خطبة الجمعة الموافق 24فبراير 2023……الصدق في الأقوال والأعمال
إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.
وقد دفعني للحديث عن هذا الموضوع عدة أمور منها:
لبيان معنى الصِّدْقِ لُغَةً واصطلاحاً و دَرَجَاتِه على التالي
الدَّرَجَةُ الْأُولَى : صِدْقُ الْقَصْدِ.
الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ لَا يَتَمَنَّى الْحَيَاةَ إِلَّا لِلْحَقِّ.
الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ : الصِّدْقُ فِي مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ.
لبيان مَنْزِلَةِ الصِّدْقِ على النحو الاتي
الصدق من صفات كلام رب العالمين.
الصدق من صفات النبيين.
مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ.
الصِّدْقَ هُوَ مَقَامُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.
الصّدق مفتاح الصّدّيقيّة ومبدأها، وهي غايته.
خَصَّ اللَّهُ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
لبيان الأمر بالصِّدْقِ على النحو الاتي
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ….
عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ.
اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ.
الصّدق يهدي إلى البرّ والكذب يهدي إلى الفجور.
لبيان أثر الصدق والبر في صلاح القلوب،والعبادات،والأخلاق،والمعاملات.
لبيان أسبـاب تحصيل البر والصدق.
للتذكير بجـزاء الصدق والبر فى الدنيا والآخرة.
لبيان نماذج من الصادقين من النبيين والصحابة والتابعين.
دَرَجَاتُ الصِّدْقِ:
الدَّرَجَةُ الْأُولَى صِدْقُ الْقَصْدِ:
قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ.
الدَّرَجَةُ الْأُولَى: صِدْقُ الْقَصْدِ. وَبِهِ يَصِحُّ الدُّخُولُ فِي هَذَا الشَّأْنِ. وَيُتَلَافَى بِهِ كُلُّ تَفْرِيطٍ. وَيُتَدَارَكُ بِهِ كُلُّ فَائِتٍ. وَيَعْمُرُ كُلُّ خَرَابٍ. وَعَلَامَةُ هَذَا الصَّادِقِ: أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ دَاعِيَةً تَدْعُو إِلَى نَقْضِ عَهْدٍ. وَلَا يَصْبِرَ عَلَى صُحْبَةِ ضِدٍّ. وَلَا يَقْعُدَ عَنِ الْجِدِّ بِحَالٍ.
يَعْنِي بِصِدْقِ الْقَصْدِ: كَمَالَ الْعَزْمِ، وَقُوَّةَ الْإِرَادَةِ، بِأَنْ يَكُونَ فِي الْقَلْبِ دَاعِيَةٌ صَادِقَةٌ إِلَى السُّلُوكِ، وَمَيْلٌ شَدِيدٌ يَقْهَرُ السِّرَّ عَلَى صِحَّةِ التَّوَجُّهِ. فَهُوَ طَلَبٌ لَا يُمَازِجُهُ رِيَاءٌ وَلَا فُتُورٌ. وَلَا يَكُونُ فِيهِ قِسْمَةٌ بِحَالٍ. وَلَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِي شَأْنِ السَّفَرِ إِلَى اللَّهِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِلِقَائِهِ إِلَّا بِهِ ().
الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَتَمَنَّى الْحَيَاةَ إِلَّا لِلْحَقِّ:
قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَتَمَنَّى الْحَيَاةَ إِلَّا لِلْحَقِّ. وَلَا يَشْهَدَ مِنْ نَفْسِهِ إِلَّا أَثَرَ النُّقْصَانِ. وَلَا يَلْتَفِتَ إِلَى تَرْفِيهِ الرُّخَصِ().
الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الصِّدْقُ فِي مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ:
قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الصِّدْقُ فِي مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ. فَإِنَّ الصِّدْقَ لَا يَسْتَقِيمُ – فِي عِلْمِ أَهْلِ الْخُصُوصِ – إِلَّا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ رِضَا الْحَقِّ بِعَمَلِ الْعَبْدِ، أَوْ حَالِهِ، أَوْ وَقْتِهِ، وَإِيقَانِ الْعَبْدِ وَقَصْدِهِ: بِكَوْنِ الْعَبْدِ رَاضِيًا مَرْضِيًّا. فَأَعْمَالُهُ إِذَنْ مَرَضِيَّةٌ. وَأَحْوَالُهُ صَادِقَةٌ. وَقُصُودُهُ مُسْتَقِيمَةٌ. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كُسِيَ ثَوْبًا مُعَارًا. فَأَحْسَنُ أَعْمَالِهِ: ذَنْبٌ. وَأَصْدَقُ أَحْوَالِهِ: زُورٌ. وَأَصْفَى قُصُودِهِ: قُعُودٌ.
يَعْنِي أَنَّ الصِّدْقَ الْمُتَحَقِّقَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ صَدَقَ فِي مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَحْصُلُ حَالُ الصِّدْقِ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ عِلْمِ الصِّدْقِ().
مَنْزِلَــــةُ الصِّــــــدْقِ :
أولاً : الصدق من صفات رب العالمين وقول الله:{ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ } [آل عمران: 95]:
فصدق الله العظيم الذي بلغ قولُه وحديثُه في الصدق أعلى ما يكون:قال تَعَالَى: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87]،وقال تَعَالَى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } [النساء: 122.
ثانيًا : الصدق من صفات النبيين:
قال تَعَالَى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: 41].
وقال تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: 54]
وقال تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 56، 57].
الصّدق مفتاح الصّدّيقيّة ومبدأها، وهي غايته:
قال ابن القيم : وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ. وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ. وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتُبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»().فَجَعَلَ الصِّدْقَ مِفْتَاحَ الصِّدِّيقِيَّةِ وَمَبْدَأَهَا. وَهِيَ غَايَتُهُ. فَلَا يَنَالُ دَرَجَتَهَا كَاذِبٌ أَلْبَتَّةَ. لَا فِي قَوْلِهِ:، وَلَا فِي عَمَلِهِ، وَلَا فِي حَالِهِ. وَلَا سِيَّمَا كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَنَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ. أَوْ إِثْبَاتِ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ. فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ صِدِّيقٌ أَبَدًا.
خَصَّ اللَّهُ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ:
قال ابن القيم: وَخَصَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] فَهُمُ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] وَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَمُدُّهُمْ بِأَنْعُمِهِ وَأَلْطَافِهِ وَمَزِيدِهِ إِحْسَانًا مِنْهُ وَتَوْفِيقًا. وَلَهُمْ مَرْتَبَةُ الْمَعِيَّةِ مَعَ اللَّهِ. فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّادِقِينَ، وَلَهُمْ مَنْزِلَةُ الْقُرْبِ مِنْهُ. إِذْ دَرَجَتُهُمْ مِنْهُ ثَانِي دَرَجَةِ النَّبِيِّينَ.
الأمــــر بالصــــدق:
قال ابن القيم (): أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين َفقال تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]
قال ابن كثير : وَالْزَمُوا الصِّدْقَ تَكُونُوا مَعَ أَهْلِهِ وَتَنْجُوَا مِنَ الْمَهَالِكِ وَيَجْعَلُ لَكُمْ فَرَجًا مِنْ أُمُورِكُمْ، وَمَخْرَجًا.
الصّدق يهدي إلى البرّ والكذب يهدي إلى الفجور:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»
أثر الصدق في صلاح القلب وطمأنينته ،وأثر الكذب في فساده وريبته:
قال ابن القيم : وَمِنْ عَلَامَاتِ الصِّدْقِ: طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ. وَمِنْ عَلَامَاتِ الْكَذِبِ: حُصُولُ الرِّيبَةِ، كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ – مَرْفُوعًا – مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الصِّدْقُ طُمَأْنِينَةٌ. وَالْكَذِبُ رِيبَةٌ.
الصدق بياض في القلب والكذب سواد فيه:
وَقَدْ ذكره مَالك بلاغا عَن بن مَسْعُودٍ وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً مُفِيدَةً وَلَفْظُهُ : ( لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَيُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) ().
أثر الصدق والبر على صلاح وقبول العبــــــادات:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ» قَالَ: وَمَا بِرُّهُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ» ().
وفي المسند بلفظ: قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ» ().وهو عند الحاكم بلفظ: : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا بِرُّ الْحَجُّ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ» ().
و عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ” الْحَجُّ الْمَبْرُورُ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَحُسْنُ الصَّحَابَةِ ” ().
الماهر بالقرآن الصادق في قراءته مع السّفرة الكرام البررة:
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ () مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ()، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ()، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ» ().
أثر الصدق والبر على صلاح الأخـــــــــلاق:
الصّدق يهدي إلى البرّ وحسن الخلق:
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ، عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»
أثر الصدق والبر على صلاح المعامـــــــــلات:
أثر البر والصدق في صلاح التجارة والتّجّار :
عن رفاعة- رضي الله عنه- أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، إِلَى الْبَقِيعِ وَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، وَرَفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ، وَقَالَ: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فُجَّارًا إِلَّا مَنِ اتَّقَى، وَبَرَّ، وَصَدَقَ»
أثر الصدق والبر على ثبوت الاجر :
عن أبي ثابت، وقيل: أبي سعيد، وقيل: أبي الوليد بدري؛ يعني من أهل بدر -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ».
صدق المتبايعين يحلّ البركة في بيعهما، وكذبهما يمحو بركة بيعهما:
قال ابن القيم …؛ حتّى إنّ صدق المتبايعين يحلّ البركة في بيعهما، وكذبهما يمحو بركة بيعهما. كما في الصّحيحين: عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، – أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ”
من أسبـــاب تحصيـــل البر والصدق:
1- الدعاء : إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى :
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ()، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ() السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ()، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ»، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ»
صحبة الأبرار أهل الصدق:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ ” وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: ” مَنْ يُخَالِلُ.
إشاعة الصدق في الأسرة:
الإسلام يوصي أن تغرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال، حتى يشبوا عليها، وقد ألفوها في أقوالهم وأحوالهم كلها:
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ».
معاقبة الكاذب في الأسرة ولو بالإعراض عنه:
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْكَذِبِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَهُ الْكَذْبَةَ فَمَا تَزَالُ فِي نَفْسِهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً»
جــــــزاء الصدق والبر فى الدنيا والآخرة:
أولاً : من القـــــــــرآن:
1- مَنْ صَدَقَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ:
قال ابن القيم: وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ صَدَقَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. فَقَالَ {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21] .
2- لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ:
وَقَسَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النَّاسَ إِلَى صَادِقٍ وَمُنَافِقٍ. فَقَالَ {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] .
وَالْإِيمَانُ أَسَاسُهُ الصِّدْقُ. وَالنِّفَاقُ أَسَاسُهُ الْكَذِبُ. فَلَا يَجْتَمِعُ كَذِبٌ وَإِيمَانٌ إِلَّا وَأَحَدُهُمَا مُحَارِبٌ لِلْآخَرِ.
3- لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا:
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 3.
لهم الجنان والرضا والرضوان :
أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ وَيُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِهِ إِلَّا صِدْقُهُ. قَالَ تَعَالَى {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119]
مثال وأنموذج لمن صدق مع نفسه والآخرين:
1- أَبُو بَكْر الصديق وحَنْظَلَةُ الْأُسَيِّدِيُ :
عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: – وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.