إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.
وقد دفعني للحديث عن هذا الموضوع عدة أمور منها:
لتحصيل ثمرات القيام بحق الجار والتي منها:
حفظ حقّ الجّار من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
تعظيم حقّ الجار.
حسن العلاقة بين الجيران ترضي الله- عزّ وجلّ وتسخط الشّيطان وسوءها يسخط الله- عزّ وجلّ- ويرضي الشّيطان.
اسم الجار يشمل عموم أنواع المجتمع فإذا حسنت العلاقة بين الجيران وسادهم الحبّ والوئام سعد المجتمع كلّه.
إنّ جار الخير يعود خيره عليه وعلى جيرانه وجار السّوء يعود سوءه عليه وحده.
المكافأة على الإحسان بأحسن منه.
حسن الجوار ليس بكفّ أذاك عن جيرانك بل بتحمّل أذاهم وقضاء حوائجهم وكشف كربهم.
الملكان المجاوران لك أشدّ الجيران قربا فاحفظ حقّهما فلا يريا منك إلّا خيرا.
حسن الجوار باب من أبواب الجنّة وسوءه باب من أبواب النّار.
الأمر بالإحسان إلى الزميل:
قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].
{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الرفيق في السفر , وهو قول ابن عباس , ومجاهد , وقتادة.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً عَلَى بَعِيرٍ، وَكَانَ زَمِيلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو لُبَابَةَ فَكَانَ إِذَا كَانَ عُقْبَتُهُ قَالَا: ارْكَبْ حَتَّى نَمْشِيَ فَيَقُولَ: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا».
زمالة وصحبة النبي ﷺ لأبي بكر في الهجرة:-
قال تعالى:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة: 40].
من حقوق الأخوة والزمالة:-
1- حقوق نفسية ومعنوية منها: إذهاب الحزن عن صاحبه وطمأنته
قال تعالى:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة: 40]
2- حقوق حسية منها: محاولة حمايته ودفع السوء والشر عنه:
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: ذَكَرَ رِجَالٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَأَنَّهُمْ فَضَلُّوا عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، وَلَيَوْمٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، لَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ ﷺ لِيَنْطَلِقَ إِلَى الْغَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَاعَةً خَلْفَهُ حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا لَكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْ وَسَاعَةً خَلْفِي؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذَكُرُ الطَّلَبَ فَأَمْشِي خَلْفَكَ، ثُمَّ أَذَكَرُ الرَّصْدَ، فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ دُونِي؟» قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا كَانَتْ لِتَكُونَ مِنْ مُلِمَّةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِي دُونَكَ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الْغَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَتَّى أَسْتَبْرِئَ لَكَ الْغَارَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَأَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْرِئِ الْحُجْرَةَ، فَقَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَتَّى أَسْتَبْرِئَ الْحُجْرَةَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَأَ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَزَلَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتِلْكَ اللَّيْلَةُ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ”()
خدمته وإثاره على النفس والنفيس وإنزاله منزلة النفس:-
سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمِنَ الغَدِ، حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلاَ الطَّرِيقُ لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ، لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ، فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ، قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالقَذَى، قَالَ: فَرَأَيْتُ البَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ، فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَوِي مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ص ﷺ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ المَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا مَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا – أُرَى – فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، – شَكَّ زُهَيْرٌ – فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَجَا، فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا.
خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ».
صحبة وزمالة السجن(يوسف الصديق نموذجاً):-
الإحسان إلى صحبة وزمالة السجن وقوله تعالى {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)} [يوسف: 36]
وظهر إحسانه مع زملائه في السجن بالإعتناء بكل ما يهم المسجون وفي القلب من ذلك ما يأتيه من طعام وزيارات وما يراه من رؤيا ومنامات وقوله تعالى حكاية عن يوسف { قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) } [يوسف: 37] فضلاً عن العناية الدينية الدعوية بعرض قضايا التوحيد عليهم.
أما حق الجار:
قال تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } [النساء: 36].
جِبْرِيلُ يُوصِي النبي ﷺ بِالْجَارِ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»().
جِبْرِيلُ يُوصِي النبي ﷺ بِالْجَارِ ولو كان يهوديًا:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أَنَّهُ ذُبِحَت لَهُ شاةٌ فَجَعَلَ يَقُولُ لِغُلَامِهِ أَهْدَيْتَ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتَ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يقول: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصينى بِالْجَارِ حَتى ظَنَنتُ أنه سَيَورِثُه) ().
مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا الْجَارُ الصَّالِحُ :
عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا الْجَارُ الصَّالِحُ وَالْمُنْزِلُ الْوَاسِعُ وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ»).
الترغيب في إكرام الجار والوفاء بحقوقه:
1- خَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ : خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ»() .
المؤمن يجب لجاره ما يحبه انفسه:
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ – أَوْ قَالَ: لِأَخِيهِ – مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ “() .
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
و الإسلام التحقيقي أن يسلم الناس من لسانك ويدك لا سيما الجار:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النبى ﷺ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»
وكما رغب الاسلام في أداء حقوق الجار رهب من أذى الجار:
عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟» قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ» ، قَالَ: فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟» قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: «لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ»
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» .
التدابير الواقية من الجار السوء ومن أذيته:
1- التعوذ من جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِي يَتَحَوَّلُ»() .
2- الصبر عليه فاللَّهُ يُحِبُّ من يَصْبِرُ عَلَى إِيذَاءِِ جارهِ لهُ:
عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ، حَدِيثٌ فَكُنْتُ أَشْتَهِي لِقَاءَهُ فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْكَ حَدِيثٌ فَكُنْتُ أَشْتَهِي لِقَاءَكَ قَالَ: لِلَّهِ أَبُوكَ فَقَدْ لَقِيتَنِي. قَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَدَّثَكَ. قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ثَلَاثَةً وَيُبْغِضُ ثَلَاثَةً» قَالَ: فَلَا أَخَالُنِي أَكْذِبُ عَلَى خَلِيلِي. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: ” رَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُجَاهِدًا فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] قُلْتُ: وَمَنْ؟ قَالَ: رَجُلٌ لَهُ جَارُ سُوءٍ يُؤْذِيهِ فَيَصْبِرُ عَلَى إِيذَائِهِ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ إِمَّا بِحَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ، قُلْتُ: وَمَنْ؟ قَالَ: رَجُلٌ يُسَافَرُ مَعَ قَوْمٍ فَأَدْلَجُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعَ عَلَيْهِمُ الْكَرَى وَالنُّعَاسُ فَضَرَبُوا رُءُوسَهُمْ، ثُمَّ قَامَ فَتَطَهَّرَ رَهْبَةً لِلَّهِ وَرَغْبَةً لِمَا عِنْدَهُ، قُلْتُ: فَمَنِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: الْمُخْتَالُ الْفَخُورُ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18] قُلْتُ: وَمَنْ؟ قَالَ: الْبَخِيلُ الْمَنَّانُ قَالَ: وَمَنْ؟ قَالَ: التَّاجِرُ الْحَلَّافُ أَوِ الْبَائِعُ الْحَلَّافُ)
من حق الجار على جاره :
1- ألاَ يَمْنَعْه أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لاَ يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ()، وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ() بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ»() () .
2- الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ وهو أحق بالشفعة:
عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَجَاءَ المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَيَّ، إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّي() بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ()؟ فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا، فَقَالَ المِسْوَرُ: وَاللَّهِ لَتَبْتَاعَنَّهُمَا، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مُنَجَّمَةً، أَوْ مُقَطَّعَةً()، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ()»، مَا أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، وَأَنَا أُعْطَى بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ() .
3- لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ()»() .
4- ألاَ يَشبع وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به:
أ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُسَاوِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يُبَخِّلُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ» () .
ب- عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَعْدًا لَمَّا بَنَى الْقَصْرَ قَالَ: انْقَطَعَ الصَّوْتُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ – الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ – قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ آمُرَ لَكَ فَيَكُونَ لَكَ الْبَارِدُ وَلِي الْحَارُّ وَحَوْلِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدْ قَتَلَهُمُ الْجُوعُ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جَارِهِ» .
ج- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ»
الأسباب المعينة على الوفاء بحق الجار :
لا ريب أن أثقل ما على الطبيعة البشرية تغيير الأخلاق التي طبعت عليها النفس، إلا أن ذلك ليس متعذرا ولا مستحيلا.
بل إن هناك أسبابا عديدة، ووسائل متنوعة يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق،ومن ذلك ما يلي:
1- سلامة العقيدة:
فشأن العقيدة عظيم، وأمرها جلل; فالسلوك- في الغالب- ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر، وما يعتقده من معتقد، وما يدين به من دين.
والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في المعتقد.
ثم إن العقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا; فإذا صحت العقيدة حسنت الأخلاق تبعا لذلك ومع الجار بوجه خاص ; فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق من صدق، وكرم، وحلم، وشجاعة، ونحو ذلك.كما أنها تردعه وتزمّه عن مساوئ الأخلاق من كذب، وشحّ، وطيش، وجهل، ونحوها.
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ، قَالَ: ” إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ ” ().
وقال رسول الله ﷺ :”إِنَّ أكمَلَ المُؤمِنِينَ إِيماناً أَحسَنُهُم خُلُقاً، وَإِن حُسنَ الخُلُقِ لَيبلُغُ دَرَجَةَ الصومِ وَالصلَاةِ” ().
2- المحافظة على العبادات بوجه عام والمحافظة على الصلاة بوجه خاص:
فهي سبب عظيم لحسن الخلق، وطلاقة الوجه، وطيب النفس، وسموها، وترفعها عن الدنايا.
كما أنها في مقابل ذلك تنهى عن الفحشاء والمنكر. {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ، قَالَ: «سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ»().
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ: «سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ» مِمَّا نَقُولُ فِي كُتُبِنَا: إِنَّ الْعَرَبَ تُضِيفُ الْفِعْلَ إِلَى الْفِعْلِ نَفْسِهِ، كَمَا تُضِيفُ إِلَى الْفَاعِلِ، أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ إِذَا كَانَتْ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، يَكُونُ الْمُصَلِّي مُجَانِبًا لِلْمَحْظُورَاتِ مَعَهَا، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
لزوم الرفق:
قال ﷺ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».