حين يسقط الاسم من ورقة الحزب

بقلم أ/حسن السعدني
زرت صديقي العزيز – أمس – في منزله الجديد. جلسنا على الشرفة، وقد امتزج عبق الذكريات برائحة القهوة الساخنة. كنا نضحك ونسترجع أيامنا القديمة، إلى أن سألته فجأة، بشيء من الفضول:
– “ما أخبار الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
من المتصدر؟ من الصادق؟
من القادر؟. من الذي يستحق فعلاً أن نحمله على أكتافنا ونعلق اسمه على أعناقنا ؟”
أطرق قليلاً، ثم ابتسم تلك الابتسامة الممزوجة بالمرارة، وقال:
– “أتعرف المرشح فلان؟”
قلت بسرعة:
– “نعم،
يقول : شعبيته كبيرة ، والناس تحبه
-كمايدعى
هز رأسه وقال:
– “ومع ذلك، ينتظر ترشيح الحزب له.”
تعجبت وسألته:
– “وماذا لو لم يرشحه الحزب؟”
أجابني بهدوء كمن يحكي عن قدر لا مفر منه:
– “سيتراجع.”
سكتُ لحظة، ثم أردفت:
– “غريب!
رجل يدعى أن القلوب تلتف حوله ، وأنه يملك كل هذا العقول ويستحوذ على تلك القلوب، ثم يتراجع فقط لأنه لم يُرشّح من حزب؟!”
أشار بيده وكأنّه يريني وجهاً آخر للواقع وقال:
– “هذه هي اللعبة يا صاحبي… كثيرون لا يدخلون الميدان إلا بتصريح من غيرهم، ولو كان الجمهور يهتف لهم في كل زاوية!”
ثم سألته عن مرشح آخر كنت أسمع عنه الكثير، فأجابني بنبرة مختلفة:
– ” أما هذا فلن يتراجع… سيكمل الطريق حتى آخره، لا ينتظر إذنًا من أحد.”
نظرت في عينيه وقلت:
– “إذن، ما الشروط المطلوبة حتى نرى مرشحًا يُراهن عليه العقل قبل القلب؟ مرشحًا لا تحركه أوتار الأحزاب، بل تدفعه قناعة الناس وثقته بنفسه؟”
صمت صديقي، ونظر إلى الأفق البعيد…
قال بصوت هادئ يشبه حديث الحكيم لنفسه:
– “نحتاج مرشحًا لا يتبع ظل غيره، بل يصنع لنفسه شمسًا. نحتاج من لا يخشى خسارة الكرسي، لأنه أصلاً لم يكن يركض خلفه. نحتاج رجلًا إذا سقط اسمه من ورقة الحزب، كتبه الناس بقلوبهم.”
أطرق صديقي ثم أضاف:
– “أن تكون محبوبًا شيء، وأن تكون جديرًا بتحمل المسئولية شيء آخر… لكن أن تملك الجرأة لتسير وحدك عندما يتخلى الجميع، فذلك هو ما يُثبت من أنت.”
غابت الشمس، لكن كلماته بقيت تتوهج في رأسي، كأنها درس من الحياة لا يُنسى… وخرجت من عنده وأنا أهمس في داخلي:
“ليتنا نعرف من ننتخب… قبل أن نعرف من يرشّح!”