حضارة السؤال

كتبه – عصام زايد
حضارة السؤال
حين مات السؤال واستيقظ
سقطت حضارة وحتماً ستعود
في أرض بعيدة، ولدت حضارة اسمها
“مدينة السؤال” كانت شمسها تشرق كل صباح
لا من الأفق بل من نوافذ العقول
وكانت أنهارها تجري بماء صاف
اسمه “لماذا؟“.
كانت بيوتها تبنى من مداميك العلوم
وتربط بملاط صنعه إخلاص القلوب
عاش أهلها قروناً في علو وشموخ،
يرفعون أعلام المعرفة، ويغرسون فيها
أشجار ثمارها فهماً وإبداع
كانوا قبلة لغيرهم
وتصدرت بضاعتهم الأسواق
لكن يوماً ما،
تسلل الصدأ إلى مفاصلها،
يوم قرر الناس أن السؤال مرهق،
والإجابة الجاهزة أدفأ وأيسر.
شيئا فشيئا جف نهر “لماذا”،
وتشققت جدران العلوم،
حتى لم يبق في المدينة سوى أصوات تردد
ما تركه الأجداد، دون فهم أو حتي استفهام
ثم جاء زمن،
ركب فيه القوم قطار ذو عربة واحدة
تدعي الإخلاص،
وأغلقوا نوافذ العلم
وانطلقوا مسرعين
فانقلبت بهم القاطرة في واد سحيق
من جهل وتقليد وابتداع
ومنذ ذلك اليوم،
لم تشرق الشمس من نوافذ العقول
لأن السؤال قد مات
ومضت قرون طويلة
وفجأة نبت في أطراف المدينة،
قلوب يقظة لم يطمسها
غبار التكرار،
ولا أطفأها صمت القرون.
اجتمعوا في بيوت صغيرة،
يضيئون ليلهم بفتيل من حبر،
ويحيكون من الكلمات تساؤلات،
كما كان يفعل الأجداد
قال أحدهم وكان طبيباً حاذقاً
لقد علمت الآن بيت الداء
إذا مات السؤال، ماتت معه حضارتنا
فلنحقنه في الوريد لتبتل به العروق
بدأوا يحفرون بعيونهم الكتب،
ويستمعون لوشوشة العقول،
وفجأة تسرب خيط ماء صغير،
من النهر القديم “لماذا“.
تجمع الناس حوله عطشى،
واكتشفوا أن الإجابة الحقيقية
ليست ما يلقن لهم،
بل ما يولد من رحم السؤال
وبينما كانت المدينة تستيقظ ببطء،
انطلقت أول صرخة طفلٍ يسأل: “لماذا؟“
فابتسم الشيوخ،
وعرفوا أن الشمس ستعود
لتشرق من جديد من نوافذ العقول
عصام زايد
كاتب وباحث وخبير في علوم الإدارة