احدث الاخبار

“حماس” وعودة المخاوف الجيوسياسية وذكريات السبعينيات


تقرير / محمد الهادى

تسبب هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل إلى تأجيج نيران صراع قديم في الشرق الأوسط وأثار مخاوف من أن الاقتصاد العالمي يواجه تكرارا لما حدث في السبعينيات المضطربة. قبل ما يقرب من 50 عاماً بالضبط، ساعدت صدمة أسعار النفط الناجمة عن حرب السادس من أكتوبر وما تلاها من حظر تصدير النفط الخام ضد الدول التي دعمت إسرائيل في الصراع، على الدخول في عقد من الركود التضخمي – وهو مزيج سام من النمو الاقتصادي الضعيف والتضخم المتصاعد. والآن، مع استمرار تصاعد الحرب الحالية في إسرائيل، لا يستطيع هنري ألين، الخبير الاستراتيجي في دويتشه بنك، إلا أن يشعر وكأنه سبق له أن شاهد مثل هذه الأحداث من قبل.

وكتب خبير “وول ستريت” المخضرم في مذكرة أمس الاثنين: “بينما ننظر إلى السبعينيات اليوم، هناك عدد مذهل من أوجه التشابه مع عصرنا”. “خلال عطلة نهاية الأسبوع، أظهرت الهجمات على إسرائيل كيف يمكن للمخاطر الجيوسياسية أن تعود بشكل غير متوقع”، وفقاً لما نقلته مجلة “Fortune”، واطلعت عليه “العربية.نت”.

كان النمو الاقتصادي الهزيل والتضخم العنيد الساحق هو الوضع الراهن في معظم سبعينيات القرن العشرين، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء العالم. بين عامي 1973 و1983، ومع انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول، بلغ متوسط التضخم 11.3% على مستوى العالم، أي أكثر من 3 أضعاف متوسط العقد السابق. ويتمثل خوف “ألين” الرئيسي في أننا قد نشهد تكراراً لهذا النوع من التضخم المستمر خلال عشرينيات القرن الحالي.

وأشار إلى عدد من الأسباب التي تجعله يشعر بالقلق الشديد، بدءاً من التهديد بحدوث صدمة أخرى في أسعار النفط إلى “الاضطرابات الصناعية” المتزايدة من قبل العمال والتي يمكن رؤيتها في الإضرابات النقابية.
بالتوازي مع السبعينيات
وفقاً لـ “ألين”، فإن “التشابه الأكثر وضوحاً بين عشرينيات القرن الحادي والعشرين وسبعينياته هو الارتفاع في أسعار الطاقة، وخاصة أسعار النفط”.

وجاءت الأولى في أكتوبر 1973، عندما خفضت “أوابك” – منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول – إنتاجها من النفط وفرضت حظرا على عدد من الدول لدعمها إسرائيل في حربها ضد تحالف الدول العربية بقيادة مصر وسوريا خلال الحرب. وأدت هذه الخطوة إلى ارتفاع سعر برميل النفط بنسبة 300% من 2.90 دولار إلى 11.65 دولار خلال 4 أشهر فقط.

وعلى نحو مماثل، أدت الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات اللاحقة ضد الغرب لدعمه لأوكرانيا إلى رفع أسعار النفط من نحو 80 دولارا للبرميل في بداية عام 2022 إلى أكثر من 139 دولارا في 3 أشهر فقط. ثم تراجعت الأسعار ببطء إلى مستوى منخفض بلغ حوالي 74 دولاراً في يونيو الماضي، لكن الاختلال في التوازن بين العرض والطلب أدى إلى ارتفاع مطرد منذ ذلك الحين. وتهدد الحرب بين إسرائيل وحماس بإعادة ذكرى سيئة أخرى من السبعينيات ـ صدمة النفط الثانية.

في عام 1979، شلت الثورة الإيرانية إنتاج النفط الإيراني، مما أدى إلى انخفاض إنتاج النفط الخام العالمي بنحو 7%. ثم بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، مما أدى إلى مزيد من التخفيضات في إنتاج النفط. ارتفعت أسعار النفط الخام من أقل من 10 دولارات للبرميل في أوائل عام 1979 إلى 34 دولاراً للبرميل بحلول فبراير 1981 نتيجة لذلك.

وأوضح ألين أن “صدمات العرض هذه تسببت في صعوبات خطيرة للاقتصاد، سواء في السبعينيات أو اليوم، لأنها أدت إلى ارتفاع التضخم وتثبيط النمو في نفس الوقت”، مشيراً إلى أن ارتفاع أسعار النفط قد وضع البنوك المركزية في موقف صعب لأنها ما زالت تواصل معركتها ضد التضخم وسط تلاشي النمو الاقتصادي العالمي.

ومع ذلك، قال نائب كبير استراتيجيي الأسواق في كابيتال إيكونوميكس، جوناس غولترمان، إنه لا يعتقد أن الصراع الأخير في الشرق الأوسط سيكون له تأثير كبير على أسعار النفط مثل الحروب السابقة.
سيتطلب الأمر تصعيداً كبيراً لهذا الصراع لتوليد صدمة مماثلة لتلك التي حدثت في عام 1973 في أعقاب حرب أكتوبر الأولى. في ذلك الوقت، تضاعفت أسعار النفط 4 مرات في غضون بضعة أشهر؛ وتظل مثل هذه النتيجة بمثابة سيناريو المخاطرة”، وفقاً لما كتبه في مذكرة يوم الاثنين.

وبغض النظر عن احتمال حدوث صدمة أخرى في أسعار النفط، أشار ألين من “دويتشه بنك” إلى أن التضخم لا يزال أعلى بكثير من أهداف البنوك المركزية في العديد من الدول في جميع أنحاء العالم، تماماً كما حدث في السبعينيات. وفي تكرار آخر للتاريخ، قد يكون الاقتصاديون متفائلين بعض الشيء بشأن المسار الذي ينتظرنا بالنسبة لأسعار المستهلك.

واصاف الين : “كانت التوقعات متفائلة بشكل متكرر في السبعينيات، حيث تم التقليل من أهمية استمرار التضخم”، موضحا أن هناك “ظاهرة مماثلة” في عشرينيات القرن الحالي، والتي يمكن أن تدفع البنوك المركزية إلى أن تكون متشائمة للغاية”. “الآن ليس الوقت المناسب للشعور بالرضا عن الذات… لقد أظهرت السبعينيات كيف يمكن للصدمات غير المتوقعة أن تدفع التضخم بسرعة إلى الارتفاع من جديد”.

كما أن عدد العمال المضربين آخذ في الارتفاع في تكرار لما حدث في السبعينيات. لقد اتخذ الممثلون وكتاب السيناريو وعمال السيارات والصحافيون وغيرهم خطوات جذرية للضغط من أجل رفع الأجور للتعويض عن التضخم في السنوات الأخيرة.

في السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، شهد العمال الأميركيون ارتفاعاً في أجورهم بانتظام بنسبة 7% أو 8% أو ما يصل إلى 9% سنوياً للتعويض عن ارتفاع الأسعار. لكن بعض الاقتصاديين يعتقدون أن الزيادات المستمرة في الأجور ساعدت في تفاقم التضخم ويخشون من أن الإضرابات العمالية الحالية يمكن أن تفعل الشيء نفسه.

والخبر السار، وفقا لألين، هو أنه “حتى مع وصول عدد الإضرابات إلى أعلى مستوياته منذ عقود، فإن حجم العمل الصناعي لا يزال عند جزء صغير فقط من مستوياته في السبعينيات”.

ومع ذلك، فإن العمال المضربين وصدمات أسعار النفط تذكرنا بالتأكيد بعصر الديسكو، وحتى الطقس يبدو وكأنه يشبه إلى حد كبير السبعينيات. وحذر ألين قائلاً: “إننا نشهد أيضاً ظاهرة النينيو هذا العام، والتي تحاكي حدثاً مماثلاً في أوائل السبعينيات والذي فرض ضغوطاً تصاعدية على أسعار المواد الغذائية”، مضيفاً أن “هناك خطراً واضحاً في أن يؤدي ذلك إلى خلق صدمة تضخمية أخرى”.

أسباب التفاؤل
وفي حين أن هناك بالتأكيد الكثير من أوجه التشابه بين السبعينيات واليوم، إلا أن هناك أيضاً عدداً من الاختلافات والأسباب التي تجعلنا نعتقد أن الاقتصاد العالمي يمكنه تجنب الركود التضخمي.

فأولا، قامت البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم برفع أسعار الفائدة بقوة لمواجهة ارتفاع التضخم، وهو ما كان في نهاية المطاف السبب وراء تباطؤ الزيادات في أسعار المستهلك في أوائل الثمانينيات. ثانيا، بعد سنوات من تضخم سلسلة التوريد، قال ألين إن سلاسل التوريد “تعافت على نطاق واسع”. وانخفض مؤشر ضغط سلسلة التوريد العالمية التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك – والذي يقيس القيود الناجمة عن سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم – إلى ما دون متوسطه طويل الأجل بعد أن وصل إلى مستوى قياسي في أواخر عام 2021.

كما أن أسعار السلع الأساسية، بشكل عام، لا تزال عند مستويات الذروة التي بلغتها بعد الغزو الروسي؛ وتظل توقعات التضخم لدى المستهلكين ثابتة؛ وأصبح الاقتصاد الأميركي أقل استهلاكا للطاقة بكثير مما كان عليه في السابق بسبب عدد من العوامل، بما في ذلك انخفاض التركيز على الإنتاج الصناعي ومعايير كفاءة المركبات الجديدة. انخفضت كثافة الطاقة في الولايات المتحدة – وهي مقياس استهلاك الطاقة الأولية لكل دولار من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي – بنسبة 80% تقريباً منذ عام 1950، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وأوضح آلن أن “صدمة الطاقة في السبعينيات كانت قادرة على التسبب في أضرار اقتصادية أكبر بكثير مما هي عليه اليوم، لأن اقتصاداتنا كانت أكثر اعتمادا على الطاقة”.

في تلخيصه لكل ذلك، قال الخبير الاستراتيجي المخضرم إن هناك “الكثير من العلامات الواعدة التي تشير إلى إمكانية تجنب العودة إلى السبعينيات”، لكن الصراع الأخير في الشرق الأوسط يعني “أنه من السابق لأوانه توقع نتيجة واضحة لكل شيء”.

“في نهاية المطاف، لا يزال التضخم أعلى من الهدف في كل دولة من دول مجموعة السبع، حتى لو انخفض عن ذروته. لقد رأينا في السبعينيات كيف يمكن أن تؤدي الصدمات الجديدة إلى عدم استقرار التوقعات، وخاصة إذا كانت تأتي بالفعل في أعقاب فترة كان فيها التضخم أعلى من الهدف. وفي الوقت نفسه، لا يزال النمو بطيئا في العديد من البلدان، ومقارنة بالسنوات الأخيرة، يواجه صناع السياسات المزيد من القيود عند تحفيز الاقتصاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.