بقلم / الدكتور أحمد كريمة
مفهوم ” التمثيل الدرامي ” Drama :
‘ التمثيلية : عمل فني ، منثور أو منظوم ، يؤلف على قواعد خاصة ، ليمثل حادثًا حقيقيًا ، أو مختلفًا قصد العبرة :كما جاء في المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية .
‘ الدراما : هى التشخيص والتمثيل والمحاكاة للواقع الشخصي والملابسات والأجواء .
هى : تصوير الشئ ، أو تصوير صفات الشئ ، أى : محاكاة شئ من الأشياء بإبداع صورته ومثاله .
ومفاد التمثيل الدرامي : تمثيل يقدم محاكاة وتصويرًا فيه من البهاء والحسن والزينة ما ينمى الإيجابيات النبيلة ، والجميلة فى واقع الحياة ، وذلك حتى ينهض الجمال الأخلاقي بالدور الأساسي فى تربية المشاهدين لهذا التمثيل ” مجلة الأزهر عدد ربيع أول 1436هـ يناير 2015م افتتاحية أ.د / عبد المنعم عمارة ”
أولاً : حكم شخصيات الأنبياء والرسل عليهم السلام فى أعمال أو أدوار فنية :
محل اختلاف بين مجيز لاعتبارات ذهب إلى ذلك متخصصون وفنيون :
أ ) لا يوجد نص شرعي من القرآن الكريم ، وما صحت نسبته إلى سيدنا محمد رسول الله ، ولا إجماع الصحابة رضى الله عنهم يحرم هذا التمثيل ، مما يجعله على أصل الإباحة .
ب ) تحقيق التمثيل الفني لشخصيات الأنبياء والرسل عليهم السلام مصالح معتبرة بتقديم نماذج من الأسوة والقدوة التي تحبب للناس المثل العليا التي عاش وجاهد فى سبيلها هؤلاء الأنبياء والرسل عليهم السلام ” مجلة الأزهر مرجع سابق ص 450 بتصرف – ” ، قال الله عز وجل – : ” لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ” الآية 111 من سورة يوسف
ج ) أن طائفة الشيعة الإمامية قدموا أعمالاً فنية لأنبياء ورسل عليهم السلام انتهي ما استند إليه أهل الفن ” أفلام ومسرحيات وتمثيليات ” وغيرها .
وذهب إلى الإباحة الشيعة الإمامية ولهم استدلال مؤداه الإجمالي أن درجة الرسل والأنبياء عليهم السلام أقل من درجة الإمامة فلا مانع من تمثيلهم :
الإيضاح : خلاصة ما استدل به الشيعة :
دعواهم أن النبوة أدنى درجة من الإمامة !! فمما قالوه : أن الإمامة قد امتازت على النبوة لأنها استمرت بأداء الرسالة بعد انتهاء دور النبوة ، فالنبوة لطف خاص ، والإمامة لطف عام ” تلخيص الشافي للطوسي 4/131 وما بعدها ” .
” إن قوة الوحي والإلهام تبلغ الكمال فى أعلى درجاته عند الأئمة ، فيكون فى صفاء نفسه القدسية على استعداد لتلقى المعلومات فى كل وقت وفى كل حالة ، فحتى توجه إلى شئ من الأشياء وأراد معرفته الإلهامية بلا توقف ولا ترتيب مقدمات ، ولا تلقين معّلم ، وتتجلى فى نفسه المعلومات كما تتجلى المرئيات فى المرئيات الصافية …. ” عقائد الإمامية المظفر محمد رضا ص 69 وما بعدها ” .
وما فى معتقدات الشيعة من مزاعم وادعاءات فى النبوات والرسالات السماوية ما هو خارج عن الرواية المقبولة والدراية المعقولة فمن ذلك :
رفع علم الأئمة على علم الله تعالى نفسه ” الكافي للكليني 1/230 ” .
رفع علم الأئمة على علم الرسل والأنبياء عليهم السلام ” المرجع السابق ” .
” إن للأئمة عند الله تعالى – مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وإن للإمام مقامًا محمودًا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون ! ” الحكومة الإسلامية للخوميني ص 52 وما بعدها ” ، ” وأن حساب الخلق على الأئمة ، وإيابهم إلى الأئمة ” مصباح الهداية إلى الولاية والخلافة للخوميني ص 84 ” ، وعلق الدكتور محمد عمارة على المعتقد الأخير إن لكلام الخوميني هذا أصل فى ” الأصول من الكافي للكليني ج1 / 401 وما بعدها ” باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب ” ! .
ومن معتقدات الشيعة فى النبوات والرسالات : ” تفويض الله للأئمة من أهل البيت الولاية التشريعية والولاية التكوينية ، وذلك أن زمان العالم بأيديهم ، فلهم التصرف فيه إيجادًا وإعدامًا ، كما أن زمان الإمامة بيد عزرائيل ، وأن الأئمة هم الوسائط فى خلق العالم ، والعلة الغائية له ، كما أنهم سبب لطف الله تعالى وإفاضته على العالم واستمرار قيام العالم بهم ” من فقه الزهراء محمد الشيرازي 1/10 وما بعدها نقلاً عن كتاب عوالم العلوم ومستدركاتها مجلد 1 ” مجلد فاطمة ” ! .
مؤدي معتقدات الشيعة الإمامية فى النبوات أنها أقل من درجة الأئمة المعصومين لأن الأئمة لهم مقام لا يبلغه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ! ، وعليه منعوا تمثيل الأئمة واجازوا تمثيل الرسل والأنبياء عليهم السلام – !!
يناقش :
أ ) مستند أهل الاختصاص القائلين بالمنع ، قال الله عز وجل – : ” وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ” الآية 83 من سورة النساء
ب ) يناقش الشيعة الإمامية فى مزاعمهم أن الأنبياء والرسل عليهم السلام أقل درجة من أئمة أهل البيت رضى الله عنهم وعليه فيجوز تمثيل الرسل والأنبياء عليهم السلام ولا يجوز تمثيل الأئمة رضى الله عنهم !
أن هذا الكلام مخالف لقطعيات وثوابت ومسلمات وأصول الإسلام ، فالنبوات والرسا لات السماوية أعلى درجة ، قال الله تعالى – : ” اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ” الآية 75 من سورة الحج ” إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ” الآية 33 من سورة آل عمران ، ” رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ” الآية 165 من سورة النساء ، ومناصر الرسل والأنبياء عليهم السلام ورضى الله عنهم تابعون للرسل والأنبياء عليهم السلام مثل المختارون من قوم موسى عليهم السلام ” وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا ” الآية 154 من سورة الأعراف – ، وحوارى المسيح عليه السلام ” كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله ” الآية 14 من سورة الصف ، ومثل الصحابة رضى الله عنهم ” وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ” الآية 100 من سورة التوبة – ، والقول بغير ذلك مجافاة ومناقضة لكتاب الله عز وجل ، وهم أى مناصرو الرسل والأنبياء عليهم السلام أولياء صالحون رضى الله عنهم ليس لهم من مهمات سوى الإتباع للرسل والأنبياء عليهم السلام ورضى الله عنهم وخدمة الدعوة إلى الله عز وجل ومعتقدات الشيعة فيها الغلو و ” محدثات الأمور ” و ” مبتدعات ” مرفوضة شكلاً وموضوعًا .
ذهب المسلمون قاطبة عدا الشيعة الإمامية كما سبق إلى منع تمثيل الرسل والأنبياء عليهم السلام لاعتبارات منها :
استحالة الفصل بين الجانب الإلهي فى شخصياتهم من العصمة والوحي والكمال الإنساني وبين الجانب البشرى فيهم ، وعليه يستحيل تمثيل الجانب البشرى وحده من غير الجانب الإلهي والمعجز فهم ” مصطفون أخيار ” مؤيدون بمعجزات إلهية ، وسمو تربية أخلاقية ، قال الله عز وجل – : ” وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ” من الآية 47 من سورة ص
*الرتبة المميزة للأنبياء والرسل عليهم السلام – : أجمعت الأمة المسلمة على أن النبوة هى الوحي من الله عز وجل بأن يعلم الوحي إليه بأمر ما لم يكن يعلمه من قبل وأن الرسالة هى النبوة وزيادة ، وهى بعثة إلى خلق ما ، وبأمر ما ” المحلى ص 90 ” ، وأن أفضل الخلائق الرسل ثم الأنبياء عليهم السلام ” المرجع السابق 43 ، 50 ” .
عصمة الرسل والأنبياء – عليهم السلام ” فتح الباري 11/371 ، شرح صحيح مسلم 2/150 ، مقدمة البحر الزخار 81 ” ، والعصمة عامة ومطلقة .
مما تقرر شرعًا : الإجماع على أن حقيقة الرسل والأنبياء عليهم السلام ليسوا خالصى البشرية فشخصياتهم وحياتهم امتزج فيها الإلهي بالبشرى ، والمعجز والعادي السامي ، فمما قاله أهل العلم : إن الأنبياء والرسل عليهم السلام وسائط بين الله تعالى وخلقه ، يبلغونهم أوامره ونواهيه ، ووعده ووعيده ويعرفونهم بما لم يعلموه من أمره وخلقه وجلاله وسلطانه وجبروته وملكوته ، فظواهرهم وأجسامهم وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر ، طارئ عليها ما يطرأ على البشر من الأعراض والأسقام والموت والفناء ونعوت الإنسانية ، وأرواحهم وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر ، متعلقة بالملأ الأعلى ، متشبهة بصفات الملائكة ورؤيتهم ومخاطبتهم ومخالتهم ، كما لا يطيقه غيرهم من البشر ، ولو كانت أجسادهم وظواهرهم متسمة بنعوت الملائكة ، وبخلاف صفات البشر لما أطاق البشر ومن أرسلوا إليهم مخاطبتهم ، قال الله عز وجل : قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً ” الآية 95 من سورة الإسراء فجعلوا من جهة الأجسام والظواهر مع البشر ، ومن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة ، فبواطنهم منزهة عن الآفات مطهرة عن النقائض والاعتلالات الشفا للقاضى عياض ص 53 – ، وقريب ما أورده الإمام محمد عبده ” الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ، ج3 / 400 وما بعدها تحقيق ودراسة دكتور / محمد عمارة ” .
حرمة انتقاص الرسل والأنبياء عليهم السلام لأن التمثيل كما قرر الأستاذ الدكتور / محمد عماره : محاكاة للواقع ، ونحن بإزاء الرسل والأنبياء عليهم السلام أمام إعجاز مفارق للواقع ، مستحيل على المحاكاة والمثيل ” مجلة الأزهر مرجع سابق ص 459 ”
تأسيسًا على ما ذكر وما يناظره وما يشابهه
القول بمنع الأعمال الفنية بحق الرسل والأنبياء عليهم السلام هو الأولى بالقبول والعمل به والله عز وجل الهادي إلى سواء السبيل .