خطبة الجمعة الموافق ديسمبر 2023…الحذر واليقظة والاعداد في القرآن الكريم

إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

الأسباب الدافعة لهذا الموضوع :-

الذى دفعنى للكلام فى هذا الموضوع عدة أمور :

الأمر الأول : لتحصيل بعض فوائد الحذر والتى منها:

الحذر يوصل إلى السّلامة وتحقيق المطلوب في الدّنيا والآخرة.

الحذر صفة إيمانيّة تقي المؤمن شرّ المعاصي. ومن الشّرّ وأهله والشّيطان وشركه، ومن النّفس وهواها.

النّبيّ ﷺ ضرب المثل الأعلى في تحذير أمّته فما من شيء من الشّرّ إلّا وحذّرهم منه.

على المؤمنين أن يحذروا وينصح بعضهم بعضا حتّى يكونوا مجتمعا سليما معافى.

دليل اليقظة والإدراك عند المسلم.

أخذ الأهبة والاستعداد لمواجهة الأعداء.

الحذر من أهل النّفاق والّذين في قلوبهم زيغ واجب إيمانيّ.

التسويف وتأخير الواجبات ممّا حذّرنا منه رسول الله ﷺ.

الثانى : لتحصيل بعض فوائد اليقظة والتى منها:

تعمر قلب المؤمن بحبّ الله ورسوله.

تبصّر المؤمن طريق الهداية والنّور.

يلتزم بحدود الله فلا يتعدّاها.

يزهد بما في أيدى النّاس فيحبّه النّاس.

يستنير قلبه بنور الإيمان.

يسير على هدى وبصيرة في جميع أموره.

يشعر بسعادة الدّنيا والآخرة.

الثالث : لتجنب مضار (الغفلة- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- البلادة والغباء- الإهمال- الأمن من المكر- العجلة- الغرور- الطيش – التهاون) والتى منها:

الذّلّ في الدّنيا، والخزي في الآخرة.

الجبان لا يسود ولا يكون إماما.

من أسوأ الخلال وشرّ الخصال.

لا يؤخّر أجلا ولا يقرّب نفعا.

الجبان مبغض حتّى إلى أقربائه.

يؤدّي إلى احتلال الأوطان، وهتك الأعراض.

وجود الجبناء في المعركة يفتّ في عضد الجيش الكبير.

وقد ورد الحذر في القرآن على ثلاثة أوجه، منها:

الأوّل: بمعنى الخوف والخطر: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] . أي يخوّفكم.

قال ابن كثير:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] : أي يخوّفكم عقابه)()

الثّاني: بمعنى الإباء والامتناع: {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } [المائدة: 41] . أي امتنعوا.

الثّالث: بمعنى كتمان السّرّ: قال تعالى:{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} [التوبة: 64]

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} [التوبة: 64] . أي مظهر ما تكتمون ().

ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما يأتى:

معنى الاستعداد والتّأهّب، وذلك كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71].

وقال الفيروز اباديّ- رحمه الله-: ثمّ يختلف الحذر:

تارة من فتنة الأولاد: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14] ،

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 14، 15]

وتارة حذّر النّبيّ ﷺ من مكر المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4] ،

قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [المنافقون: 1 – 4]

وتارة حذّره ﷺ من فتنة اليهود:{وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49] .

قال تعالى: {أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } [المائدة: 49]

وتارة حذر المنافقون من فضيحتهم بنزول القرآن: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} [التوبة: 64].

وحذر فرعون وهامان من عسكر موسى بن عمران: قال تعالى: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء: 56].

قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 52 – 59].

وحذّر المسلم ممّن يخالف الرّحمن: قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] ().

من صفات النبى ﷺ أنه المحذر : (النَّذِيرُ العُرْيَانُ):

1- عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ، قَالَ: ” إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ “() .

(أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ أَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ إِنْذَارَ قَوْمِهِ وَإِعْلَامَهُمْ بِمَا يُوجِبُ الْمَخَافَةَ نَزَعَ ثَوْبَهُ وَأَشَارَ بِهِ إِلَيْهِمْ اذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بمادهمهم وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ هَذَا رَبِيئَةُ الْقَوْمِ وَهُوَ طَلِيعَتُهُمْ وَرَقِيبُهُمْ قَالُوا وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ لِلنَّاظِرِ وَأَغْرَبُ وَأَشْنَعُ مَنْظَرًا فَهُوَ أَبْلَغُ فِي اسْتِحْثَاثِهِمْ فِي التَّأَهُّبِ لِلْعَدُوِّ().

2- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ»، وَيَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ() كَهَاتَيْنِ»، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ»() .

3- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» – لِبُطُونِ قُرَيْشٍ – حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2]) () .

حق على النبى أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه،وينذرهم شرّ ما يعلمه:

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ()، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ()، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ ﷺ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ ، فَقَالَ: ” إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا()، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ “، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: «سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي»، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ، يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ»().

بيان ذلك من القرآن بشئ من التفصيل:

الحذر بمعنى الخوف والخشية مما يخاف منه:

يخوّفكم اللَّهُ نَفْسَهُ:

1- قال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 28، 29]

2- قال تعالى: { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235].

3- قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92].

الحذر من عذاب الله:

قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } [الإسراء: 57] .

الحذر من الْآخِرَةِ:

قال تعالى: { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الزمر: 8، 9]

تحذير العلماء وطلبة العلم لإخوانهم إِذَا رَجَعُوا من ميادين الجهاد:

قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]

الحذر من مخالفة أوامر الرسول:

قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]

الحذر من الموت:

قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243].

الحذر بمعنى الاستعداد والتأهب:

1- قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} [النساء: 71، 72]

2- قال تعالى: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101)وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) [النساء: 101- 103]

3- قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 52 – 59].

الحذر والإباء والامتناع من اليهود للرسول إذا جاء بما يخالف آهواءهم:

قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41]

 

احذروا الشيطان على أنفسكم:

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله ﷺ قال: «إنّ الشّيطان حسّاس لحّاس ()، فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر ()فأصابه شيء فلا يلومنّ إلّا نفسه» () .

الحذر والتحذير من فتنة الدجال:

عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله ﷺ فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه. فكان من قوله أن قال: «إنّه لم تكن فتنة في الأرض، منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم، أعظم من فتنة الدّجّال. وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم. وهو خارج فيكم، لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم، فأنا حجيج لكلّ مسلم. وإن يخرج من بعدي، فكلّ امرئ حجيج نفسه. والله خليفتي على كلّ مسلم. وإنّه يخرج من خلّة بين الشّام والعراق فيعيث يمينا ويعيث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا. فإنّي سأصفه لكم صفة لم يصفها إيّاه نبيّ قبلي. إنّه يبدأ فيقول: أنا نبيّ ولا نبيّ بعدي. ثمّ يثنّي فيقول: أنا ربّكم. ولا ترون ربّكم حتّى تموتوا. وإنّه أعور. وإنّ ربّكم ليس بأعور. وإنّه مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه كلّ مؤمن، كاتب أو غير كاتب. وإنّ من فتنته أنّ معه جنّة ونارا. فناره جنّة وجنّته نار. فمن ابتلي بناره، فليستغث بالله وليقرأ فواتح «الكهف» . فتكون عليه بردا وسلاما. كما كانت النّار على إبراهيم. وإنّ من فتنته أن يقول لأعرابيّ: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمّك، أتشهد أنّي ربّك؟ فيقول: نعم. فيتمثّل له شيطانان في صورة أبيه وأمّه. فيقولان: يا بنيّ اتّبعه.

فإنّه ربّك. وإنّ من فتنته أن يسلّط على نفس واحدة، فيقتلها، وينشرها بالمنشار، حتّى يلقى شقّتين. ثمّ يقول: انظروا إلى عبدي هذا. فإنّي أبعثه الان ثمّ يزعم أنّ له ربّا غيري. فيبعثه الله. ويقول له الخبيث: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، وأنت عدوّ الله. أنت الدّجّال. والله ما كنت بعد، أشدّ بصيرة بك منّي اليوم» .

قال أبو الحسن الطّنافسيّ: فحدّثنا المحاربيّ.

حدّثنا عبيد الله بن الوليد الوصافيّ عن عطيّة، عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله ﷺ: «ذلك الرّجل أرفع أمّتي درجة في الجنّة» . قال: قال أبو سعيد: والله ما كنّا نرى ذلك الرّجل إلّا عمر بن الخطّاب. حتّى مضى لسبيله) () .

الحذر والتحذير من الّذين يتّبعون ما تشابه منه:

عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:قرأ رسول الله ﷺ هذه الاية {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } الى{ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]

. قالت: قال رسول الله ﷺ: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم»() .

إنّ بين يدي السّاعة كذّابين فاحذروهم:

عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة، مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله ﷺ ، قال فكتب إليّ: سمعت رسول الله ﷺ يوم جمعة، عشيّة رجم الأسلميّ، يقول: «لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة. أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة. كلّهم من قريش» وسمعته يقول: «عصيبة ()من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض. بيت كسرى. أو آل كسرى» .

وسمعته يقول: «إنّ بين يدي السّاعة كذّابين فاحذروهم» . وسمعته يقول: «إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته» . وسمعته يقول: «أنا الفرط على الحوض ()»().

التقي الذي يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ، حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ:

عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ، حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ، حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ»() .

(حتى يدع مالا بأس به … الخ) أي حتى لا يعتاد على المستلذات من الحلال خوفا من إفضاء ذلك إلى الحرام إذا لم يتيسر الحلال

 

احذروا التّسويف، فإنّ الموت يأتي بغتة:

عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: «النّادم ينتظر من الله الرّحمة، والمعجب ينتظر المقت، واعلموا عباد الله أنّ كلّ عامل سيقدم على عمله، ولا يخرج من الدّنيا حتّى يرى حسن عمله، وسوء عمله، وإنّما الأعمال بخواتيمها، واللّيل والنّهار مطيّتان، فأحسنوا السّير عليهما إلى الاخرة، واحذروا التّسويف، فإنّ الموت يأتي بغتة، ولا يغتّرنّ أحدكم بحلم الله- عزّ وجلّ- فإنّ الجنّة والنّار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، ثمّ قرأ رسول الله ﷺ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7، 8] » ().

المداراة من صور الحذر من المنافقين:

عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ» فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ»().

من صور الحذر والخوف من الله وفضل ذلك:

عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ المَوْتُ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا، وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَارًا، حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَامْتُحِشَتْ()، فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا، ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا ()فَاذْرُوهُ فِي اليَمِّ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ ” قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَاكَ: وَكَانَ نَبَّاشًا()) ().

الحذر والتحذير من أمور كثيرة منها :

الحذر والتحذير من كلّ منافق عليم اللّسان:

عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم بعدي كلّ منافق عليم اللّسان ()»() .

الحذر من زلّة العالم وجدال المنافق

قال معاذ- رضي الله عنه- عند موته يوصي الحارث بن عميرة: اسمع منّي فإنّي أوصيك بوصيّة، إنّ الّذي تبكي عليّ من غدوّك ورواحك فإنّ العلم المصحف ()فإن أعيا عليك تفسيره فاطلبه بعدي عند ثلاثة: عويمر أبي الدّرداء، أو عند سلمان الفارسيّ، أو عند ابن أمّ عبد. واحذر زلّة العالم وجدال المنافق» ، ثمّ إنّ معاذا اشتدّ به نزع الموت فنزع نزعا لم ينزعه أحد، فكان كلّما أفاق من غمرة فتح طرفه (اختفني حقتك () فوعزّتك لتعلم أنّي أحبّك.

فلمّا قضى نحبه انطلق الحارث حتّى أتى أبا الدّرداء بحمص فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث، ثمّ قال الحارث: أخي معاذ أوصاني بك وسلمان الفارسيّ وابن أمّ عبد، ولا أراني إلّا منطلقا إلى العراق، فقدم الكوفة فجعل يحضر مجلس ابن أمّ عبد بكرة وعشيّة، فبينا هو كذلك ذات يوم في المجلس قال ابن أمّ عبد: من أنت.

قال: امرؤ من الشّام. قال ابن أمّ عبد: نعم الحيّ أهل الشّام لولا واحدة. قال الحارث: وما تلك الواحدة.

قال: لولا أنّهم يشهدون على أنفسهم أنّهم من أهل الجنّة. قال: فاسترجع الحارث مرّتين أو ثلاثا. قال:

صدق معاذ فيما قال لي. فقال ابن أمّ عبد: ما قال لك يا ابن أخي؟ قال: حذّرني زلّة العالم والله ما أنت يا ابن مسعود إلّا أحد رجلين: إمّا رجل أصبح على يقين يشهد أن لا إله إلّا الله، فأنت من أهل الجنّة، أو رجل مرتاب لا تدري أين منزلك. قال ابن مسعود: صدق أخي، إنّها زلّة فلا تؤاخذني بها. فأخذ ابن مسعود بيد الحارث فانطلق به إلى رحله فمكث عنده ما شاء الله، ثمّ قال الحارث: لا بدّ لي أن أطالع أبا عبد الله سلمان الفارسيّ بالمدائن، فانطلق الحارث حتّى قدم على

سلمان الفارسيّ بالمدائن فلمّا سلّم عليه قال: مكانك حتّى أخرج إليك. قال الحارث: والله ما أراك تعرفني يا أبا عبد الله. قال بلى، عرفت روحي روحك قبل أن أعرفك، إنّ الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها في غير الله اختلف، فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث ثمّ رجع إلى الشّام. فأولئك الّذين يتعارفون في الله ويتزاورون في الله»()

الحذر والتحذير من محدثات الأمور:

عن عبد الرّحمن بن عمرو السّلميّ، وحجر بن حجر، قَالَا: أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92] فَسَلَّمْنَا، وَقُلْنَا: أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ، فَقَالَ الْعِرْبَاضُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»() .

الحذر والتحذير من ضرب الوجه:

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ ﷺ قال: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ» ().

الحذر والتحذير من أخذ كرائم الأموال في الصدقة ومن دعوة المظلوم:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»().

الحذر والتحذير من الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ()، وَجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ»().

الحذر والتحذير من اتخاذ ظهور لدوابّ منابر:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟، قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ»().

قال ابن حجر : قوله: ( إياكم والجلوس) بالنصب على التحذير().

الحذر والتحذير من الدّخول على النّساء والخلوة بهن:

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ»() .

قال ابن حجر : قوله: ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ )بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليحترز عنه كما قيل إياك والأسد وقوله: ( إِيَّاكُمْ ) مفعول بفعل مضمر تقديره اتقوا وتقدير الكلام اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء والنساء أن يدخلن عليكم ووقع في رواية بن وهب بلفظ : (لا تدخلوا على النساء ) وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بطريق الأولى().

الحذر والتحذير من الوقوع في المُشَبَّهَاتِ:

عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله ﷺ يَقُولُ: ” الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ “() .

قال ابن حجر : قوله: ( فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ ) أي حذر منها().

الحذر والتحذير من اتباع سنن اليَهُودِ وَالنَّصَارَى:

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنّ عائشة وعبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهم- قالا:مَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) ().

الحذر والتحذير من الفتن و الدجال:( إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ)

1- قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: ” إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ “().

وزاد مسلم في رواية يونس والترمذي في رواية معمر قال الزهري فأخبرني عمرو بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال: ( يومئذ للناس وهو يحذرهم تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت)

وقال بن العربي: إنذار الأنبياء قومهم بأمر الدجال تحذير من الفتن وطمأنينة لها حتى لا يزعزعها عن حسن الاعتقاد وكذلك تقريب النبي ﷺ له زيادة في التحذير وأشار مع ذلك إلى أنهم إذا كانوا على الإيمان ثابتين دفعوا الشبه باليقين().

وقوله: (لأنذركموه) من الإنذار وهو التحذير والتخويف.

2- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ») ().

 

الحذر والتحذير من النار وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ:

عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: « كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَجَاءَهُ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا يَشْكُو العَيْلَةَ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ: فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكَ إِلَّا قَلِيلٌ، حَتَّى تَخْرُجَ العِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ، وَأَمَّا العَيْلَةُ: فَإِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ، حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ، لاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ، ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ

أمثلة تطبيقية من حياة النبي ﷺ في (الحذر والحيطة):

قصة الهجرة وصور الحذر والحيطة فيها كثيرة منها:

وقد تجلت السرية والحيطة واضحة في عدة أمور ،وصور منها:

1- مباغتته لأبي بكر دليل على لأنه لم يعلمه بساعة الصفرولا بيومهاوهذا واضح من رد ابي بكر على القَائِل له: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا: بقوله: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ ،وقوله ﷺ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ»

2- مجيئه ﷺ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ.

فاختيار الوقت غير المطروق الذي يأوي فيه الناس إلى بيوتهم هربا من حر الظهيرة، هو اختيار بتخطيط محكم، حيث لا يرى أحد رسول الله ﷺ ساعة انطلاقه للهجرة، ويحافظ على الكتمان التام فيه().

3- مجيئه ﷺ مُتَقَنِّعًا.

قد أخفى وجهه، بحيث لو أن بعض الناس رأى ذلك الرجل فلا يمكن أن يعرف وقد تقنع بثوبه().

4- مجيئه ﷺ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهم فِيهَا.

لأن الثابت أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ ، قَالَتْ: ” لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، طَرَفَيِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً.. ().

وفي رواية: قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ، إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الخُرُوجِ إِلَى المَدِينَةِ، لَمْ يَرُعْنَا إِلَّا وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا لِأَمْرٍ حَدَثَ.. ().

وكونه عود الناس على أن يأتي أبا بكر يوميًا أكثر من مرة وفي أوقات مختلفة حتى إذا حانت ساعة الصفر للهجرة لم يكن بالغريب علي الناس مجيئه ﷺ لبيت أبي بكر في أي ساعة ومع ذلك جاء يوم جاء وساعة جاء متقنعًا كما تقدم.

5- قوله ﷺ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ»ليتبين هل في البيت غير أهله فأجابه أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ

6- قَالَتْ عَائِشَةُ: (فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ ()الجِهَازِ() ) فهذا إما لمباغتة الرسول لهم فجهزوا أسرع جهاز لا يستغرق وقتًا كثيرا أو لأنهم لا يريدون أن يتجهزا بجهاز يلفت النطر إلى أن من يحمله مسافر وعلى كلا الاحتمالين في هذا ما فيه من بالغ لحيطة والحذر والسرية.

7- الخروج من غيرالراحلتين بعد دفعهما إلى الهادي مِنْ بَنِي الدِّيلِ :

(…وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ،().

8- الخروج من خوخة أبي بكر :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْخُرُوجَ، أَتَى أَبَا بَكْرِ ابْن أَبِي قُحَافَةَ، فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ، ثُمَّ عَمَدَ إلَى غَارٍ بِثَوْرٍ- جَبَلٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ- فَدَخَلَاهُ()

الخروج من خوخة أبي بكر: فلم يكن الخروج من الباب العادي الذي يخرج منه آل أبي بكر لاحتمالات المراقبة من العدو، إنما كان من مخرج احتياطي ِ().

9- كتمان الأمر: وحصر أمر الهجرة تحديدا بآل أبي بكر لمشاركتهم في الإعداد للهجرة، وهم عائشة وأسماء، وأم رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وبعلي بن أبي طالب، حتى لا يتسرب الأمر، وكل واحد من هؤلاء له دور ما في عملية الهجرة().

10 – الخروج إلى الغار أولاً:=( .. ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا ()فِيهِ ثَلاث ليال.

الأسباب المعينة على الحذر واليقظة:

1- الإيمان:

أ- قَالَ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 9 – 12].

ب- قَالَ تَعَالَى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [إبراهيم: 26، 27]

2- ذكر الله كثيرا :

قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].

قال ابن كثير : فَأَمَرَ تَعَالَى بِالثَّبَاتِ عِنْدَ قِتَالِ الْأَعْدَاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى مُبَارَزَتِهِمْ، فَلَا يَفِرُّوا وَلَا يَنْكُلُوا وَلَا يَجْبُنُوا، وَأَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلَا يَنْسَوْهُ بَلْ يَسْتَعِينُوا بِهِ وَيَتَّكِلُوا عَلَيْهِ، وَيَسْأَلُوهُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي حَالِهِمْ ذَلِكَ. فَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ائْتَمَرُوا، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ انْزَجَرُوا، وَلَا يَتَنَازَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَيْضًا فَيَخْتَلِفُوا فَيَكُونَ سَبَبًا لِتَخَاذُلِهِمْ وَفَشَلِهِمْ.

{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أَيْ: قُوَّتُكُمْ وَحِدَّتُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْإِقْبَالِ، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، بسنده، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنْ أَجْلَبُوا وَضَجُّوا فَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ ().

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الصَّمْتَ عِنْدَ ثَلَاثٍ: عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ الزَّحف، وَعِنْدَ الْجِنَازَةِ” ().

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمَرْفُوعِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: “إِنَّ عَبْدِي كلَّ عَبْدِيَ الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُنَاجِزٌ قِرْنَهُ ().أَيْ: لَا يَشْغَلُهُ ذَلِكَ الْحَالُ عَنْ ذِكْرِي وَدُعَائِي وَاسْتِعَانَتِي.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: افْتَرَضَ اللَّهُ ذِكْرَهُ عِنْدَ أَشْغَلِ مَا تَكُونُونَ عِنْدَ الضِّرَابِ بِالسُّيُوفِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: بسنده، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: وَجَبَ الْإِنْصَاتُ وَالذِّكْرُ عِنْدَ الزَّحْفِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، قُلْتُ: يَجْهَرُونَ بِالذِّكْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ().

3- قراءة القرآن:

قَالَ تَعَالَى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102]

4- التجربة والاستفادة منها ومن تجارب الأخرين:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»().

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «لاَ حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ» أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً وفي الأدب المفرد من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: ( كنت جالسا عند معاوية فحدث نفسه ثم انتبه فقال لا حليم إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ قالها ثلاثا ) ()

وأخرج من حديث أبي سعيد مرفوعا: (لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو عَثْرَةٍ، وَلَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ) () وأخرجه أحمد وصححه بن حبان .

قال بن الأثير : معناه لا يحصل الحلم حتى يرتكب الأمور ويعثر فيها فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها وقال غيره المعنى لا يكون حليما كاملا إلا من وقع في زلة وحصل منه خطأ فحينئذ يخجل فينبغي لمن كان كذلك أن يستر من رآه على عيب فيعفو عنه وكذلك من جرب الأمور علم نفعها وضررها فلا يفعل شيئا إلا عن حكمة.

قال الطيبي : ويمكن أن يكون تخصيص الحليم بذي التجربة للإشارة إلى أن غير الحكيم بخلافه وأن الحليم الذي ليس له تجربة قد يعثر في مواضع لا ينبغي له فيها الحلم بخلاف الحليم المجرب وبهذا تظهر مناسبة أثر معاوية لحديث الباب والله تعالى أعلم().

5- القراءة في قصص النبيين:

قَالَ تَعَالَى: {كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [هود: 120]

6- سماع الوعظ و فعل ما يوعظ به:

قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } [النساء: 66 – 68].

7- مصاحبة الحذرين وتجنب صحبة الغافلين:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ، قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»().

8- البعد عن العجلة:

عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»().

9- التعوذ من الغفلة،و التفريط والإفراط،و اتباع الهوى،و البلادة والغباء،و الإهمال،و الأمن من المكر،و العجلة،و الغرور،و الطيش ،و التهاون والبعد عن أسباب ذلك كله.

10- الدعاء

أ- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ، حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي»، وَقَالَ عُثْمَانُ: «عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي الْخَسْفَ»().

ب- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا إِذَا أَخَذْنَا مَضْجَعَنَا، أَنْ نَقُولَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَقَالَ: «مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا»().

Exit mobile version