خطبة الجمعة الموافق 17مارس 2023…التكافل المجتمعي واجب الوقت

إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

الباعث على الموضوع:

الذى دفعنى للكلام فى هذا الموضوع عدة أمور منها:

أولاً:- للامتثال لمثل أمره ﷺ قَالَ: « وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، »

ثانيًا:- لأنه لا يقوم نظام الدنيا والآخرة إلا بالمواساة العامة قال في “المطامح” : هذه مصلحة كلية ومواساة عامة لا يقوم نظام الدنيا والآخرة إلا بها().

ثالثًا:- لتحقيق هذا المثل الذي أراده ﷺ للمؤمنين ،والثابت في الصحيحين عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»().

،ولتحقيق هذا المثل الذي أراده ﷺ للمؤمن مع أخيه ،والثابت في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ

رابعًا:- وبهذا أقام النَّبِيُّ ﷺ نظام الدنيا والدين حيث ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ أُخُوَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ وَذَلِكَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ أُخُوَّةُ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ،وغيرهما .

خامسًا:- ولأهمية التكافل في الحفاظ على المصالح والمقاصد الضرورية الخمسة : (الدين ،والنفس ،والنسل ،والعقل،والمال)شرعت أحكام لم تشرع إلا من أجل المواساة والتكافل كالزكاة قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَفْهَمَ الشَّرْعُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِلْمُوَاسَاةِ.

سادسًا:- التقليل من الجريمة بكل صورها لأن التكافل والتكاتف من شأنه أن يشيع المحبة والـتآلف بين أفراد المجتمع ويزيل العداوة والبغضاء والحقد الدافع لارتكاب أي جريمة.

سابعًا:- لأن المواساة محبوبة مطلقا للقريب والبعيد لكنها للأقرباء والأصدقاء آكد().

لما في ذلك من المشاركة الحسية والروحية والوجدانية التى تدعوا الى التواصل والاجتماع والائتلاف لا التدابر والتنافر و الفرقة والاختلاف،والتى هم من أعظم مقاصد إبليس وجنوده على منصات وسائل التقاطع(التواصل) الاجتماعى التى فتت الأسرة الواحدة وفرقت شملها فكل فرد من أفراد الأسرة الواحدة في واد والأب في واد والأم في واد آخر وقد أخبر الصادق المصدوق ﷺ عن هذا التدابر والتفتت والعقوق بقوله: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الفِتَنُ،.. الحديث»(). و الشُّحُّ أشد من البخل ولا يتصور والحالة هذه أن يكون ثمة مواساة ،وقد أخبر الصادق المصدوق ﷺ عن هذا التدابر وقطع الارحام والعقوق بقوله: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ وَظُهُورَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ».

على قدر الإيمان يكون هذا التكافل:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ،-وهو يُعَاتِبُ رَجُلًا فِي الْبُخْلِ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانَ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ».

صور من تكافل وتكاتف النبي ﷺ مع أصحابه :

قلت: فكان تارة يواسيهم بنفسه كما في قصته مع سلمان في مكاتبته

عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى أَنْ أَغْرِسَ لَهُمْ خَمْسَ مِائَةِ فَسِيلَةٍ، فَإِذَا عَلِقَتْ فَأَنَا حُرٌّ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: ” اغْرِسْ وَاشْتَرِطْ لَهُمْ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْرِسَ فَآذِنِّي ” قَالَ: فَآذَنْتُهُ، قَالَ: فَجَاءَ، فَجَعَلَ يَغْرِسُ بِيَدِهِ إِلَّا وَاحِدَةً غَرَسْتُهَا بِيَدَيَّ، فَعَلِقْنَ إِلَّا الْوَاحِدَةَ().

وتارة بجاهه وشقاعته كما في قصة معاذ في دينه وكما مع جابر بن عبد الله في سداده لدين والده :

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضًا مِنْ دَيْنِهِ فَأَبَوْا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ ، فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا، فَقَالَ: «صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، عِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ، وَالعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ»، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَاءَ ﷺ فَقَعَدَ عَلَيْهِ، وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى، وَبَقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ، كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ.

وتارة بإعطائه ما يواسيه به من المال كما في حديث أبي سعيد الخدري

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»().

أو بالنصح والإرشاد إلى ذكر ونحوه يغنيه عن مسألته كما في قصته مع فاطمة وعلى عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا – أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا – فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ».

ومن التكافل والتكاتف جبر خاطر المسلم وإدخال السّرور على قلبه:

لمّا كانت المواساة لا تقتصر على مشاركة المسلم لأخيه في المال والجاه أو الخدمة والنّصيحة.. أو غير ذلك فإنّ من المواساة مشاركة المسلم في مشاعره خاصّة في أوقات حزنه، وعند تعرّضه لما يعكّر صفوه، وهنا فإنّ إدخال السّرور عليه وتطييب خاطره بالكلمة الطّيّبة، أو المساعدة الممكنة بالمال أو الجاه، أو المشاركة الوجدانيّة هو من أعظم المواساة وأجلّ أنواعها.

حكمُ التكاتف والتكافل:

أولاً: من القـــــــــرآن:

يتعين لذوي القربى التكاتف والتكافل عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه:

قال تعالى: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26

حق ذي القربى التكاتف والتكافل في اليسر وقول ميسور في العسر:

قال تعالى: { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الروم: 38].

ثانيًا: من السنــــــــــة:

الأمرُ بالتكاتف والتكافل:

عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ» “(). قَالَ سُفْيَانُ: ” وَالعَانِي: الأَسِيرُ.

كَانَ التكافل وَاجِبَاً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ:

عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّكَ تَبْعَثُنَا، فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لاَ يَقْرُونَا، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَنَا: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ ، فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ»

الْحَضُّ والحثُ عَلَى التكاتف والتكافل:

عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ»

التكافل وَاجِب بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا خِيفَ عَلَى الْبَعْضِ التَّلَفُ:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلاَثُ مِائَةٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الجَيْشِ، فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ، فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى البَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ، فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ، فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا ».

أمرُ الإمام الناس بالتكاتف والتكافل في المجاعة ويجبرهم عليه:

عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ ، فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ»، فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ، فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ».

فَضِيلَةُ التكاتف والتكافل:

أولاً: من القـــــــــرآن:

المواساة من العمل الصالح المكفرللسيئات والمصلح لبال والحال:

قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد: 2].

ثانيًا: من السنــــــــــة:

1- التكاتف والتكافل من أخلاق النبيين فكان ﷺ يواسي بالقليل والكثير:

وفي ذلك أحاديث كثيرة منها:

أ- عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ زَاهِرٍ أَبَا رُوَاعٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِّمُونِي بِهِ، عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ)() .

ب- (..فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ..)

التكاتف والتكافل طريق المصطفى ﷺ وأصحابه وأنصاره ومن تبعهم بإحسان:

وفي ذلك أحاديث كثيرة منها:

أ- عن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ: «لَوْ سَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا – أَوْ شِعْبًا – لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ – أَوْ وَادِيَ الْأَنْصَارِ – وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ» ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ” فَمَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ – قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ – وَوَاسَوْهُ “().

ب- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: «لاَ» فَقَالُوا: تَكْفُونَا المَئُونَةَ، وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا().

2- التكاتف والتكافل من أخلاق الصديقين:

وفي ذلك أحاديث منها:

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ» فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ثَلاَثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ ﷺ يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا().

قَوْلُهُ : (وَوَاسَانِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ : (وَاسَانِي) وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَهُوَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ وَهِيَ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَجْعَلُ يَدَهُ وَيَدَ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ سَوَاءً().

ب- عن ابن عباس قَالَ ﷺ: (مَا أَحَدٌ أَعْظَمَ عِنْدِي يَداً مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَنْكَحَنِي ابْنَتَهُ)

التكافل أَجْرُه عَظِيمٌ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ «أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً، تَغْدُو بِعُسٍّ، وَتَرُوحُ بِعُسٍّ، إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ».

التكافل يقِي مَصَارِعَ السُّوءِ:

عن أبي سعيد عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «فِعْلُ المَعْرُوف يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ»

التكافل طريق إلى الجنة:

عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الجَنَّةَ».

نماذج وصور أخرى من الكفالة:

هذا وهناك نماذج وصور أخرى من الكفالة بخلاف ما تقدم منها:

فَضْلُ مَنْ يَعُولُ يَتِيمًا:أَيْ يُرَبِّيهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وكفله:

عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا”

السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ:

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ: كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ.

من الأسباب المعينة على التكاتف والتكافل:

أ- الصحبة الصالحة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» ().

ب- ترويض النفس على العمل بهذا الخلق:

عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»().

(الْخَيْرُ عَادَةٌ) أي المؤمن الثابت على مقتضى الإيمان والتقوى ينشرح صدره للخير فيصير له عادة. ذلك لإن الإنسان مجبول على الخير. قال الله تعالى : {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[الروم: 30]. وأما الشر فلا ينشرح له صدره فلا يدخل في قلبه إلا بلجاجة الشيطان والنفس الإمارة بالسوء،واللجاجة الخصومة .

ج- الدعاء بوجه عام وبأن يحفظنا الله بالإسلام:

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَخْبَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَائِمًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَاعِدًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ رَاقِدًا، وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا، وَاللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ»().

وعَنْ عَائِشَةَ قالت: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ»،