حين تُصبح المتعة خطرًا: هل المحتوى الترفيهي في العالم الرقمي يفسد أخلاقنا؟

بقلم / د. هناء خليفة
في عصر تتسارع فيه نبضات الشاشة أسرع من نبضات القلب، أصبح الترفيه الرقمي جزءًا لا يتجزأ من يومياتنا. فيديوهات قصيرة، مقاطع مضحكة، تحديات جريئة، برامج واقعية… كل هذا وأكثر يتسلل إلى وعينا بلمسة إصبع. لكن، وسط هذا الكم الهائل من المتعة البصرية، يبرز سؤال أخلاقي ملحّ: هل ندفع ثمناً خفياً مقابل الترفيه؟
*الترفيه بين الإبهار والانحدار*
لم يعد المحتوى الترفيهي مجرد وسيلة للراحة بعد يوم شاق، بل تحوّل إلى صانع ذوق، وموجّه ثقافي، وحتى معلم أخلاقي (أو لا أخلاقي!). تقول دراسة أجرتها شركة Statista عام 2024 إن المستخدم الرقمي يقضي أكثر من 2.5 ساعة يوميًا في مشاهدة محتوى ترفيهي عبر منصات مثل TikTok وYouTube وInstagram Reels. والمقلق أن أكثر من 60% من هذا المحتوى يركز على “الترندات” القائمة على الإثارة والصدمة.
*أين تختفي الأخلاق؟*
في سباق كسب المشاهدات، أصبح الترفيه الرقمي يجنح في كثير من الأحيان نحو الإباحية اللفظية، التلميحات الجنسية، التنمر، واستغلال الأطفال والشباب لجذب الانتباه. لا توجد رقابة حقيقية على ما يُنشر، ولا معايير أخلاقية واضحة. بل إن الخطر الأكبر يكمن في “تطبيع” هذه السلوكيات، بحيث يعتاد الجمهور—خصوصًا الشباب—على مشاهد ومفاهيم لا تتماشى مع قيم مجتمعاتهم.
في تقرير صدر عن “اليونيسكو” عام 2023، حذّرت المنظمة من أن “الإعلام الرقمي الترفيهي أصبح ساحة مفتوحة لترويج أنماط سلوكية مقلقة، تؤثر بشكل مباشر على تصور المراهقين للهوية، الجسد، والعلاقات”.
*من يقرر ما هو مقبول؟*
المشكلة ليست فقط في نوعية المحتوى، بل في غياب الوعي النقدي لدى المتلقي. نحن لا نتحدث عن الرقابة التقليدية أو تكميم الأفواه، بل عن حاجة ملحة لإعادة تعريف الحدود الأخلاقية للمحتوى الترفيهي. من الضروري أن تشارك المنصات الرقمية في تحمل المسؤولية، وأن يُعاد النظر في خوارزميات الترشيح التي تفضل المحتوى الصادم على المحتوى القيمي.
*بين المسؤولية والحرية: هل من توازن؟*
الحرية في الإعلام الرقمي لا تعني الفوضى. بإمكاننا أن نُنتج محتوى ترفيهيًا جذابًا، مشوّقًا، لكنه يحمل قيمة، يُضحك دون أن يُهين، يُبهر دون أن يُفسد، يُرفّه دون أن يُخدّر العقول.
بل إن بعض المنصات بدأت تستثمر في برامج “ترفيه هادف”، وشهدنا نماذج لمؤثرين استطاعوا جذب الملايين عبر محتوى نظيف وذكي. فهل نعيد التوازن بأنفسنا، أم ننتظر موجة أخلاقية جديدة؟
🖋 نحن أمام مفترق طرق: إما أن نواصل الانجراف وراء محتوى رقمي يضحكنا ويُفسدنا في آن، أو نعيد صياغة المشهد الترفيهي بمنظور أخلاقي لا يُنقص من متعته شيئًا. المحتوى الترفيهي ليس شرًا في ذاته، لكنه يصبح كذلك عندما يتجرد من أي مسؤولية.
*فلنسأل أنفسنا دائمًا: هل نضحك اليوم على حساب قيم الغد؟*