إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.
وقد دفعني للحديث عن هذا الموضوع عدة أمور منها:
التذكير بأنّ العمل هو حجر الزاوية وقطب الرحى في بناء الدول فهذا الأنموذج الأول لبناء دولة النبي ﷺ في المدينة مرده إلى العمل سواء دعائم بناء الدولة داخلياً كبناء المسجد والتآخي والتكافل الاجتماعي ووضع لبنات لاقتصاد قوي أو وضع دستور للمدينة ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وما لهما وما عليهما ونحو ذلك مما لا يخرج عن كونه عمل أودعائم بناء الدولة خارجياً كالعهود والمواثيق بينه وبين أهل الكتاب وبعض القبائل العربية المشركة حول المدينة أو تأسيس جيش قوي مهاب ونحو ذلك مما لا يخرج عن كونه عمل فيمكن القول :
بأن العمل كلمة جامعة لكل عامل من عوامل بناء الدول
للتذكير بالأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة.
التذكير بأنّ طلب الحلال والسعي علي العيال من الفرائض الغائبة.
أن الله جعله فريضة قبل الفريضة وبعدها{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) } [الجمعة: 9 – 11]
أن المتهاون في هذا الواجب آثم شأنه شأن المتهاون في واجب الصلاة.
أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ تَكُنْ تَأْنَفُ مِنَ الْعَمَلِ.
أنه رخص في ترك القيام من أجله: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل 20.
أوجه التشابه بين عملى الدنيا والآخرة:
الوجه الأول: كما أن كثيراً من أعمال الآخرة منه ماهو فرض وواجب ؛كذلك من أعمال الدنيا ماهو فرض وواجب من ذلك:
كَسْبُ (طَلَبُ) الْحَلَالِ وَاجِبٌ وفَرِيضَةٌ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – قَالَ: ” «طَلَبُ الْحَلَالِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» ”
عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ»
يُوسُفَ بْنَ أَسْبَاطٍ , يَقُولُ لِشُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ: «إِنَّ طَلَبَ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ , وَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ»
كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ».
الوجه الثانى: كما أن القرآن حث على أعمال الآخرة ؛كذلك جاء يحث على أعمال الدنيا من ذلك:
اهتم القرآن اهتماماً بالغاً بالعمل والعمال، وكرّمهم أحسن تكريم، وحتى يتجلّى هذا الاهتمام القرآنى بالعمل وطلب الرزق والخروج سعياً له، جاءت جملة من النصوص القرآنية تؤكد حرص القرآن على العمل والاهتمام بالعمال وتعدّ العمل دليلاً على القيام بمهام الرسالة التي أمر الله تعالى بها الناس من ذلك:
1-قوله – سبحانه وتعالى -: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} ،
ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة : أن الإنسان حينما يعمل يكون قد أدّى رسالة ربه، وبالعمل كذلك يقوم بدعوة الله عز وجل إلى الإعمار والإصلاح.
قصّ علينا القرآن الكريم أحوال الأنبياء عليهم السلام الذين كانوا يحرصون على طلب الرزق والعمل، من أجل كسب الحاجات الأساسية، كموسى ﷺ الذي رعى الغنم على رجل مدين (أجير خاص)، فقال الله – سبحانه وتعالى -: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} القصص، آية رقم 27. ، وكذلك نبي الله داود ﷺ الذي كان يعمل صانعاً للدروع من أجل بيعها (أجير مشترك) فقال الله – سبحانه وتعالى – عنه: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} الأنبياء، آية رقم 80.
العمل في الصناعة من الأنبياء والإنس والجن:
قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ: 10 – 13]
3- العمل فِي الزرع:
قَالَ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس: 33 – 35].
الوجه الثالث: كما أن السنة حثت على أعمال الآخرة ؛من ذلك:
الصيام:
عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه سأل رسول الله ﷺ: أيّ العمل أفضل؟ قال: «عليك بالصّوم فإنّه لا عدل له»
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «قال الله- عزّ وجلّ-: كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به. والصّيام جنّة () وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث () ولا يصخب () ، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إنّي امرؤ صائم، والّذي نفس محمّد بيده لخلوف () فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصّائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربّه فرح بصومه»
الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال:
أ- عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن رسول الله ﷺ أنّه قام فيهم فذكر لهم أنّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال. فقام رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفّر عنّي خطاياي؟. فقال له رسول الله ﷺ: «نعم. إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» . ثمّ قال رسول الله ﷺ: «كيف قلت؟» .
قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟. فقال رسول الله ﷺ: «نعم. وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلّا الدّين. فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك» () .
ب- عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟. قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» . قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها () وأكثرها ثمنا» . قال: قلت: فإن لم أفعل؟. قال: «تعين صانعا أو تصنع لاخرق () » قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك»() .
4- الهجرة:
عن أبي فاطمة أنّه قال: يا رسول الله:حدّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله. قال له رسول الله ﷺ: «عليك بالهجرة، فإنّه لا مثل لها»() .
5- الذكر:
عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ ﷺ قال: «ألا أنبّئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم. وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذّهب والورق، ومن أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» . قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ذكر الله» () .
6- اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة:
عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «ما منكم من أحد إلّا سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدّم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلّا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلّا النّار تلقاء وجهه، فاتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة»().
كذلك جاءت السنة تحث على أعمال لصلاح الدنيا:
وحتى يتجلّى هذا الاهتمام النبوي بالعمل وطلب الرزق والخروج سعياً له، جاءت جملة من النصوص النبوية الشريفة التي تؤكد حرص الرَسُول اللَّهِ ﷺ على العمل والحث عليه والاهتمام بالعمال:
عَنِ المِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ دَاوُدُ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَإِنَّهُ لَيَعْمَلُ الْخُوصَ بِيَدِهِ، فَيَعْمَلُ مِنْهُ الْقُفَّةَ أَوِ الشَّيْءَ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِ مَعَ مَنْ يَبِيعُهُ وَيَأْكُلُ مِنْ ثَمَنِهِ».
إرشاد من يسأل الناس إلى أن يتوجه إلى العمل ولو بالاحتطاب:
كان النبي -ﷺ- يرشد من يسأل الناس إلى أن يتوجه إلى العمل ولو بالاحتطاب,
5- فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: «أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟» قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ: «ائْتِنِي بِهِمَا»، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟» قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: «مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا»، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: «اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ،»، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا»، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ “.
اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى:
وأخبر النبي -ﷺ- أصحابه أن اليد العليا خير من اليد السفلى
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ».
الوجه الرابع : كما أن سلف الأمة حثوا على أعمال الآخرة ؛من ذلك:
الحث على العمل من قول فعل سلف الأمة
أولا:فعل سلف الأمة:
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: «لَوِ اغْتَسَلْتُمْ»()
(عمال أنفسهم) يعملون بأيديهم ويكسبون لأنفسهم. (أرواح) جمع ريح بسبب تعرقهم. (لو اغتسلتم) لحضور الجمعة].
ثانياً: من أقوال سلف الأمة:
قَالَ الثَّوْرِيُّ: ” عَلَيْكَ بِعَمَلِ الْأَبْطَالِ: الْكَسْبُ مِنَ الْحَلَالِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى الْعِيَالِ ”
عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ، قَالَ: ” كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْعِلْمَ سَأَلَهُ: هَلْ لَكَ وَجْهُ مَعِيشَةٍ؟ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ فِي كِفَايَةٍ، أَمَرَهُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِفَايَةٍ، أَمَرَهُ بِطَلَبِ الْمَعَاشِ
الوجه الخامس : كما أن الشرع نفى النفاق عن المشتغل بالعمل الصالح الأخروى ؛أيضً نفاه عن النشغل بإصلاح مال أو بحرفة أو بصناعة من ذلك:
انشغال الرجل بمال أو حرفة أو صناعة ليس بنفاق:
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: – وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ – قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
الوجه السادس : كما أن الشرع أتى بالرخصة والتخفيف في قِيَامِ اللَّيْلِ بسبب الجهاد الذى هو ذروة سنام العمل الأخروى ؛أيضًا أتى بالرخصة والتخفيف في قِيَامِ اللَّيْلِ بسبب الضرب في الأرض من أجل السعى على الرزق من ذلك:
التخفيف فِي تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ بسبب التجارة ونحوها من الضرب في الأرض .
قَوْلُهُ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
الوجه السابع: كما أن السنة حثت على العمل الصالح للآخرة ببيان ثوابه
أيضاً حثت على العمل لصلاح الدنيا ببيان فضائله وثوابه ؛من ذلك:
المبادرة إلى الأعمال الصالحة تعصم من الفتن:
أ- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله ﷺ قال: «بادروا بالأعمال فتنا () كقطع اللّيل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا.
الوجه الثامن : كما أن السنة حثت على أعمال الآخرة وجعلتها من سبيل الله أيضاً جعلت العمل لصلاح الدنيا في سبيل الله ؛من ذلك:
هُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ فَعَجِبُوا مِنْ خَلْقِهِ، فَقَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِبْيَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعُفَّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ “()
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَّ بِنَا رَجُلٌ جَسِيمٌ لَهُ خَلْقٌ وَعِظَمٌ، فَقُلْنَا: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يَكِدُّ عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَعَلَّهُ يَكِدُّ عَلَى صِبْيَةٍ صِغَارٍ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَعَلَّهُ يَكِدُّ عَلَى نَفْسِهِ يُغْنِيهَا عَنِ النَّاسِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ()
عَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَظَلَعَتْ نَاقَةٌ لَهُ فَأَقَامَ عَلَيْهَا سَبْعًا فَمَرَّ عَلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ شَابٌّ شَدِيدٌ قَوِيٌّ يَرْعَى غُنَيْمَةً لَهُ فَقَالُوا: لَوْ كَانَ شَبَابُ هَذَا وَشِدَّتُهُ وَقُوَّتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ كَبِيرَيْنِ لَهُ لِيُغْنِيَهُمَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى صِبْيَانٍ لَهُ صِغَارٍ لِيُغْنِيَهُمْ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا وَيُكَافِي النَّاسَ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى رِيَاءً وَسُمْعَةً فَهُوَ لِلشَّيْطَانِ».
الوجه التاسع: كما أن السنة حثت على العمل الصالح للآخرة ببيان ما ترتب عليه من مغفرة للذنوب أيضاً حثت على العمل لصلاح الدنيابيان ما ترتب عليه من مغفرة للذنوب؛من ذلك:
يُغْفَر لَكَ:
عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: «لَا تَحْقِرَنَّ فِلْسًا تُطِيعُ اللَّهَ فِي كَسْبِهِ، لَيْسَ الْفِلْسُ يُرَادُ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ تُرَادُ، عَسَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ بَقْلًا فَلَا يَسْتَقِرُّ فِي جَوْفِكَ حَتَّى يُغْفَرَ لَكَ»()
روى ابن عساكر، عن أنس من مات كالاً في طلب الحلال مات مغفوراً له.()
الوجه العاشر: ترتيب دخول الجنة على العمل الصالح دينى أو دنيوي
عن البراء- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ ﷺ رجل مقنّع بالحديد. فقال: يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟. قال: «أسلم ثمّ قاتل» . فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله ﷺ: «عمل قليلا وأجر كثيرا.
الوجه الحادي عشر: فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ الدينى والدنيوي:
عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ،فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «صَدَقَ سَلْمَانُ».
من حق العمل :
الْأَعْمَالُ الصالحةُ هى الَّتِي تُرْضِي اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لِمُتَابَعَتِهَا الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ:
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96.
الحق الأول والثانى: شرطى قبول العمل : الإخلاص ، والإتباع وقول الله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف: 110].
فلا يكون العمل صالحا إلّا بتوافر شرطين: الإخلاص لله لحديث عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنّما الأعمال بالنّيّة، وإنّما لامرئ ما نوى،
الحق الرابع : الاستدامة عليه وعدم الانقطاع
عن مسروق قال: سألت عائشة- رضي الله عنها- أيّ العمل كان أحبّ إلى النّبيّ ﷺ؟. قالت: الدّائم. قلت: متى كان يقوم؟. قالت:يقوم إذا سمع الصّارخ»
الحق الخامس: الأمانة
عن عدىّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا () فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة» . قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأنّي أنظر إليه. فقال: يا رسول الله! اقبل عنّي عملك. قال: «ومالك؟» . قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: «وأنا أقوله الان. من استعملناه منكم على عمل فليجىء بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ. وما نهي عنه انتهى» () .
الحق السادس: إتقان العمل والحث على ذلك
حكمُ تَحْسِينِ صُورَةِ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ واتقانه:
يُسْتَحْسَنُ لِلصَّانِعِ إِِذَا صَنَعَ شَيْئًا أَنْ يُحَسِّنَ صُورَةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، إِذْ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ إِتْقَانِ الْعَمَل وَإِِحْسَانِهِ.
مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بأنه أَحْسَن كُل شَيْءٍ خَلَقَهُ:
وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 6،
اختيارُ الأتقن والأمهر في كل شئ من أمور الدين والدنيا:
للصلاة :
اختيارُ الأقرأ:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ».
المثل التطبيقي من حياة النبي ﷺ في (العمل للدين والدنيا):
أولاً: عمل الدين:
1- عمل بيده في الخندق وأطعم الكثير بالطعام القليل:
أ- عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا النّبيّ ﷺ فقالوا: هذه كدية () عرضت في الخندق، فقال: «أنا نازل» . ثمّ قام وبطنه معصوب () بحجر، ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا.فأخذ النّبيّ ﷺ المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا () أهيل () أو أهيم. فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنّبيّ ﷺ شيئا ما كان في ذلك صبر. فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق () وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة () . ثمّ جئت النّبيّ ﷺ والعجين قد انكسر () والبرمة بين الأثافيّ () قد كادت أن تنضج، فقلت:طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان.قال: «كم هو؟» . فذكرت له. فقال: «كثير طيّب» .قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي» . فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار. فلمّا دخل على امرأته قال: ويحك جاء النّبيّ ﷺ بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة () والتّنّور إذا أخذ منه ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة.قال: «كلي هذا وأهدي، فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» .
يصلي حتّى ترم قدماه ويحي الليل كله أحيانًا:
أ- عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ ﷺ ليقوم- أو ليصلّي- حتّى ترم قدماه- أو ساقاه- فيقال له فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وفي رواية: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا)
صومه في الغزو وشدة الحر :
عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في شهر رمضان في حرّ شديد حتّى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ، وما فينا صائم إلّا رسول الله ﷺ وعبد الله ابن رواحة» () .
ثانيًا: عمل الدنيا:
4- رعيه للغنم :
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ ﷺ قال: «ما بعث الله نبيّا إلّا رعى الغنم» .فقال أصحابه: وأنت؟. فقال: «نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة» () .
5- كان في مهنة أهله:
عن عائشة- رضي الله عنها- وقد سئلت عمّا كان النّبيّ ﷺ يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة
الخاتمة
الأعمال بالخواتيم:
عن سهل بن سعد- رضي الله عنه-:أنّ رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النّبيّ ﷺ، فنظر النّبيّ ﷺ فقال:«من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا» . فاتّبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدّ النّاس على المشركين حتّى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتّى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرّجل إلى النّبيّ ﷺ مسرعا فقال: أشهد أنّك رسول الله، فقال: «وما ذاك؟» . قال: قلت لفلان:من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إليه، وكان أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنّه لا يموت على ذلك، فلمّا جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النّبيّ ﷺ، عند ذلك: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» () .
من الأسباب المعينة على إعطاء العمل حقه:
أن تعمل العمل الذي تطيقه:
أ- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:قال رسول الله ﷺ: «إيّاكم والوصال () » قالوا: فإنّك تواصل يا رسول الله. قال: «إنّكم لستم في ذلك مثلي، إنّى أبيت يطعمني ربّي ويسقيني،فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون»()
ب- عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان لرسول الله ﷺ حصير وكان يحجّره () من اللّيل فيصلّي فيه. فجعل النّاس يصلّون بصلاته، ويبسطه بالنّهار، فثابوا () ذات ليلة. فقال: «يا أيّها النّاس عليكم من الأعمال ما تطيقون () فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا. وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما دووم عليه () وإن قلّ» . وكان آل محمّد ﷺ إذا عملوا عملا أثبتوه () » ().
ج- عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله ﷺ ليدع العمل وهو يحبّ أن يعمل به خشية أن يعمل به النّاس فيفرض عليهم، وما سبّح رسول الله ﷺ سبحة الضّحى قطّ، وإنّي لأسبّحها)()
د- إنّ لكلّ عمل نشاط وفتور:
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ ﷺ قال: «إنّ لكلّ عمل شرّة () ولكلّ شرّة فترة () فإن كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدّوه» () .
التمني الصادق للعمل الصالح:
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله ﷺ قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» () .
الحث على العمل بالعلم:
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا. وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس. وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما. ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب»() .
الصحبة الطيبة:
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً “() .
إياك وصحبة البطالين فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»() .
النظر الى ما عند الله من أجر من محبة الله لمن أتقن عمله ونحو ذلك مما تقدم.
قراءة سيرة الذين أعطو العمل حقه والمتقنين من النبيين والسلف الصالحين والتابعين وغيرهم.
التدريب المستمر على العمل المراد اتقانه:
عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، قَالَ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ().
مساعدة غير المتقنين إلى أن يتسر لهم الوصول إلى درجة الاتقان:
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ»، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَعْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ ضَايِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ»،: قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ» ().
الأخرق هُوَ الَّذِي لَيْسَ بصانع().
قَالَ بن الْمُنِيرِ : وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِعَانَةَ الصَّانِعِ أَفْضَلُ مِنْ إِعَانَةِ غَيْرِ الصَّانِعِ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّانِعِ مَظِنَّةُ الْإِعَانَةِ فَكُلُّ أَحَدٍ يُعِينُهُ غَالِبًا بِخِلَافِ الصَّانِعِ فَإِنَّهُ لِشُهْرَتِهِ بِصَنْعَتِهِ يُغْفَلُ عَنْ إِعَانَتِهِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الصَّدَقَةِ عَلَى المستور ().
الدعاء:
أ- رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا:
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]
ب- يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ () .
ج- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، – قَالَ أَحْسَبُهُ فِي الْمَنَامِ – فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ ” قَالَ: ” قُلْتُ: لَا “، قَالَ: «فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ» أَوْ قَالَ: ” فِي نَحْرِي، فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فِي الكَفَّارَاتِ، وَالكَفَّارَاتُ المُكْثُ فِي المَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي المَكَارِهِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ، قَالَ: وَالدَّرَجَاتُ إِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ “() .
د- يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ:
عن النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ . قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ .
.