دَوْمًا وَالِاسْتِتَارِ مِنْ قَبَائِحِ وقد دل على هذه القاعدة كثي من الأدلة ومنها الآيات الدالة على الدفع بالتى هي أحسن مع كل الناس والزوجة من باب أولى. قال تعالى: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ” المؤمنون 96. وكقوله تعالى: “وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ”فصلت 34. وقد أمر الله عز وجل أيضا بالدفع بالتي هي أحسن مع الزوجه والإفضال عليها وأداء حقها والصفح عن حقوقه عليها: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: سورة البقرة (237). ومن الأدلة من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى”رواه البخاري. وفيه الحضّ على السّماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة والحضّ على ترك التّضييق على النّاس في المطالبة وأخذ العفو منهمفإذا كان هذا مع الناس بوجه عام فمع الزوجة من باب أولى فخيرنا خيرنا لأهله وكذلك أسمحنا أسمحنا لأهله. وقوله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا».متفق عليه. وقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في التسامح ومنها ما ذكره الزمخشري من أن جبير بن مطعم دخل على سعد بن أبى وقاص فعرض عليه بنتا له فتزوجها. ثم طلقها قبل أن يدخل بها وبعث لها المهر كاملا. فقال له: لم تزوجتها؟ فقال: عرضها على فكرهت رده. فقيل له: فلم بعثت بالصداق كاملا؟ قال: فأين الفضل. وهناك وسائل لاكتساب خلق سماحة النفس فمنها: محاولة اعتيادها وترويض نفسه على التحلى بها فكما أن الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم أيضاً يستطيع الإنسان اكتساب السماحة بالتدريب عليها فـ«الخير عادةٌ، والشّرّ لجاجةٌ، ومن يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين» رواه ابن ماجه وغيره. ومنها: التأمل في الترغيبات التي رغب الله بها الذين يتحلون بخلق السماحة، والفوائد التي يجنونها في العاجلة والآجلة، والسعادة التي يظفرون بها في الحياة الدنيا والآخرة. و التأمل في المحاذير التي حذر الله منها النكدين المشتددين العسيرين، وما يجلبه لهم خلقهم وظواهره السلوكية من مضار عاجلة وآجله، ومتاعب وآلام كثيرة، وخسارة مادية ومعنوية. و الاقتناع الإيماني بسلطان القضاء والقدر، وأنه هو المهيمن على كل الأحداث التي تخرج عن حدود الإرادة الإنسانية المسئولة عن الأعمال الصادرة عنها. القاعدة الثانية من قواعد بناء الأسرة الصالحة هي قاعدة”الستر” قال الناظم: الستر للقبائح……..دَوْمًا وَالِاسْتِتَارِ مِنْ قَبَائِحِ. وقد دل على هذه القاعدة قوله تعالى: “هُنَّ لِبَاس لَّكُم وَأَنتُم لِبَاس لَّهُنَّ”البقرة: 187 قال ابن كثير: وحاصله أنّ الرّجل والمرأة كلٌّ منهما يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه، فناسب أن يرخّص لهم في المجامعة في ليل رمضان، لئلّا يشقّ ذلك عليهم، ويحرجوا. قال الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى: إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يعلمنا أن المرأة لباس ساتر للرجل، والرجل لباس ساتر للمرأة، ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يظل هذا اللباس ستراً بحيث لا يفضح شيئاً من الزوجين عند الآخرين. ولذلك فالنبي عليه الصّلاة والسّلام يحذرنا أن يحدث بين الرجل وأهله شيء بالليل وبعد ذلك تقول به المرأة نهاراً، أو يقول به الرجل، فهذا الشيء محكوم بقضية الستر المتبادل. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ”متفق عليه. وإذا كان هذا الحضٌّ على التّعاون وحسن التّعاشر والألفة مع عموم الناس فالزوجة والزوج أولى وستر كل منهما على الآخر أولى وأولى. ومن الأدلة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع والعكس: – عن أبي سعيد الخدري- I- قال: قال رسول الله : «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها» قال النووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه . . . . . والله أعلم). القاعدة الثالثة: قوامة الرجل وسيادته في منزله قال الناظم: وَالزَّوْجُ فِيْ مَنْزِلِهِ كَالسَّيِّدِ | وَاحْكُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ لِلْأُبيِّدِ | قُضِىَ للرجُلِ بِالقَوامةِ | ولا يَكُ بِغَيرِ ذَا اسْتِقَامَةِ | كَمَا أَتَى في مُحكَمِ التَنْزِيلِ | بِغَيرِ شُبهَةٍ وَلاَ تأْوِيِلِ | وَتَفْسَدُ الْأَكْوَانُ مِنْ أَرْبَابِ | فَاعْتَبِرُوا يا أُوْلِي الْأَلْبَابِ فالحياة الزوجية حياة اجتماعية تقتضى وجود رئيس يرجع إليه حين اختلاف الآراء والرغبات، حتى لا يعمل كل ضدّ الآخر، فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختلّ النظام، والرجل هو الأحق بهذه الرياسة، لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوّته وماله، ومن ثم كان هو المطالب بحماية المرأة والنفقة عليها، وكانت هي المطالبة بطاعته فيما لا يحرّم حلالا، ولا يحلل حراما، فإن نشزت عن طاعته كان له حق تأديبها بالوعظ والهجر في المضاجع، والضرب غير المبرّح، كما يجوز مثله لقائد الجيش وللسلطان لمصلحة الجماعة. أما الاعتداء عليها للتشفى من الغيظ أو لمجرد التحكم فهو ظلم لا يقره الدين بحال كما ورد في الحديث عن ابن عمر من قوله G: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها فالقوامة تعني الجمع بين مسئوليتين: مسئولية التدبير والإنفاق وتوفير الجو اللائق بالحياة الزوجية المستقرة، وهو مسئولية الزوج نحو زوجته، بحيث لا يتم الركن الثاني من القوامة إلا بها. مسئولية التزام الزوجة بحقوق الزوجية من الطاعة وحسن العشرة، وهو حق للزوج على زوجته بسبب قيامه بما عليه، وهو في نفس الوقت واجب شرعي له لا يصح أن يتخلى عنه. وبهذا نرى أن القوامة ليست شرفاً بقدر ما هي مسئولية، وليست سيادة بقدر ما هي خدمة، وليست تسلطاً بقدر ما هي نظر القوامة ليست شرفاً بقدر ما هي مسئولية، وليست سيادة بقدر ما هي خدمة، وليست تسلطاً بقدر ما هي نظر. قال تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34. والمقصود بقوامية الزوج على زوجته في الآية الكريمة: قيامه عليها بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة، وتولي أمرها وإصلاح حالها، آمراً ناهياً لها كما يقوم الولاة على الرعايا، فهو- أي الزوج- رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت. وقد جعل الله تعالى القوامية للرجل على امرأته لسببين ذكرهما الله تعالى بقوله: فالسبب الأول: لقوامية الرجل على امرأته أن الله تعالى فضل الرجال على النساء في أصل الخلقة وأعطاهم من الحول والقوة ما لم يعطهن، فكان من أجل ذلك التفاوت في التكاليف والأحكام الشرعية وفي الحقوق والواجبات مترتباً على هذا التفاوت في فطرتهم، وأصل خلقتهم وجبلتهم واستعدادهم. والسبب الثاني: لقوامية الرجل على امرأته هو بما أنفقه وينفقه الرجل على امرأته من مهر القوامية للرجل تقوم على أساس المودة والرحمة: وقوامية الرجل على زوجته تقوم على أساس المودة والرحمة فيما بينهما، قال تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مّودّةً ورحمةً. . . ﴾[الروم: 21]، والقوامية أو الرياسة التي أعطيها الرجل على امرأته والتي تقوم على المودة والرحمة اللتين جعلهما الله بين الزوجين، هذه الرئاسة تكون عادة مبرّأة من التعسف في استعمال الزوج سلطته بموجب هذه الرئاسة، ومبرأة من الرغبة في إذلال المرأة وإرادة الإضرار بها. ولكن قيام رئاسة الزوج على زوجته على أساس المودة والرحمة وبراءتها مما ذكرنا لا يتعارض شيء من ذلك مع حق الزوج في إرشاد زوجته وتوجييها لما ينفعها، وأمره ونهيه لها، ولهذا كان له عليها حق الطاعة والتأديب شرعاً، ولا تعارض ولا تناقض فيما قضى ويقضي به الشرع. وعلى هذا يجب على المرأة أن لا تستثقل قوامية وزوجها عليها، بل عليها أن تنظر إليها من خلال ما بينهما من مودة ورحمة وأنها شرعت لمصلحتها. قوامية الرجل ضرورية للحياة الزوجية: وقوامية الرجل على امرأته ضرورية للحياة الزوجية واستقرارها واستمرارها على نحو مرضٍ. وبيان ذلك أن الحياة الزوجية في جوهرها شركة عيش مشترك طيلة أيام حياتهما، ولهذا يقول الفقهاء، عن عقد الزواج بأنه «عقد العمر». وكل شركة بين اثنين فأكثر لابد لها من رئيس تكون له الكلمة الأخيرة والنافذة عن الاختلاف، ولهذا كان مما شرعه الإسلام اتخاذ رئيس في أقل الاجتماعات، وفي الأمور العارضة والمؤقتة التي يقوم بها الناس، فقد روى أبو سعيد الخدري أن النبي G قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» وقد جاء في شرحه: أي فليتخذوا أميراً عليهم يسمعون له ويطيعونه، وعن رأيه يصدرون؛لأن ذلك أجمع لرأيهم وأدعى لاتفاقهم وأجمع لشملهم. وألحق بعضهم الاثنين بالثلاثة- أي في تأمير أحدهما عليهما والحياة الزوجية أهم بكثير جداً من السفر العارض الذي يندب الحديث الشريف إلى اتخاذ أمير فيه من قبل المسافرين. القاعدة الرابعة: المعاشرة بالمعروف. قال الناظم: الْعُرْفُ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْعَشْرَةِ | فَافْهَمْ هَدَاكَ اللهُ حُسْنَ الْعَشْرَةِ قال تعالى:“وعاشروهن بالمعروف” قال ابن أبي زمنين: وعاشروهنّ بالمعروف أي صاحبوهن مصاحبة جميلة. وصىّ الاسلام أهله بحسن معاشرة النساء والصبر عليهن إذا كرههن الأزواج، رجاء أن يكون فيهن خير، ولا يبيح عضلهن وافتداءهن أنفسهن بالمال إلا إذا أتين بفاحشة مبينة بحيث يكون إمساكهن سببا في مهانة الرجل واحتقاره، أو إذا خافا ألا يقيما حدود الله، وفيما عدا ذلك يجب عليه إذا أراد فراقها أن يعطيها جميع حقوقها. وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “استوصوا بالنّساء خيرًا فإنّما هنّ عوانٌ عندكم” رواه الترمذي. صور للنّبيّ صلى الله عليه وسلم للمعاشرة بالمعروف: مخاطبتها باسم خاص (فيه دلع): من ذلك قوله لعائشة: «يا عَائِشُ» حملها لتشاهد الرجال ولعبهم في المسجد وفيه: «يسترني برداءه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه . . . الحديث. مضاحكة الرّجل أهله: عن جابر بن عبد الله L، قال: هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوّجت امرأةً ثيّبًا، فقال لي رسول الله G: «تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ» فقلت: نعم، فقال: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» قلت: بل ثيّبًا، قال: «فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ» قال: فقلت له: إنّ عبد الله هلك، وترك بنات، وإنّي كرهت أن أجيئهنّ بمثلهنّ، فتزوّجت امرأةً تقوم عليهنّ وتصلحهنّ، فقال: «بَارَكَ الله لَكَ» أو قال: «خَيْرًا» 4 – ملاعبة الرّجل زوجته: عن جابر قال: تزوّجت فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟» قلت: نعم قال: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» فقلت: لا بل ثيّبًا قال: «فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ وقد ضرب ابن عباس بسهم في هذا الباب حين قال: إنى- لأتزين لامرأتى كما تتزين لي
|
|
|