خطبة الجمعة الموافق 24مارس2023…..الصوم ومكارم الأخلاق
إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.
الأسباب الدافعة لهذا الموضوع:
لأن النبى ﷺ إِنَّمَا بُعِث لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ».
لارتباط الإيمان بالعمل الصالح في كثير من الآيات والذى من أصلحه صَالِح الْأَخْلَاقِ.
الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ. فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ: زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ قاله ابن القيم
للتذكيربأن الكرم والجود من كمال الإنسان ،وكمال الإيمان وحسن الإسلام.
فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ»
تمهيد :
فقد جعل الله في أيام دهره نفحات وجعل في الأزمان مواسم للخير والفضل كما جعل في بعض الأماكن مزيد فضل وأجر كرما منه تعالى وإحسانا ليتدارك المقصر في زمن قصير ما فاته في ماضي عمره الطويل وليتسابق المتنافسون إلى مواسم مضاعفة الثواب كما تنافسوا في الصالحات في عموم الزمان كما فضل جل جلاله المسجد الحرام على مسجد رسول ﷺبالمدينة وعلى المسجد الأقصى فجعل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في المساجد العادية والصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة كما جاء في بعض الأحاديث وفضل جل جلاله بعض الأوقات على بعض فجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر وفضل شهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخيرمن الليل وهكذا قوى الله فينا الأمل في رحمته والرجاء فيما عنده من خير()
إن الله جل وعلا ما شرع عبادة من العبادات إلا لتتطهر وتزكو نفوس العباد, فبطاعة الله تسمو الأخلاق وترتقي بما يخالجها من الأحاسيس في لذة العبادة التي هي سر في شرع الله, ومن تلك العبادات التي يتغير فيها خلق المسلم عبادة الصيام, حيث أن الصائم يكتسب من صيامه فوائد كثيرة وحكم عظيمة، منها: تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه.
ويعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكر –أيضا-حال صومه بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكراً لله سبحانه والاستعانة بنعمه على طاعته ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم.
وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا التغيير في سلوك وأخلاق المرء حال صيامه في قوله -عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] فأوضح سبحانه أنه كتب علينا الصيام لنتقيه، سبحانه فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هي طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله -عز وجل- ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه.
فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى، وقربة إلى المولى -عز وجل- ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شئون الدين والدنيا.
إن الصائم يتعلم ويتربى بالصيام على الطهر والعفاف, وقد أشار النبي -ﷺ- إلى ذلك في قوله: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) ().
فبين النبي – عليه الصلاة والسلام- أن الصوم وجاء للصائم ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري، ويذكر بالله وعظمته فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان، وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين وتقل به المعاصي.
إخواني:
إن المؤمن لا يترك محبوباً له إلا لما هو أعظم عند الله منه، ولما علم المؤمن أن رضا الله في الصيام بترك شهواته المجبول على محبتها قَدَّم رضا مولاه على هواه فتركها أشد ما يكون شوقاً إليها؛ لأن لذته وراحة نفسه في ترك ذلك لله -عز وجل-، ولذلك كان كثير من المؤمنين لو ضُرِب أو حُبِس على أن يفطر يوماً من رمضان بدون عذر لم يُفْطِر، وهذه حكمة من أبلغ حكم الصيام وأعظمها.
وإن الصيام ليغير في خلق صاحبه في قلبه فقلب الصائم يتخلى للفكر والذكر والرقة والخشوع,لأن تناول الشهوات كما هو معلوم يستوجب الغفلة، وربما يُقَسِّي القلب ويُعْمِي عن الحق، ولذلك أرشد النبي ﷺإلى التخفيف من الطعام والشراب، فقال -ﷺ-:«مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» ().
والصائم الغني الذي وهبه الله نعمة المال فهو قد تعود طوال العام على الرفاهية في المطعم والمشرب والملبس والمسكن فنسي أو غفل عن الفقراء والبائسين, فلما صام تغير سلوكه وظهرت أحاسيسه تجاه غيره,فعرف بذلك قدر نعمة الله عليه بالغنى حيث أنعم الله تعالى عليه بالطعام والشراب والنكاح، وقد حُرِمَها كثير من الخلق فيحمد الله على هذه النعمة ويشكره على هذا التيسير, ويذكر بذلك أخاه الفقير الذي ربما يبيت طاوياً جائعاً فيجود عليه بالصدقة يكسو بها عورته, ويسد بها جوعته, ولذلك كان النبي ﷺأجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيُدارِسه القرآن ().
عباد الله:
إن الصائم الحق يتأثر سلوكه بالصيام في تعامله مع من حوله فالصيام يمَرِّن على ضبط النفس,والسيطرة عليها,والقوة على الإمساك بزمامها حتى يتمكن من التحكم فيها ويقودها إلى ما فيه خيرها وسعادتها، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فإذا أطلق المرء لنفسه عنانها أوقعته في المهالك، وإذا ملك أمرها وسيطر عليها تمكن من قيادتها إلى أعلى المراتب وأسنى المطالب.
وهذا لا يتحقق إلا لمن صام صوماً شرعيا مستشعراً عبادة ربه بذلك, منتظراً الثواب منه سبحانه, صامت بطنه وفرجه ولسانه وجميع جوارحه, وإلا فهو معرض لوساوس الشيطان ونزغاته، فيرتكب أخطاء قد تزهق صومه فضلاً عن أنه لا يستفيد منه ولا تزكو أخلاقه بصومه، وهذا لمن اتخذ الصيام مجرد عادة يصوم إذا صام الناس ويفطر إذا أفطروا، ولم يدخل مدرسة الصيام دخولاً إيمانياً، أو هو يفسر الصوم بأنه مجرد إمساك عن المفطرات، فيطلق لسانه وبصره فيما حرم الله ومنع نفسه ما كان أصله مباحاً له من المطعم والمشرب والمنكح مدعياً أنه صائم, فهذا لا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه وقد عاش بعيداً عن الصيام الذي يتعلم منه أموراً كثيرة وعظيمة تنفعه في دينه ودنياه.
قال عليه -الصلاة والسلام-: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)().
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك، واجعلنا من أهل طاعتك وولايتك، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين().
إنَّ ثمرة الصيام الأساسية، هي أن يكون حافزاً للصائم على تقوى الله تعالى، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
فالصيام مدرسةٌ عظيمة، فيها يكتسب الصائمون أخلاقاً جليلة، ويتخلَّصون من صفاتٍ ذميمة، يتعودون على اجتناب المحرمات، ويقلعون عن مقارفة المنكرات.
فمن الصفات الحميدة التي يكتسبها الصائم:
1 – الصبر
تجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة:
وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقداره سبحانه وتعالى.
فهو صبرٌ على طاعة الله؛ لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها.
وعن معصية الله سبحانه؛ لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم.
وعلى أقدار الله تعالى؛ لأن الصائم يصيبه ألمٌ بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس؛ فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامعٌ بين الأنواع الثلاثة، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10.
وسمَّاه النبيﷺشهر الصبر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ
) صوم شهر الصبر، وثلاثة أيامٍ من كل شهر، يذهبن وَحَرَ الصدر).
النَّصْرُ مَعَ الصَّبْرِ
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – وَلَا أَحْفَظُ حَدِيثَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ – أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: ” يَا غُلامُ، أَوْ يَا غُلَيِّمُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ ” فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: ” احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا .
الصدق
إن أولى ما يعلِّمه الصوم للصائم في باب الصدق هو صدقه مع الله؛ إذ الصيام عملٌ سريٌّ بين العبد وربه، وبإمكان المرء أن يدعي الصيام، ثم يأكل خفيةً فيما بينه وبين نفسه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به) ().
فجعل الله سبحانه الصوم له، والمعنى أن الصيام يختصه الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال؛ لأنه أعظم العبادات إطلاقًا؛ فإنه سرٌّ بين الإنسان وربه؛ فالإنسان لا يُعلم هل هو صائمٌ أم مفطرٌ؛ إذ نيته باطنة؛ فلذلك كان أعظم إخلاصاً.
والصدق نقيض الكذب، أو موافقة الظاهر للباطن، والكذب مخالفة الظاهر للباطن، ولهذا كان وجه الشبه بين الصوم والصدق، أن كلاًّ منهما لا يطلع عليه إلا الله.
الكرم والجود والبذل والسخاء
الكرم والجود من أسماء الله وصفاته وهو يحب من تحلى بذلك:
الأدلة من القرآن:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1 – 4]
ابن كثير : وَأَنَّ مِنْ كَرَمه تَعَالَى أَنْ عَلّم الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، فَشَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي امْتَازَ بِهِ أَبُو الْبَرِيَّةِ آدَمُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَالْعِلْمُ تَارَةً يَكُونُ فِي الْأَذْهَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي اللِّسَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي الْكِتَابَةِ بِالْبَنَانِ، ذِهْنِيٌّ وَلَفْظِيٌّ وَرَسْمِيٌّ، وَالرَّسْمِيُّ يَسْتَلْزِمُهُمَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، فَلِهَذَا قَالَ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وَفِي الْأَثَرِ: قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ. وَفِيهِ أَيْضًا: “مَنْ عَمِلِ بِمَا عَلِمَ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمْ().
الأدلة من السنة:
1- عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبه قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلأى لَا يَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاء اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِض مَا فِي يَمِينِهِ” قَالَ: “وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَفِي يَدِهِ الْأُخْرَى القبْض، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ”: قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: “أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ”().
5- حديث ابن عباس رضي الله عنهما. بلفظ: ((إن الله عز وجل جواد يحب الجود ويحب معالي الأخلاق ويبغض سفسافها) ().
الكرم والجود من أخلاق الصائمين:
دلت الأدلة الشرعية على أن الحسنات تُضاعَفُ أضعافًا كثيرةً في الزمان الفاضل، كرمضان وغيره .
فحريٌّ بالصائم الذي امتنع عن المباحات من المفطرات، وابتعد عن جميع المحرمات، أن يكون ديدنه الاشتغال بالطاعات، على كثرة أنواعها، وتنوع أصنافها، ويتحلى بخلق الكرم والبذل والعطاء، ومن ذلك تفطير الصائمين.
فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا) ().
فينبغي للإنسان أن يحرص على تفطير الصائمين بقدر المستطاع، لاسيما إذا كان الصائم فقيرًا محتاجًا، أو عاجزًا.
إن الصائم الذي وهبه الله ولو شيئًا من المال، والذي قد تعود طوال العام على الرفاهية في المطعم والمشرب والملبس والمسكن، فغفل عن الفقراء والمساكين, حريٌّ به أن يتغير سلوكه أثناء الصيام، وأن تظهر أحاسيسه تجاه غيره, حين يشعر بألم الجوع العطش، ومرارة الحرمان؛ فيستشعر ما يعانيه إخوانه الفقراء.. يذكر بذلك أخاه الفقير الذي ربما يبيت طاويًا جائعًا فيجود عليه بالصدقة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺأَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺأَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ».
العفة:
قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)
فبين سبحانه أنه كتب علينا الصيام لنتقيه؛ فالصيام وسيلةٌ للتقوى، والتقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله تعالى وقاية، بفعل أوامره، وتورك نواهيه.
إن الصائم يتربى بالصيام على العفاف, وقد أشار النبي ﷺإلى ذلك في قوله: (يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) ().
فأوضح عليه الصلاة والسلام أن الصوم وقايةٌ للصائم، ووسيلةٌ لعفته؛ وذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ والصوم يضيق تلك المجاري؛ ويذكِّر بالله العظيم؛ فيضعف سلطان الشيطان؛ ويقوى سلطان الإيمان.
الحلم وكظم الغيظ والعفو والصفح
ينبغي للصائم إن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله أن يقول جهراً: إني صائم.فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺقال: (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائم) ().
وفي روايةٍ أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺقال: (إذا أصبح أحدكم يومًا صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم) ().
-سلامة الصدر
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (صوم شهر الصبر، وثلاثة أيامٍ من كل شهر، يذهبن وَحَرَ الصدر) (). ووَحَرَ الصدر: أي غشه، أو حقده، أو غيظه، أو نفاقه، بحيث لا يبقى فيه رين، أو العداوة، أو أشد الغضب .
العزم وقوة الإرادة
إن الصوم يربي في الصائم قوة الإرادة النابعة من إيمانه بالله تعالى، وإرادة امتثال أمره بالصوم؛ ابتغاء مرضاة الله؛ وطمعًا في نيل ثوابه الأخروي.
فالصيام يدرِّب الصائم على ضبط النفس, والسيطرة عليها, والإمساك بزمامها حتى تنقاد بإذن الله إلى ما فيه خيرها وسعادتها، فإن النفس أمارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي، فإذا أطلق المرء لنفسه عنانها أوقعته في المهالك، وإذا ملك أمرها وسيطر عليها تمكن من قيادتها إلى أعلى المراتب، وأسنى المطالب بإذن الله، وهذا لا يتحقق إلا لمن صام صوماً شرعيًّا مستشعراً عبادة ربه بذلك, منتظراً الثواب منه سبحانه.
والصائم الذي أرغم نفسه وحملها على أن تجتنب ما هو مباحٌ لها في الأصل، وسيطر على شهوات جسده، لقادرٌ بإذن الله على أن يجتنب ما حرم عليه من باب أولى في جميع أوقات العمر.
السكينة
• يُعَدُّ الصوم في حقيقته طريقًا للخلاص من قوى التدمير النفسي، وهو الطريق المضيء نحو الأمن النفسي، والشعور بالسعادة الروحية
ومن الدواعي التي تجعل الصوم باعثًا للسكينة في قلب الصائم، تكفيره للذنوب والخطايا، الذنوب التي تورث قسوة القلب، وقلق الفؤاد، والاضطراب النفسي والجسدي، ففي قصة عمر مع حذيفة رضي الله عنهما في الفتن التي أخبر بها الرسول ﷺ، قال: (فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفِّرها: الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي) ().
كما أن الصيام يحمل الصائم على أن يتخلى قلبه للفكر والذكر؛ لأن تناول الشهوات يستوجب الغفلة، ويقسي القلب.
قال ابن القيم رحمه الله: (المقصود من الصيام، حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الظمأ والجوع من حدتها وسَوْرتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها فيما يضرها في معاشها) ().
ومعلومٌ أن القلب إذا تخلى للذكر، اطمأن القلب، كما قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد: 28
– ترك الغيبة والكذب والبذاءة والفحش
إن الصائم الحق يتأثر سلوكه بالصيام في تعامله مع الآخرين، وأما من اتخذ الصيام مجرد عادة، بحيث يصوم إذا صام الناس ويفطر إذا أفطروا، ولم يدخل مدرسة الصيام دخولًا إيمانيًّا، أو هو يفسر الصوم بأنه مجرد إمساكٍ عن المفطرات، فيطلق لسانه وبصره فيما حرم الله، مع أنه يمنع نفسه مما هو مباحٌ له في الأصل من الطعام والشراب والنكاح! فهذا قد ينطبق عليه قوله ﷺ: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺقال: (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائم) .
وفي روايةٍ أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيﷺقال: (إذا أصبح أحدكم يومًا صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم) .
طلب الخير والإمساك عن الشر
عَنْ عَرْفَجَةَ، قَالَ: كُنْتُ فِي بَيْتٍ فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺكَأَنَّهُ أَوْلَى بِالْحَدِيثِ مِنِّي، فَحَدَّثَ الرَّجُلُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺقَالَ: ” فِي رَمَضَانَ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ، وَيُصَفَّدُ فِيهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ: يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ، وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ “().
– التَّعَرُّضِ لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ-: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مَنْ رَحِمَتِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ».
ومن طرقها وأسبابها:
1- أن يتحرى ثُلُث اللَّيْلِ الآخِرُ :
عَن أَبِي هُريرةَ – رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قَالَ يَنْزِلُ رَبنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُوني فَأسْتَجيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ”
أن يتحرى يوم الجمعة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ « إنّ فِي الجُمُعَةِ لَساعَةً لَا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهوَ قائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ الله فِيها خَيْراً إِلَّا أعْطاهُ الله إيَّاهُ »
أكل الحلال والبعد عن الحرام في رمضان وغيره لإجابة الدعوة.
قال تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 188].
الإستعانة بالصلاة والتي منها القيام على التخلي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
{ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]
ابن كثير ().: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ قِرَاءَتُهُ وَإِبْلَاغُهُ لِلنَّاسِ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} يَعْنِي: أَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ: عَلَى تَرْكِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، أَيْ: إِنَّ مُوَاظَبَتَهَا تَحْمِلُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: “مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، لَمْ تَزِدْهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا” () .
وعَنْ جَابِرٍ -شَكَّ الْأَعْمَشُ -قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي فَإِذَا أصبح سرق، قال: “سينهاه (10) ما يقول” () .