احدث الاخبارالصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 21أكتوبر 2022…..مراحل بناء الشخصية الإسلامية في السنة النبوية

إعداد/قسم الصراط المستقيم.

لعل من أبرز ما تهدف إليه الثقافة الإسلامية هو: الوقوف على معالم الشخصية الإسلامية، التي رسم معالمها وبين حدودها، وحقق وجودها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أرض الواقع، وفق ذلك المنهج الرباني الرشيد بعيداً عن أدران الجاهلية وشوائبها.

فالشخصية الإسلامية مجموعة من الصفات العقدية والأخلاقية والاجتماعية التي تميز المسلمين عن غيرهم في العقيدة والفكر والسلوك والتصرفات والأفعال والأقوال.

وإذا نظرنَا إلى المصدرِ الأولِ للإسلامِ وهو القرآن ُكتابُ اللهِ، وإذا تدبرنَا آياتِهِ، وتأملنَا موضوعاتِهِ واهتماماتِهِ، نستطيعُ أنْ نصفَهُ بأنَّهُ كتابُ الإنسانِ، فالقرآنُ كلُّهُ إمَّا حديثٌ إلى الإنسانِ، أو حديثٌ عن الإنسانِ، لذلك كان صلاحُ الأمةِ منوطًا ببناءِ شخصيةٍ صالحةٍ، تصلحُ ولا تفسدُ، تَبنِي ولا تَهدم، تَعملُ ولا تَكسل، تَصْدقُ ولا تَكذب، تَفِي ولا تَغدر ، إلى غيرِ ذلك مِن الصفاتِ الحميدةِ التي تُنبنَي عليها الشخصيةُ المسلمةُ التي بها قوامُ المجتمعِ ونهضتُهُ،

لقد اهتمَّ الرسولُ ﷺ ببناءِ الشخصيةِ اهتمامًا كبيرًا، فقد حفلتْ السنةُ النبويةُ بضوابطَ وأسسٍ عديدةٍ تعملُ على بناءِ الشخصيةِ القويمةِ، تشملُ جميعَ مراحلِ حياةِ الإنسانِ، مِن أهمِّهَا:

حسنُ اختيارِ الزوجينِ: لأنَّهمَا أساسُ هذا البناءِ، وصلاحُهُمَا صلاحٌ للأسرةِ، ففي حسنِ اختيارِ الزوجِ، يقولُ ﷺ:” إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟! قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.” (الترمذيُّ بسندٍ حسنٍ). وفي حسنِ اختيارِ الزوجةِ يقولُ ﷺ: ” تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “(متفق عليه). ومِن هنَا يرَى علماءُ التربيةِ أنَّ دورَ الأُمِّ في تربيةِ الطفلِ يسبقُ دورَ الأبِّ، وذلك لكثرةِ ملازمتِهَا للطفلِ منذُ تكوينهِ جنينًا حتى يكبُرَ.

ومنها: بثُّ روحِ الإيمانِ باللهِ في قلوبِ الأبناءِ منذُ الصغرِ: وذلك بتنشئتِهِم على العقيدةِ الصحيحةِ بما يتناسبُ مع قدراتِهِم العقليةِ. وهذا ما سلكَهُ النبيُّ ﷺ مع الناشئةِ والغلمانِ، فعن ابنِ عباسٍ قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ ﷺ يومًا فقال:” يا غلامُ، إني أعلِّمُكَ كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْهُ تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أنْ ينفعُوكَ بشيءٍ، لم ينفعوك إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لك، وإنْ اجتمعُوا على أنْ يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” ( أحمدُ والترمذيُّ وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).

يصورُ ذلك الصحابيُّ الجليلُ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حيثُ يقولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا”.( ابن ماجة بسند صحيح).

ومنها: تنشئةُ الأبناءِ على العبادةِ وطاعةِ اللهِ: – كالصلاةِ والصومِ وغيرهِمَا – حتى يتعودُوا عليها، ويتربُّوا في ظلِّهَا، وفي ذلك يقولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»( أبو داود بسندٍ صحيحٍ).

كما ينبغِي تدريبَهُم على الصيامِ، فقد أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ قَالَتْ:” كُنَّا نَصُومُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ”. قال الحافظُ ابنُ حجرٍ معلقًا: ” وفي الحديثِ حجةٌ على مشروعيةِ تمرينِ الصبيانِ على الصيامِ كما تقدمَ. والصومُ مِن الوجهةِ التربويةِ يغرسُ في النفسِ البشريةِ حقيقةَ الإخلاصِ للهِ تعالى ومراقبةَ اللهِ في السرِّ، وتقويةَ الإرادةِ، وكبح جماحِ الشهواتِ، ويُؤمرُ به الأطفالُ عندَ طاقتِهِم منذُ السابعةِ وبالتدريجِ.”

ومنها: تنشئةُ الأبناءِ على الآدابِ والأخلاقِ:

فَعَن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ” يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.” (البخاري ومسلم).

ومنها: حمايةُ الأبناءِ مِن الفسادِ: وذلك بمراقبتِهِم ومتابعتِهِم بين الفينةِ والأخرى، فمع انتشارِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، ومخالطةِ أصدقاءِ السوءٍ، يكثرُ انحرافُ الشبابِ والفتياتِ، وتكثرُ العاداتُ المرذولةُ المنهيُّ عنها،

ومنها: التنشئةُ على العملِ والجدِّ والاجتهادِ: فقدْ ضربَ لنَا الرسولُ ﷺ أروعَ الأمثلةِ في بناءِ الصحابةِ بناءً عمليًّا على مبدأِ الكسبِ والاحترافِ، ومِمَّا يُروى في ذلكَ أنَّ رجلًا مِن الأنصارِ أتَى النبيَّ ﷺ يسألُهُ، فقالَ: «أمَا في بيتِكَ شيءٌ؟» قال: بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضَهُ، ونبسُطُ بعضَهُ، وقَعبٌ نَشربُ فيه الماءَ، قالَ: «ائتِنِي بهمَا»، قالَ: فأتَاهُ بهما، فأخذَهُمَا رسولُ اللهِ ﷺ بيدِهِ، وقالَ: «مَن يشترِي هذين؟» قالَ رجلٌ: أنَا آخذهُمَا بدرهمٍ، قالَ: «مَن يزيدُ على درهمٍ؟» -مرتينِ أو ثلاثًا-، قالَ رجلٌ: أنا آخذهُمَا بدرهمين، فأعطاهُمًا إياهُ، وأخذَ الدرهمين، وأعطاهُمَا الأنصاريَّ وقالَ: «اشترِ بأحدهِمَا طعامًا فأنبذهُ إلى أهلِكَ، واشترِ بالآخرِ قَدومًا فأتنِي بهِ»، فأتاهُ بهِ، فشدَّ فيه ﷺ عودًا بيدهِ، ثم قالَ: «اذهبْ فاحتطِبْ وبعْ، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا»، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترى ببعضِهَا ثوبًا وببعضِهَا طعامًا، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «هذا خيرٌ لك مِن أنْ تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهكَ يومَ القيامةِ.» ( أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه).

وختاما نذكر هذا الأثر الذي يبين اهتمام السلف بالشباب والشخصية المسلمة

فقد رأَى عمرُو بنُ العاصِ رضي اللهُ عنه قومًا نَحَّوْا فتيانَهُم عن مجلسِهِم فوقفَ عليهم وقال: ” ما لي أراكُم قد نحّيتُم هؤلاءَ الفتيانِ عن مجلسِكُم؟ لا تفعلُوا، أوسعُوا لهم وأدْنوهُم وحَدّثُوهُم وأفْهِموهُم الحديثَ فإنّهُم اليومَ صِغارُ قومٍ ويوشكون أنْ يكونُوا كبارَ قومٍ، وإنّا قد كنّا صِغَارَ قومٍ ثمّ أصبحنَا اليومَ كبارَ قومٍ.”.(الطبقات الكبرى لابن سعد). وكان عُرْوَةُ بنُ الزبيرِ رضي اللهُ عنهما يَجْمَعُ بَنِيهِ فيقولُ: يا بَنِيَّ تَعَلَّمُوا فَإِنْ تَكُونُوا صِغَارَ قَوْمٍ فَعَسَى أن تَكُونُوا كِبَارَ آخَرِينَ؛ وما أَقْبَحَ على شَيْخٍ يُسْأَلُ ليس عِنْدَهُ عِلْمٌ.( عيون الأخبار لابن قتيبة).

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.