الصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 28 يناير 2022…..حق الوطن والتضحية في سبيله

"أبوطلحة الأنصاري نموذجاً"

أعدها للنشر مختصرة \هاني حسبو…من خطبة أعدها الدكتور عبد المنعم إبراهيم عامر.

يعرف أهل الإصطلاح الوطن بأنه:

هُوَ مَنْزِل إِقَامَةِ الإِْنْسَانِ وَمَقَرُّهُ، وُلِدَ بِهِ أَوْ لَمْ يُولَدْ .

ومن المعلوم من دين الله

أن الوطن المسلم إذا داهمه عدو وجب على كل أهله الدفاع عنه وصار الجهاد فرض عين عليهم، لا يجوز لأحد ترك الدفاع عن وطنه المسلم، كما هو نص الفقهاء في جميع المذاهب، وقد كان هذا في شرع من كان قبلنا فقال الله عن بني إسرائيل: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة: 246].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»

 متفق عليه.

والإنسان عنده ميل فطري إلى أن يضحي بنفسه، وماله في سبيل المثل الأعلى، بل إن هذه التضحية هي أمر راسخ في فطرة الإنسان وجزء من وجوده، وما تعظيم الشجاعة عند البشر إلا تقدير لقيمة التضحية في سبيل المثل الأعلى، ولذلك جعل الجهاد أفضل الأعمال.

ومن النماذج المضيئة التي كانت على درب التضحية في سيبل الوطن والدين أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه.

وهو زَيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ الأسود بن حرام بن عمرو ابن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بْن النجار الأَنْصَارِيّ النجاري الخزرجي ، من بني النجار أخوال رسول الله.

وهو أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة.

ومن مناقبه رضي الله عنه أنه

كانت تحته -زوجته- أم سُليم بنت ملحان  والدة أنس بن مالك

خطبها مشركًا. فلما علم أنه لا سبيل له إليها إلا بالإسلام أسلم وتزوجها وحسن إسلامه.

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ” خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا ” قَالَ ثَابِتٌ: «فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ، فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ.رواه النسائي وصححه الألباني.

وعن أنس رضي الله عنه أيضا :

 قَالَ: كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي، قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ العَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا» فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ ، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ فَقَالَ: «أَمَعَهُ شَيْءٌ؟» قَالُوا: نَعَمْ، تَمَرَاتٌ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ، فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ.

ومن مناقبه رضي الله عنه أيضا أنه لحد قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللهِ ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَانَ يَلْحَدُ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، وَلِلْآخَرِ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، اللهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ. قَالَ: فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللهِ. رواه أحمد وهو صحيح لغيره.

ومن مناقبه رضي الله عنه :

ما  رَوَاه حَمَّادُ بْنُ سلمة، عن ثابت البناني، وعلي بن زيد، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَرَدَ الصَّوْمَ بعد رسول الله أَرْبَعِينَ سَنَةً.

شهد العقبة، ثم شهد بدرًا -بل هو أحدُ أعيان البدريين-، وما بعدها من المشاهد.

وعن أنس رضي الله عنه أنه قال:

كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ بِتُرْسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فَكَانَ إِذَا رَمَى تَشَرَّفَ النَّبِيُّ ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ»رواه البخاري.

قَالَ ابنُ حجر: قِيلَ إِنَّ الرَّامِيَ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَسْتُرُهُ لِشَغْلِهِ يَدَيْهِ جَمِيعًا بِالرَّمْيِ فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ يَتْرُسُهُ بِتُرْسِهِ.

وهو القائل يوم أحد:

يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقِزَانِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ، فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا.

ومن مناقب أبي طلحة أيضا أنه:

صُبّ عَلَيْهِ النُّعَاس يَوْم أُحُدٍ:

 عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ. رواه البخاري.

 

وقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَعْنِي يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ». فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ، وَلَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ وَاللَّهِ إِنْ دَنَا مِنِّي بَعْضُهُمْ أَبْعَجُ بِهِ بَطْنَهُ، فَأَخبر بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ. رواه مسلم.

عَنْ جَابِرٍ، وَأَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ. رواه الحاكم.

غزا رضى الله عنه شَابًّا وَشَيْخًا:

عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَرَأَ سُورَةَ بَرَاءَةَ، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] فَقَالَ: أَلَّا أَرَى رَبِّي يَسْتَنْفِرُنِي شَابًّا وَشَيْخًا جَهَّزُونِي، فَقَالَ لَهُ بَنُوهُ: قَدْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِحَتَّى قُبِضَ، وَغَزَوْتَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ، وَغَزَوْتَ مَعَ عُمَرَ فَنَحْنُ نَغْزُوا عَنْكَ. فَقَالَ: جَهِّزُونِي، فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَمَاتَ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيرَةً يَدْفِنُونَهُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ. رواه أبو يعلى.

َعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ غَازِيًا فِي الْبَحْرِ، فَمَاتَ فِي السَّفِينَةِ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مَكَانًا يَدْفِنُونَهُ فِيهِ، فَانْتَظَرُوا بِهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ حَتَّى وَجَدُوا لَهُ بَعْدَ سَبْعٍ مَكَانًا يَدْفِنُونَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ كَمَا هُوَ.رواه الطبراني.

وللتضحية ثمرات عظيمة منها:

النصرة والعزة فحتى تحصل الأمة على النصرة والعزة لا بدَّ من التضحية الكاملة لتحصل النصرة للأمة، والهداية للبشرية.

ومنها دخول الناس في دين الله أفواجاً وعموم الأمن والاستقرار والغنى والاستقامة.

وختاما هناك أسباب إذا أخذ بها الفرد والمجتمع أعانته على التضحية ومنها:

– الإيمان بالله تعالى فهو كنز عظيم، وجوهر ثمين، إذا استقر في القلوب واستنارت به نشطت للعبادة، وهانت عليها التضحية.

ومنها:

العلم والتعلم والتفقه :

عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. رواه ابن ماجه وغيره.

ومنها أيضا:

الأدب مع الله بالاستعانة به على ضعفه، ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية، ومساعدته على الطاعة: {قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] فالأدب مع الله، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال؛ والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية، ومساعدته على الطاعة:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ولم يأخذها بطولةً. ولم يأخذها شجاعةً. ولم يأخذها اندفاعًا إلى الخطر دون مبالاة. ولم يظهر لشخصه ظلًا ولا حجمًا ولا وزنًا. إنما أرْجَعَ الفضل كله لله – عز وجل – إنْ هو أعانه على ما يطلب إليه، وأصْبَره على ما يراد به: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.

ووجود الصحبة الطيبة الشجاعة المضحية من أعظم الأسباب أيضا:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ، قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. رواه أبو داوود.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى