الفن والثقافة

جوز العفريته

قصة قصيرة / بقلم د. محمد جابر

  • ياما …ياما…
  • مالك يا ضناى…مالك
  • يا ما…ياما

يصرخ الطفل فى فزع…يحاول   أن يدفع مايراه   خلف ظلال عقله…. يحرك يديه ورجليه فى يأس عسى أن يهرب من قدره الباكى.   ينجح عليوه أخيرا فى الهبوط من فوق فخذ أمه ويسرع مبتعدا إلى ركن سحيق فى الغرفة التى يأكلها التراب …يمسح دموعه..ثم.يقرر أن يجعلها  تتساقط منتحرة فى فمه الضاحك فى يأس…تقترب أمه مرة أخرى تتلمسه…

  • – مالك يا ضناى….مالك
  • نفس الحلم ياما    بس بقيت أشوفه وأنا صاحى…العفريته الوحشه بتاعه الليل لما يدخل…قاعده لى جوا الحلم   ياما..     .وبتضحك
  • يالهوى يابنى ….. كل ليله كده.
  • أنا مش عايز أنام ياما …كل ما أغمض عنيى  بتيجى وتفضل تضحك على طول…انا خايف ياما.
  • معلش يا ضنايا….مش عارف اعمل إيه  وتبدا فى اللطم على خديها.
  • ولا يهمك ياما  والنبى ماتزعلى ….ده بخت ….  بختى أنا   زى عم سرور مابيقول.
  • عم سرور مين يا ضنايا
  • عم سرور يا ما مش عارفاه
  • لا يابنى…. مين ده قول لى ماتغلبنيش.
  • عم سرور ياما …جوز العفريته.
  • يانهار مطين…جوز مين
  • اه يا ما  هو دايما بيقول كده    …كل ما أغمض عنيىى   تيجى تخضنى العفريتة الأول  وبعدين ييجى عم سرور ….راجل  عجوز  غلبان  …أوى … ييجى يطبطب على كتفى  ويقول ده بخت   بختك يا شحيبر  يا ابنى.
  • تدق الام صدرها فى فزع
  • شحيبر مين يا ابنى
  • أنا يا ما…جوز العفريته مسمينى  شحيبر. مش اسم حلو  ياما…انا شحيبر …. انا شحيبر  ويقفز الطفل فى سعادة.

تولول الأم وتحاول أن تلملم شظايا عقلها الذى بدأ فى التفكك.

-يا ابنى   حرام عليك  بقى  ارحمنى   شحيبر مين وسرور مين…اقولك لك روح العب مع العيال فى الحارة

-لا يا ما بخاف

-من ايه تانى يا حبيب امك.

-العيال فى الحارة بيقولوا على مخاوى عفاريت  وعبيط.

– سلامتك يا بنى من العبط  ده انت مافيش زيك.

– لا يا ما  وبعدين عم سرور مابيجيش بالنهار.

– تانى يا بنى…ارحمنى بقى.

– هو اللى بيقول لى  الكلمة الحلوة …  يطمنى   … وبيجيب لى حلاوة  وملبس.

-يا خبر أسود…وبتاخدهم  وتاكل منهم.

-ايوه  

ياما …كل يوم.

-أما…أما

-مالك تانى يا عليوه.

-عم سرور جه …عم سرور جه لوحده من غير العفريته .ويعدو الطفل فى فرح  غامر تاركا أمه تضرب كفا بكف

تجلس المرأة القرفصاء واضعة رأسها بين  كفيها وتبكى فى حرقة… تسمع صوتا من بعيد يناديها…تنتفض من لمسه يد على كتفها….تجد زوجها الجديد  عبد الحى  يتساءل عن سر دموعها.

  • مالك يا وليه
  • الواد يا عبد الحى
  • ماله الزفت ده كمان
  • كل يوم بيشوف عفريته لما يغمض عنينه من ساعة …من ساعة….
  • اخرسى يا وليه….بلاش كلام فى الموضوع ده
  • انا متهيألى إنه شافنا
  • اخرسى بقولك
  • لا شافنا….وإحنا….و إحنا….
  • ابوه خلاص راح وادفن وماحدش عرف حاجه.
  • يا عبد الحى أنا بقولك….
  • اخرسى بقى  وإلا…أوديكى تزوريه فى الترب.
  • حاضر.

يخرج عبد الحى تاركا المرأة تبحث فى الغرفة عن أى أثر لزوجها القتيل….تتذكر…كيف لملمت كل ماكان لديه  ودفنتها معه….جلباب قديم …حذاء متهالك…والفأس التى شرخت رأسه وهو نائم…كل شئ…كل شئ.

  • أما…أما
  • مالك يا بنى تانى
  • أنا بحب عم سرور أوى
  • ماشى يابنى
  • بس العفريتة وحشه أوى ياما
  • معلش يا ضناى
  • عم سرور خدنى النهارده بره البلد …قال لى احفر هنا حتلاقى حاجة حلوه.
  • فين يا بنى … رحت فين وتروح معاه ليه بس.
  • ماهو قال لى يا شحيبر…عايزك تلبس جلابية ابوك ومداسه.
  • يا خبر اسود ورحت معاه.
  • لا يا ما قلت اٌول لك الأول.
  • إوعى تروح يا بنى…اوعى…ده جوز العفريتة النداهة…ياخد العيال اللى زيك وياكلهم.
  • حاضر يا ما …بس عم سرور طيب اوى يا ما.

يسرع الطفل خارج لبيت وتكلم المرأة نفسها فى فزع

يأتى الليل من جديد….يزور البيوت كعادته لساعات طوال  ومعه هداياه….القلق الذى يأكل قلب المرأة وعقلها…..والعفريته وعم سرور لطفلها   الذى بدأ فى الصراخ من جديد…تعدو المرأة إلى مكان نومه كعادتها كل ليلة …تمد يديها إليه.. تأخذه فى حضنها البارد…تتبدل ابتساماتها الذابلة بضحكات غول حنون. .يفتح عليوه   جفونه…يغلقها وهو يصرخ….لا… لا  العفريتة طلعت من الحلم….عم سرور….عم سرور  …الحقنى …. العفريتة  بقت  أمى.

د.محمد جابر صدقي 

طبيب وأديب ومترجم 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى