خطاب موشيه ديان في تأبين الجندي القتيل “روعي روتبرغ” ودوره في تشكيل الوعي الأمني الإسرائيلي

جمع وترتيب: هاني حسبو.
يوم 30 ابريل عام 1956 قتل أحد الجنود الاسرائيليين, واسمه روعي روتبرغ, بالقرب من حدود قطاع غزة على أيدي فدائيين عرب. وفي جنازته حضر رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي موشيه ديان شخصياً وألقى في الجموع كلمة مرتجلة تكلم فيها على سجيته ومن قلبه وبدون مراعاة الدبلوماسية والكلام المنمق. وفي خطبته تلك أظهر موشيه ديان حقيقة الصهاينة المتوحشين الذين لا يعرفون سوى لغة القوة والبطش والموت.
قال ديان:
“بالأمس قُتل روعي، سكينة الصباح الربيعي أبهرت عينيه، فلم يرَ المتربصين بروحه على حدود التلم في الحقل. يجب ألاّ نتهم القتلة اليوم، كيف لنا أن نشكو كراهيتهم الشديدة لنا؟ فمنذ ثمانية أعوام وهم يقيمون داخل مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، ونحن أمام أعينهم نحوّل الأراضي والبلدات التي أقاموا فيها، وأقام فيها أجدادهم من قبلهم، إلى مزارع لنا.”
“علينا أن نطالب بدم روعي من أنفسنا لا من العرب في غزة. كيف أغمضنا عيوننا ولم نحدق في مصيرنا، لنرى وعد زماننا بكل قسوته؟ هل ننسى أن مجموعة الشباب هنا في كيبوتس ‘ناحال عوز’ تحمل على أكتافها بوابات غزة الثقيلة، بوابات تزدحم خلفها مئات آلاف العيون والأيدي المبتهلة لنضعف، كي يتمكنوا من الظفر بنا وتمزيقنا؟ هل نسينا؟”
“سنقيم اليوم حسابنا مع أنفسنا، نحن الجيل الذي يستوطن الأرض، فمن دون خوذة الفولاذ والمدفع لن يكون في إمكاننا أن نبني بيتاً أو نزرع شجرة. علينا ألاّ نرتدع أمام الاشمئزاز الذي يلتهب في حيوات مئات ألوف العرب الذين يعيشون حولنا، هذا قدر جيلنا، وهذا خيارنا، أن نكون مستعدين ومسلحين.”
“روعي، الفتى الذي غادر تل أبيب ليشيّد له منزلاً على أبواب غزة، ويكون سوراً لنا، أعمى الضوء في فؤاده عينيه، فلم يرَ بريق السكين؛ الشوق إلى السلام أصمّ أذنيه فلم يسمع صوت القتل المترصد له، ولم تتسع كتفاه لأبواب غزة الثقيلة، فصرعته.”
“يُعدّ هذا الخطاب حجر زاوية في تشكيل المفهوم الأمني الإسرائيلي وأحد مُدخلات تشكيل الوعي الجمعي الإسرائيلي تجاه غزة، إذ تناول الحاجة الدائمة للاحتلال إلى “اليقظة” المستمرة والاستعداد الدائم في مواجهة ما يُستشعر من خطر محدق من الجوار.
ويستبطن الخطاب كل معاني العنجهية والعلو الإسرائيلي بالتأكيد على أنه لن يسمح للفلسطيني بالعودة إلى أرضه التي باتت مزارع وبيوت للمستوطنين الجدد، وأن القدر الإسرائيلي هو الخوذة الفولاذية والسيف، معلناً أن هذا القدر خيار إسرائيلي، وأن لعبة القتل ستستمر إلى النهاية.
ولا يسعنا إلا أن نتساءل: ماذا كان سيفكر ديان أو يكتب لو كان حياً وهو يطلع على نتائج التحقيقات التي تُشير إلى مقتل 53 جندياً وأسر 10 آخرين داخل ناحل عوز – أحد أهم الحصون الأمنية لدولة الاحتلال – بعد ستة عقود على نضوج الاستراتيجية الأمنية والعقيدة العسكرية لدولة الاحتلال؟
في جنازة “روعي روتيرغ”، قال ديان: “هل ننسى أن مجموعة الشباب هنا في كيبوتس ‘ناحال عوز’ تحمل على أكتافها بوابات غزة الثقيلة، بوابات تزدحم خلفها مئات آلاف العيون والأيدي المبتهلة لنضعف، كي يتمكنوا من الظفر بنا وتمزيقنا؟ هل نسينا؟”
لقد تحقق ما خاف منه ديان وما خافت منه دولة “الجدران الأمنية”: فلم يكن “طوفان الأقصى” مجرد عملية عسكرية، بل كانت ضربة تهدد أسس الخطاب الذي طالما بُنيت عليه رؤى الاحتلال وتصوراته، فقد عاد الفلسطينيون إلى ناحل عوز وعاد من سُلبت أرضهم كي يثبتوا للاحتلال أن بأس شباب ومقاتلي غزة أشد من بأس غيرهم ونفسهم أطول من نفس عدوهم.
ليبقى السابع من أكتوبر لحظة الحقيقة التي انهارت على اعتابها كل المفاهيم الأمنية والعسكرية والأيديولوجية التي شكلت تصورات الاحتلال عن نفسه وعن غزة وعن الفلسطينيين.” هذا الكلام مختار من حساب محمد الأخرس على منصة x.