداء الداخل قبل اعداء الخارج ، بدأت الفنون تأخذ دورها الفعال فى كافة الأوجه ، ظهر مسرح جديد من فرق الشباب ، محمد عوض ، ومدبولى ، والمهندس ، وجلال الشرقاوى وغيرهم … وكان للإذاعة دورا وثوبا جديدا ، والصحافة والتليفزيون ، وظهر ادباء جدد ، منهم نجيب محفوظ الذى كان قد امتنع عن التأليف الادبى واكتفى بكتابة سيناريوهات السينما لمدة 15 عاما وعاد ليصدر اولاد حارتنا.. وشعراء .. وكتاب وتشكيليين حتى انه ظهرت فرق للرقص الشعبى لم تكن موجودة من قبل مثل فرقة رضا والتى كانت تطوف العالممن شرقه الى غربه مبهرة الجميع وكانت واجهة مشرقة لمصر ووبعدها الفرقة القومية للفنون الشعبية وفرق المحافطات .

كما ظهرت مسارح جديدة عديدة مثل مسرح السامروومسرح الجيب ومسرح الطليعة ومسرح البالون ومسرح سيد درويش .

ولابد لنا الا نغفل دور الفن والثقافة المصرية فى دورها الهام جدا فى نشر مفهوم الثورة سواء فى المنطقة المحلية (الشرق الاوسط ) بل فى نشر الثورة فى العالم الثالث من أمريكا الاتينية حتى شرق اسيا وافريقيا والتى ساعدت فى نشر مفهوم الثورة للجميع حتى أنه لم يكن هناك شبر فى افريقيا الا وكان تحت الاحتلال حتى انتشرت الثورة .

وبصحوة الفن يبدأ الشعب التفاعل الحقيقى مع الثورة انعكس ذلك على كافة المناحى كل يحاول ان يساهم فيها ،ليثبت دوره سواء فى التعليم او الصحة او الصناعة

التلاحم يصنع المعجزات

 

والمعتاد على مدار التاريخ أن الشعب المصري يكون في وادي والحاكم في وادي اخر ،قلما يحدث التفاعل بينهما  عندها يكون اثره تغيير شامل وتكون منه معجزات نادرة ينفرد بها شعب مصر دون اى من شعوب العالم اجمع ، مثل بناء اهرامات أو هزيمة ساحقة ووحيدة لجيش مثل المغول والتى وبشهادة مؤرخى الغرب هى اول واخر هزيمة لهذا الجيش والذي كان قد احتل اغلب العالم ( كل اسيا وثلثى اوروبا حتى البرتغال) وجاء جيش هولاكو ليحتل مصر ثم يكمل مسيرته ليحتل الثلث الباقى من اوروبا ليصبح العالم كله دولة مغولية واحدة  ، ولكن المصريين وحدهم أحبطوا خططه . .. ويستعين قطز بالمصريين فى حربه ضد المغول وتتم ابادة هذا الجيش بأكمله عن بكرة ابيه حتى انه لم يعد مقاتل واحد منه الى بلاده.

 

ونشر الفن والثقافة المصرية مفهوم الحرية للجميع وأخذت كل دولة فى السعى الى الحرية ……وهذا هو الرعب الامريكى الحالى من ثورة 30 يونيو .وسؤالهم الحالى … هل تترك مصر وثورتها لتكون داخل مصر فقط … أى ثورة محدودة ؟ …. وما الضمان ان تكون مصدر ثورات اخرى مثلما حدث فى 1952 ؟ … أم توئد فى مهدها ؟ خاصة والسيسى لم يترك باب لتحسين الصورة المصرية فى الخارج الا ودقه …بالاضافة لخروجه عن السيطرة من خلال التسليح .. وتدعيم الاقتصاد … ناهيك عن الشعبية الكبيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى