الصراط المستقيم

حكم الدين الكذب الأبيض وكذبة إبريل.

كتبت / عزه السيد

 

س:ما حكم الدين فى الكذب الأبيض وكذبة أبريل؟

أجاب الشيخ عطية صقر رحمه الله رئيس لجنة الفتوي بالازهر الشريف فقال من الأمور المتفق عليها في الأديان والعقول السليمة أن الصدق فضيلة والكذب رذيلة ، والصدق هو التعبير المطابق للواقع قولا أو فعلا، والكذب هو التعبير المخالف للواقع ، قولا أو فعلا، ومن أخطر الكذب في القول شهادة الزور، وفى الفعل النفاق ، والوعيد عليهما شديد في القرآن والسنة .

ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة شأن كل حرام ، فالضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها ، بمعنى أن يكون ذلك في أضيق الحدود إذا لم توجد وسيلة أخرى تحقق الغرض وتمنع الضرر، ومن هذه الوسائل المشروعة ما يسمى بالمعاريض حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين ، يفرض على الإنسان أن يقولها، فيقولها بالمعنى الحلال لا بالحرام ، ومثلوا لها بما إذا قيل للإنسان : اكفر بالله ، فيقول : كفرت باللاهى، ويريد الشيطان وما يشبهه من كل ما يلهى وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة للغير تذكر، وذلك فيما رواه البخارى ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول خيرا” وفى رواية زيادة هى : قالت : ولم أسمعه يرخص في شىء مما يقول الناس إلا فى ثلاث ، تعنى الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها . والمراد بالحديث بين الزوجين هو عن الحب الذي يساعد على دوام العشرة ، والشواهد عليه كثيرة وليس في أمور أخرى تضر بالحياة الزوجية .
ورأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث ، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزى ما نصه :
وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا ، وإن كان واجبا فهو واجب . وقال ابن القيم في “زاد المعاد”ج 2 ص 145 : يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب ، ، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التى حصلت بالكذب .
إلى أن قال : ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعمال الحق ، كما أوهم سليمان بن داود عليهما السلام إحدى المرأتين بشق الولد نصفين ، حتى يتوصل بذلك إلى معرفة عين أمه .
ومنه كذب عبد الله بن عمرو بن العاص على الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة ، فلازمه أياما ليعرف حاله ، وادعى أنه مغاضب لأبيه ، رواه أحمد بسند مقبول ” الترغيب والترهيب ج 3 ص 219 ” ويقاس عليه حلف اليمين لإنجاء معصوم من هلكة، واستدل عليه بخبر سويد بن حنظلة أن وائل بن حجر أخذه عدو له فحلف أنه أخوه ، ثم ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ” صدقت ، المسلم أخو المسلم ” الآداب الشرعية لابن مفلح . ويمكن الرجوع في استيضاح هذه النقطة إلى “نيل الأوطار للشوكانى ج 8 ص 85 ” وإلى “إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ج 7 ص 119 ” .
ومن هذا الباب كذبات إبراهيم عليه السلام ، وهي معاريض ، حيث قال عندما كسر الأصنام “بل فعله كبيرهم هذا ” وعندما طلب لمشاركتهم في العيد “إنى سقيم ” وقوله عن زوجته : إنها أخته لينقذها من ظلم فرعون “مصابيح السنة للبغوى ج 25 ص 157 ” الموضوع طويل وله جوانب متعددة ، ونخلص إلى أن الكذب الأبيض هو الذي لا يترتب عليه ضرر وتتحقق به مصلحة مشروعة، وهو جائز ولكن ينبغى أن يكون في أضيق الحدود . لما فيه من ضرر للغير ولو كان بسيطا في نظر الكاذب فقد يكون كبيرا في نظر المكذوب عليه . وفي المعاريض مندوحة عنه . وكذلك في المداراة التى هي بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا ، وهى خلاف المداهنة التى يمكن معرفة الفرق بينهما من كتاب : المواهب اللدنية للقسطلانى “ج 1 ص 291 ” وسراج الملوك للطرطوشى “ص 79” وإحياء علوم الدين للغزالى “ج 3 ص 138 ” هذا ونقل عن الغرب ما يعرف بكذبة أبريل وتورط فيها بعض المسلمين والروايات -في أصلها كثيرة ، فقيل إن أول من اخترعها أحد ملوك فرنسا في القرن السادس عشر، وهو شارل التاسع الذي قرر أن تكون بداية السنة في أول يناير بدلا من أول أبريل كما كانت ، فقابل الناس ذلك بالتذمر، لأن من عادتهم فيه تبادل الهدايا ، لأنه رأس السنة ، فاضطروا خوفا من الملك أن يتبادلوها في أول يناير مع استمرارهم في تقديمها أول أبريل التى جعلوها تافهة ، وقيل إنها في فرنسا تدعى “سمكة أبريل ” لأن موسم الصيد يبدأ في أبريل ، لكن الأسماك تكون قليلة وهزيلة، وقد يرمى الصياد شبكته فلا يخرج شيئا أو يخرج شيئا تافها . ومن هناك كانت تسمية سمكة أبريل تقال للشيء التافة أو للكذب ، وقيل غير ذلك .
والمهم أن نعلم أن الكذب لا يجوز إلا في أضيق الحدود حيث تحقق المصلحة به لا بوسيلة أخرى من غير مضرة كبيرة للغير،والأولى البعد عنه حتى لا يعتاده اللسان ، وفي المعاريض مندوحة عنه كما تقدم . وأساس المعاريض حسن استخدام الألفاظ ذات المعانى المتعددة المتقابلة . كالذي يقول : أنا أحب الفتنة ، ويريد المال ، وأكره الحق ، ويريد الموت ، وكمن يصف عسل النحل بلفظ تتقزز النفس منه ، كما جاء في كتاب “مفتاح دار السعادة”ج 1 ص 141 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.