إعداد:الدكتور عبد المنعم إبراهيم عامر.
الإسلام دين التعاطف ،والتكاتف ،والتكافل ،والمواساة، دين المودة والمحبة، دين الترابط بين الأغنياء والفقراء، دين التكافل الاجتماعي، دين تقع في مسئولية الجائعين على جيرانهم الأغنياء، فلا يدخل الجنة مع السابقين من بات شبعان، وجاره جائع، دين فرض للفقراء حقاً في مال الأغنياء، حيث يقول جل شأنه {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25] وخصت الشريعة الإسلامية أيام العيد بمزيد من توصية القادرين بالضعفاء والمساكين، ففرضت في عيد الفطر زكاة الفطر، وشرعت الأضحية في عيد الأضحى، توسعة على الأهل، وعلى الفقراء والمحتاجين، وإذا كانت الشريعة الإسلامية لم تحدد قدراً معيناً من أضحية الغني، وتركت ذلك لأريحيته وسخاء نفسه، ودرجة حرصه على ثواب الآخرة، لكنها أمرت برعاية الفقير بقوله تعالى { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] .
وفي وقت من أوقات الشدة، والضيق الاقتصادي، وكثرة المحتاجين، وقسوة حاجتهم فرض الرسول الكريم ﷺ على الأغنياء المضحين أن يعطوا الفقراء، ما يزيد عن حاجتهم في ثلاثة أيام، فقال: “من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة، وعنده منه شيء” كان المسلمون حينذاك يدخرون من الأضحية قوتهم لشهور، فأمروا في عام شدة أن لا يمسكوا منها، وأن لا يدخروا منها إلا ما يكفيهم ثلاثة أيام ثم يتصدقوا بالباقي، وامتثل المسلمون، فلما كان العام المقابل سألوا رسول الله ﷺ: هل نفعل في أضحيتنا كما فعلنا العام الماضي؟ لا نمسك منها شيئاً بعد ثلاث ليال؟ فقال ﷺ: لا. كان العام الماضي عام شدة، فكان له حكمه، أردت فيه أن تعينوا الفقراء على شدتهم، وهذا العام عام رخاء، فكلوا منها، وادخروا منها بعد ثلاث، لكن لا تصدقوا منها بما ترجون عليه الأجر من الله تعالى.
على قدر الإيمان يكون هذا التكافل:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ،-وهو يُعَاتِبُ رَجُلًا فِي الْبُخْلِ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانَ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ»([1]).وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَنْتَ الَّذِي تُؤَنِّبُنِي وَتُبَخِّلُنِي؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي يَشْبَعُ وَيَجُوعُ جَارُهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ»([2]).
قال ابن القيّم: على قدر الْإِيمَان تكون هَذِه الْمُوَاسَاة فَكلما ضعف الْإِيمَان ضعفت الْمُوَاسَاة وَكلما قوي قويت ([3]).
رَسُول الله ﷺ أعظم النَّاس تكافلاً لأَصْحَابه:
وفي ذلك أحاديث كثيرة منها:
عَنْ هِلَالِ بْنِ حِصْنٍ قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَضَمَّنِي وَإِيَّاهُ الْمَجْلِسُ، قَالَ: فَحَدَّثَ أَنَّهُ أَصْبَحَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنَ الْجُوعِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَوْ أُمُّهُ: ائْتِ النَّبِيَّ ﷺ فَاسْأَلْهُ فَاسْأَلْهُ، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَسَأَلَهُ، فَأَعْطَاهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَسَأَلَهُ، فَأَعْطَاهُ، فَقَالَ: قُلْتُ حَتَّى أَلْتَمِسَ شَيْئًا، قَالَ: فَالْتَمَسْتُ فَأَتَيْتُهُ، – قَالَ حَجَّاجٌ: فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا فَأَتَيْتُهُ -، وَهُوَ يَخْطُبُ، فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ اسْتَعَفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ اسْتَغْنَى يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ سَأَلَنَا إِمَّا أَنْ نَبْذُلَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ نُوَاسِيَهُ، – أَبُو حَمْزَةَ الشَّاكُّ – وَمَنْ يَسْتَعِفُّ عَنَّا أَوْ يَسْتَغْنِي، أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّنْ يَسْأَلُنَا» قَالَ: فَرَجَعْتُ فَمَا سَأَلْتُهُ شَيْئًا. فَمَا زَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَرْزُقُنَا حَتَّى مَا أَعْلَمُ فِي الْأَنْصَارِ أَهْلَ بَيْتٍ أَكْثَرَ أَمْوَالًا مِنَّا.رواه أحمد وغيره.
يتعين لذوي القربى التكاتف والتكافل عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه:
قال تعالى: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26].
هذا وقد أمر الشرع بالتكافل :
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ» “. قَالَ سُفْيَانُ: ” وَالعَانِي: الأَسِيرُ.
قَالَ بنُ بطال : وفى حديث أبى موسى الأمر بالمواساة وإطعام الجائع وذلك من فروض الكفاية.
فعيادة المريض:مواساة له، وتسلية لنفسه، وإشعارًا له بأن إخوانه المسلمين مهتمون به وبأمره، ويسألون عنه، ويتفقدون أحواله
وإنما عني الإِسلام بعيادة المريض كل هذه العناية لما فيها من عظيم المواساة، وتجاوب العواطف والمشاعر الإِنسانية، ومشاركة المريض وجدانياً، ولأن المريض يتأثر بهذه الزيارة تأثراً نفسياً عظيماً يؤدي إلى تحسن صحته الجسمية، سيما إذا كان الزائر من الذين يحبهم ويرتاح إليهم، ويأنس بزيارتهم.
وقد حض الإسلام وحث على التكافل :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ.رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا.رواه البخاري ومسلم.
التكاتف والتكافل من أخلاق النبيين فكان ﷺ يواسي بالقليل والكثير:
فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ.رواه البخاري ومسلم.
ليس هناك خير من المتكافلين:
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: «مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ وهو حديث حسن.
وللتكافل أجر عظيم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ «أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً، تَغْدُو بِعُسٍّ، وَتَرُوحُ بِعُسٍّ، إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ» رواه مسلم.
التكافل يقِي مَصَارِعَ السُّوءِ:
عن أبي سعيد عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «فِعْلُ المَعْرُوف يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ».صحيح الجامع.
المتكافلون لِمَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ آدَمِيٍّ وَحَيَوَانٍ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ.حديث حسن صحيح رواه الحاكم.
نماذج وصور أخرى من الكفالة:
هذا وهناك نماذج وصور أخرى من الكفالة بخلاف ما تقدم منها:
1- فَضْلُ مَنْ يَعُولُ يَتِيمًا:أَيْ يُرَبِّيهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وكفله:
عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.رواه البخاري.
– السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ:
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ: كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ رواه البحاري.
وقد ذم الشرع من استغل هذه الأزمات استغلالا سيئا :
ذم الإحتكــــــــــار:
الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ:
بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ.رواه البخاري ومسلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” مَنِ احْتَكَرَ يُرِيدُ أَنْ يُغَالِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ. رواه أحمد.
يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَحْرِيمِ الاِحْتِكَارِ رَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ عَامَّةِ النَّاسِ. وَلِذَا فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ احْتَكَرَ إِنْسَانٌ شَيْئًا، وَاضْطُرَّ النَّاسُ إِلَيْهِ،وَلَمْ يَجِدُوا غَيْرَهُ، أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ، وَتَعَاوُنًا عَلَى حُصُول الْعَيْشِ.
ذم الغــــــش
حرمة الغش وبيان أن الغاش للمسلمين ليس منهم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا.رواه مسلم.