احدث الاخبارالصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 10فبراير 20233……حسن العشرة وحفظها

إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

وقد دفعني للحديث عن هذا الموضوع عدة أمور منها:

أن الأسرة هى عماد الأمة وحصنها الحصين، فإذا لم نهتم بها ونتصدر لتياراتِ هَدّمِها سواءً أكانت من شياطين الإنس أو الجن أو من الشرق أو من الغرب ستتهدم حصوننا من الداخل.ويبدأ الإهتمام بالأسرة أول ما يبدأ بالإهتمام بتحسين العلاقة بين الزوجين لذلك قلت أذكر نفسي وإياكم بهذا الموضوع موضوع حسن العشرة.

انتشار أمية فن التعامل الاجتماعي الأسري لاسيما بين الزوجين فقلت أضرب فى محو هذه الأمية من خلال هذه الخطبة فيلا بسهم أو أكثر.

 

لإظهار أيضاً كمال هذا الدين وتمام هذه النعمة وأنه ما فرط فيه من شيء لنا حاجة به لصلاحنا وصلاح أزواجنا وأسرنا وأولادنا بل وسائر نواحي حياتنا الاجتماعية .

 

 

والوقوف على بعض القواعد العامة لحسن العشرة والتي منها ما يلقي الضوء على طبيعة المرأة وكيفية التعامل المناسب معها من منطلق الفهم الجيد لطبيعتها .

جمع بعض الموانع والمعوقات التي من شأنها تذهب الود والحب بين الزوجين ونظمها فى قواعد أيضاً يسهل حفظها ويقرب فهمها لنتلاشاها ونتحاشاها إذا عنَّ لنا بعضها.

 

ولفت النظر لأهمية الحياة الزوجية فى الإسلام ولدى سلف هذه الأمة الكرام حيث وضعوا لنجاحها الشروط والمبادئ ،و القواعد والأركان.

الإسلام جاء بالعدل والمساواة، والوزن بالقسطاس المستقيم، وعدم التطفيف والكيل بمكيالين في كل أمور الدنيا والدين، وبهذا قامت السموات والأرض، والأسر والمجتمعات، وبهذا صلح أمر الدنيا والآخرة؛ ولذا أحب الله المقسطين، وجعلهم على منابر من نور، ووصف نفسه بالعدل، وحرم عليها الظلم، ولذا اقتضت حكمته أن يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ويبيد الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة، وكذلك الشأن والحال على مستوى الأسر والمجتمعات؛ لذا أنزل الله تعالى الكتاب بالحق والميزان ليقوم الناس بالقسط في كل أمورهم وعقودهم ومعاملاتهم لاسيما هذا العقد والميثاق الغليظ – عقد الزواج – الذي هو كغيره من العقود يُنشئ بين العاقدين (الزوجين) حقوقاً وواجبات متبادلة تحقيقاً للعدل، وعملاً بمبدأ التوازن، والتكافؤ، وتساوي أطراف العقد في الحقوق والواجبات، والالتزامات،

فالآية نصت على أن الحقوق بين الزوجين متبادلة، طبقاً لمبدأ: «كل حق يقابله واجب أو كل واجب يقابله حق»، فكل حق لأحد الزوجين على زوجه يقابله واجب يؤديه إليه، وبهذا التوزيع تكفلت هذه القاعدة أن تحقق التوازن بين الزوجين من كافة النواحي، مما يدعم استقرار حياة الأسرة، واستقامة أمورها.

(قال ابن عباس : «إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف() كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها عليّ

، وعنه أيضاً «أي لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن»، وقال ابن زيد: «تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله  فيكم».

قال القرطبي: «الآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية»()).

هذا وغيره هُو ما وضحته تحت قولى في النظم:

وَلَيْسَ وَاجِبٌ بِلَا اعْتِبارِ

 

 

لِحَقِّ زَوْجَةٍ بِلَا إِنْكَارِ

 

 

 

وبرغم أهمية هذا العدل اللازم في تحقيق التوازن والاستقرار الأسرى إلا أن الأسرة لا تقوم بذلك فقط بل لابد أن يضم إليه العفو والفضل والتسامح المتبادل بين الزوجين كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﴾ [البقرة: 237] قال الثعلبي: حثّ الله تعالى الزوج والمرأة على الفضل والإحسان وأمرهما جميعا أن يسبقا إلى العفو() .

 

بهذا السياج من التسامح المستحب الذي أحاط الأسرة من كل جانب كفلت هذه القاعدة الكبرى الحفاظ على التوازن الواجب بين الزوجين من كافة النواحي، وكان هذا بمنزلة الحفاظ على الفرائض بالحفاظ بداية على النوافل الرواتب مما يضمن استمرار استقرار بل ونجاح وسعادة الأسرة، واستقامة أمورها. فلئن كان العدل موجباً للتوازن الموجب للاستقرار الأسرى فإن العفو والفضل والتسامح والإحسان موجبٌ للسعادة لكونه إحسانا موجباً لشرح الصدر .

لذا قال السعدي: ثم رغب في العفو، وأن من عفا، كان أقرب لتقواه، لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر، ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف، وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة؛ لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين:

إما عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب، وإعطاء الواجب.

وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصًا لمن بينك وبينه معاملة، أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم.

حُكْمُ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْعِشْرَةَ بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَنْدُوبَةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ، قَال الْكَاسَانِيُّ: مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَمُسْتَحَبٌّ . وَكَذَلِكَ مِنْ جَانِبِهَا هِيَ مَنْدُوبَةٌ إِلَى الْمُعَاشَرَةِ الْجَمِيلَةِ مَعَ زَوْجِهَا () .

وَقَال الْبُهُوتِيُّ: وَيُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْسِينُ الْخُلُقِ لِصَاحِبِهِ، وَالرِّفْقُ بِهِ، وَاحْتِمَال أَذَاهُ ().

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى: وُجُوبِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ دِيَانَةً لاَ قَضَاءً.

قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا – أَيِ الْعِشْرَةُ بِالْمَعْرُوفِ – وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ وَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ إِلاَّ أَنْ يَجْرِيَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى سُوءِ.

 

حَثَّ الشَّارِعُ عَلَى الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ، قَال تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَقَال تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]

قَال أَبُو زَيْدٍ: يَتَّقُونَ اللَّهَ فِيهِنَّ كَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَّقِينَ اللَّهَ فِيهِمْ، وَقَال الضَّحَّاكُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: إِذَا أَطَعْنَ اللَّهَ وَأَطَعْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ صُحْبَتَهَا، وَيَكُفَّ عَنْهَا أَذَاهُ، وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ سَعَتِهِ (). وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ ().

وتُطْلق حُسن العشرة، ويُرَاد بها المداراة.:

قال ابن الأثير: المداراة: مُلَاينة الناس، وحسن العشـرة معهم.

وجماع حُسْن العشرة بين الزوجين، والأهل والأقارب: إعفاء صاحب الحق من المئونة في طلبه، وأداؤه إليه بطيب النَّفس لا بضرورته إلى طلبه، ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته().

 

بم تتَحَقُّقُ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:

سَبَقَ أَنَّ مَعْنَى الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ أَدَاءُ الْحُقُوقِ كَامِلَةً مَعَ حُسْنِ الْخُلُقِ فِي الْمُصَاحَبَةِ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا.

قال ابن عثيمين : والمعاشرة بالمعروف أمر واجب أمر الله به فقال: {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] والحكمة تقتضيه؛ لأن المعاشرة بالمعروف توجب الألفة ودوام الارتباط بين المتعاشرين، أما إذا نبى كل واحد منهما عن المعاشرة بالمعروف فإن الأمر سيكون خطيراً، وسوف تحدث الفرقة لا محالة إلا أن يريد الله عز وجل الإصلاح بينهما، من المعاشرة بالمعروف أن يستمتع الرجل بزوجته حيث أمره الله، وذلك أن يأتيها في قلبها في غير الحيض والعبادة الواجبة مثل: الصيام والإحرام.

اعلم أن أسباب السكن و الِائْتِلَاف والمودة والرحمة الأسرية منها ماهو كسبي ومنها ما وهبي ومنها ما هو مركب منهما والمراد بالكسبي ما كان من كسب الإنسان والوهبي ما كان من مواهب الرحمن وإليك الإيضاح والبيان:

أولاً: من أسباب السكن والمودة والرحمة الوهبية:

1- أَنْ خَلَقَ لنا مِنْ جِنْسِنا إِنَاثًا يَكُنَّ أَزْوَاجًا لَنا ليسوا مِنْ الجَانٍّ أَوْ الحَيَوَانٍ ليحصل الِائْتِلَافُ والسكن:

قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

قال ابنُ كثير : وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أَيْ: خَلَقَ لَكُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ إِنَاثًا يَكُنَّ لَكُمْ أَزْوَاجًا، {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الْأَعْرَافِ: 189] يَعْنِي بِذَلِكَ: حَوَّاءَ، خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ آدَمَ مِنْ ضِلَعه الْأَقْصَرِ الْأَيْسَرِ. وَلَوْ أَنَّهُ جَعَلَ بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ ذُكُورًا وَجَعَلَ إِنَاثَهُمْ مَنْ جِنْسٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ إِمَّا مِنْ جَانٍّ أَوْ حَيَوَانٍ، لَمَا حَصَلَ هَذَا الِائْتِلَافُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَزْوَاجِ، بَلْ كَانَتْ تَحْصُلُ نَفْرَة لَوْ كَانَتِ الْأَزْوَاجُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ().

2- بعد أن جَعَلَ أَزْوَاجنا مِنْ جِنْسنا: جَعَلَ بَيْنَناوَبَيْنَهُنَّ مَوَدَّةً: وَهِيَ الْمَحَبَّةُ، وَرَحْمَةً: وَهِيَ الرَّأْفَةُ:

قال ابنُ كثير : ثُمَّ مِنْ تَمَامِ رَحْمَتِهِ بِبَنِي آدَمَ أَنْ جَعَلَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ مَوَدَّةً: وَهِيَ الْمَحَبَّةُ، وَرَحْمَةً: وَهِيَ الرَّأْفَةُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُمْسِكُ الْمَرْأَةَ إِمَّا لِمَحَبَّتِهِ لَهَا، أَوْ لِرَحْمَةٍ بِهَا، بِأَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ، أَوْ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ فِي الْإِنْفَاقِ، أَوْ لِلْأُلْفَةِ بَيْنَهُمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ()،وقال البغوي: جعل بين الزّوجين المودّة والرّحمة فهما يتوادّان ويتراحمان وما شيءٌ أحبّ إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما، إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون، في عظمة الله وقدرته ().

قال الشعراوي: إن الآية هي الشيء العجيب الذي يقف عنده العقل مندهشاً دهشةً تورث إعجاباً، وإعجاباً يورث يقيناً بحكمة الخالق. من هذه الآيات العجيبة الباهرة  يعني: من جنسكم ونوعكم ()يعني: المرأة هي من الرّجل حواء من ضلع آدم، أو سائر الأزواج من أمثالكم من الرجال. ﴿ ﮑ ﮒ ﴾ أي: تستأنسوا بها ،و تأنسوا إليها لأنه جعل بين الزوجين من الأنسية ما لم يجعله بين غيرهما.

جعل الله البيوت لنا سكناً:

قال تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}[النحل: 80] .

قال القرطبي: وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا تَعْدِيدُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ فِي الْبُيُوتِ، فَذَكَرَ أَوَّلًا بُيُوتَ الْمُدُنِ وَهِيَ الَّتِي لِلْإِقَامَةِ الطَّوِيلَةِ. وَقَوْلُهُ: {سَكَناً} أَيْ تَسْكُنُونَ فِيهَا وَتَهْدَأُ جَوَارِحُكُمْ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَقَدْ تَتَحَرَّكُ فِيهِ وَتَسْكُنُ فِي غَيْرِهِ، إِلَّا أَنَّ الْقَوْلَ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ.

وَعَدَّ هَذَا فِي جُمْلَةِ النِّعَمِ فَإِنَّهُ لَوْ شَاءَ خَلَقَ الْعَبْدَ مُضْطَرِبًا أَبَدًا كَالْأَفْلَاكِ لَكَانَ ذَلِكَ كَمَا خَلَقَ وَأَرَادَ، لَوْ خَلَقَهُ سَاكِنًا كَالْأَرْضِ لَكَانَ كَمَا خَلَقَ وَأَرَادَ، وَلَكِنَّهُ أَوْجَدَهُ خَلْقًا يَتَصَرَّفُ لِلْوَجْهَيْنِ، وَيَخْتَلِفُ حَالُهُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، وَرَدَّدَهُ كَيْفَ وَأَيْنَ.

ثانياً: من أسباب السكن والمودة والرحمة الكسبية:

1- استخدام لغات الحب المختلفة والتى منها:

كيف ترتقي في الود خير مرتقى مقتفيا في ذلك سبيل المصطفى؟

أو كيف نغذى الحب ؟

الحب مشاعر وشعور كسائر المشاعر تعتريه قوة ويعتريه ضعف وفتور فكيف نحافظ عليه قوياً صحيحاً ؟أو كيف ننفض عنه ما قد يعتريه من ضعف أو فتور؟ وما لغات الحب المغذية له؟ وهل استخدم المصطفى هذه اللغات فنقتفى أثره فيها ؟ فالحب يمكن التعبير عنه بلغات مختلفة يختلف تأثير كل لغة منها من شخص لآخر، فما يمكنك اعتباره أهم طريقة للتعبير بها عن الحب قد تكون الأقل أهمية لشريك حياتك. فلابد من التعرف أولا على لغات الحب المختلفة ثم ثانياً على مدى تأثيرها على شريك حياتك:

أولا: التعرف على لغات الحب المختلفة:

١- تفريغ وقت له خاصً به:

فعن عائشة رضى الله عنها، قالت: جلس إحدى عشرة امرأةً، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئًا. . الحديث)()

فهذا رسول الله  يجلس مع أهلها ليسمع منها قصص إحدى عشرة امرأةً يفرغ لها وقتا خاصا بها ولها ولها فقط لا يظهر فيه ضجر ولا ملل ولا يتذرع بكثرة المشاغل وقلة الفراغ والوقت بل يتسع وقته وقلبه وصدره لهذه القصص الإحدى عشرة ويختمها بحسن الختام الدال على شدة الإنتباه والإصغاء التام لما تقوله: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع»()«إلّا أنّه طلّقها وإنّي لا أطلّقك» ولم يكن هذا فقط مع عائشة بل كان يحدث مع غيرها. فأخرج البخارى في التّفسير وغيره من طريق كريب عن بن عبّاس قال: (بتّ في بيت ميمونة فتحدّث رسول الله  مع أهله ساعةً ثمّ رقد. . . الحديث) وهذا إنّما يدلّ على السّمر مع الأهل() ولو لمدة ساعة من الوقت.

إن قضاء وقتٍ خاصٍ مع حبيبك هو طريقة أكيدة لتعبر أو لتعبري بها عن إهتمامك وحبك، فالوقت من أثمن الأشياء التي يمتلكها الإنسان فيهديه لمن أحب ليعبر له عن مقدار حبه حتى أنه يقتطع من عمره وحياته وروحه ليهدي كل ذلك له بصورة عملية من هذا المنطلق، فالكثير من الأشخاص يقدرون جدا قرارك لقضاء وقتك الثمين معهم لتوليهم إهتمامك الكامل دون أي تشتيت.

٢- مساعدة حبيبك في بعض الأعمال الخاصة به:

أولاً: خدمة الرّجل أهله فيما يخصها من أعمال:

عن الأسود، قال: سألت عائشة ما كان النّبيّ  يصنع في بيته؟ قالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»() .

قال ابن حجر: وفيه التّرغيب في التّواضع وترك التّكبّر وخدمة الرّجل أهله وترجم عليه البخارى في الأدب كيف يكون الرّجل في أهله.() .

قال ابن رجب: وقد فسرت عائشة هذه الخدمة:()أى بما يأتى:

عن عمرة، عن عائشة، أنّها سئلت: ما كان عمل رسول الله  في بيته؟ قالت: “ما كان إلّا بشرًا من البشر، كان يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه”() .

عن عروة، قال: قلت لعائشة: يا أمّ المؤمنين، أيّ شيء كان يصنع رسول الله  إذا كان عندك؟ قالت: “ما يفعل أحدكم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويرقع دلوه”() .

عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: سألها رجلٌ: هل كان رسول الله  يعمل في بيته؟ قالت: نعم، كان رسول الله  “يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته”() .

ثانياً: خدمة المرأة زوجها فيما يخصه من أعمال:

عن أسماء  أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم عليه().

وقالت : «تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا شيء غير فرسه وناضحة()، فكنت أعلف فرسه، – زاد مسلم: وأسوسه- وأدق النوى لناضحة، وأستقي الماء وأخرز غربه()، وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ))، حتى أرسل إلي أبو بكر بجارية، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فدعاني رسول الله ، فقال: إخ، إخ، يستنيخ ناقته ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، – وكان أغير الناس- فعرف رسول الله  أني قد استحييت، فجئت الزبير فحكيت له ما جرى، فقال: والله لحملك النوى على رأسك أشدّ عليّ من ركوبك معه .

استعمال لغة الجسد (التلامس الجسدي):

إن استعمال لغة الجسد يكون مباشراً تارة وغير مباشر تارة أخرى وقد استعملهما رسول الله :

أما المباشر؛ فيدل عليه ما جاء عن عائشة ، قالت: كان رسول الله  «يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ»()ومعنى المباشرة هاهنا: اللمس باليد، وهو من التقاء البشرتين.

وأما غير المباشر؛ فيدل عليه ما جاء عن عائشة قالت: «كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ  فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ  فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ» .

عن عائشة قالت: «كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَظْمَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَأُعْطِيهِ النَّبِيَّ  فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ وَضَعْتُهُ، وَأَشْرَبُ الشَّرَابَ فَأُنَاوِلُهُ فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَشْرَبُ مِنْهُ»

إن تفعيل لغة الجسد بصورة دائمة بين الزوجين تشابك اليدين، الأحضان، القبلات. . . إلخ هي طريقة تأكيد لقول أنا أحبك. بالتلامس الجسدي تنتقل الكثير من المشاعر التي بداخلك للطرف الأخر فيسمعها بكل وضوح. اللمس هو إحدى اللغات التي لا يمكن فهمها بطريقة أخرى غير تلك المقصودة.

٤- الإطراءات وكلمات التقدير والإعجاب:

قالت عائشة: قال رسول الله : «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ»

زاد في رواية الهيثم بن عديّ: (في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء) وزاد الزّبير في آخره: «إلّا أنّه طلّقها وإنّي لا أطلّقك» ومثله في رواية للطّبرانيّ وزاد النّسائيّ في رواية له والطّبرانيّ قالت عائشة: «يا رسول الله بل أنت خيرٌ من أبي زرع» وفي أول رواية للزبير: «بأبي وأمّي لأنت خيرٌ لي من أبي زرع لأمّ زرع» وكأنّه  قال ذلك تطييبًا لها وطمأنينةً لقلبها ودفعًا لإيهام عموم التّشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذ لم يكن فيه ما تذمّه النّساء سوى ذلك.

عبارات التحية والسلام ورسائله المتبادلة:

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : ” والّذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا أَوَ لا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم.

الهدايا المتبادلة:

عن أبي هريرة، عن النّبيّ  قال: «تَهَادَوْا فَإِنَّ الهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ»

فقد يفتر الحب أحياناً ومن أنجع وأنجح أدوية الفتور بخلاف ما تقدم من لغات الحب المختلفة التي تغذيه هو الجماع.

قال جابرٌ: سمعت النّبيّ  يقول: «إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ، فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ»

ثالثاً: من أسباب السكن والرحمة الكسبية الوهبية:

القوامة الزوجية:

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [النساء: 34]

معنى القوامية:

قال الإمام الرازي: «القوّام» اسم لمن يكون مبالغاً في القيام بالأمر، يقال هذا قيّم المرأة وقوّامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها().

وقال الإمام القرطبي: «قوام» على زون فعّال للمبالغة، من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد().

فالقوامة انطلاقاً من هذا التعريف الذي ذكره القرطبي تعني الجمع بين مسئوليتين:

مسئولية التدبير والإنفاق وتوفير الجو اللائق بالحياة الزوجية المستقرة، وهو مسئولية الزوج نحو زوجته، بحيث لا يتم الركن الثاني من القوامة إلا بها.

وقوامية الرجل على امرأته ضرورية للحياة الزوجية واستقرارها واستمرارها على نحو مرضٍ. وبيان ذلك أن الحياة الزوجية في جوهرها شركة عيش مشترك طيلة أيام حياتهما، ولهذا يقول الفقهاء، عن عقد الزواج بأنه «عقد العمر». وكل شركة بين اثنين فأكثر لابد لها من رئيس تكون له الكلمة الأخيرة والنافذة عن الاختلاف، ولهذا كان مما شرعه الإسلام اتخاذ رئيس في أقل الاجتماعات، وفي الأمور العارضة والمؤقتة التي يقوم بها الناس، فقد روى أبو سعيد الخدري أن النبي  قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم»(). وقد جاء في شرحه: أي فليتخذوا أميراً عليهم يسمعون له ويطيعونه، وعن رأيه يصدرون؛لأن ذلك أجمع لرأيهم وأدعى لاتفاقهم وأجمع لشملهم. وألحق بعضهم الاثنين بالثلاثة- أي في تأمير أحدهما عليهما.

من صور حسن العشرة مع الزوجة والمعاشرة بالمعروف:

غض الطرف عن مساوئها؛ لاضمحلالها في محاسنها:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»،

هذا الإرشاد من النبي ﷺ للزوج في معاشرة زوجته من أكبر الأسباب والدواعي إلى حسن العشرة بالمعروف، فنهى المؤمن عن سوء عشرتِهِ لزوجته، والنهيُ عن الشيء أمرٌ بضده، وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة، والأمور التي تناسبه، وَأَنْ يجعلها في مقابلة ما كَرِهَ من أخلاقها؛ فإنَّ الزوجَ إذا تأمل ما في زوجته من الأخلاق الجميلة، والمحاسن التي يحبها، ونظر إلى السبب الذي دعاه إلى التضجر منها، وسوء عشرتها، رآه شيئًا واحدًا أو اثنين مثلًا، وما فيها مما يحب أكثر، فإذا كان منصفًا، غضَّ عن مساوئها؛ لاضمحلالها في محاسنها.

صور سلفية للمعاشرة بالمعروف:

قال عمر- رضى الله عنه- ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبى. فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلا.

كان ابن عباس- رضى الله عنه- يقول: «إنى- لأتزين لامرأتى كما تتزين لي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.