خطبة الجمعة الموافق 4نوفمبر 2022….السلام مع النفس والمجتمع والبيئة والكــــــــــون
إعداد الدكتور عبد المنعم إبراهيم عامر.
الذى دفعنى للكلام فى هذا الموضوع عدة أمور:
أولاً:- لأن الأمر بالسكون مطلب شرعى ولا يتم ذلك إلا بالسلام النفسي والاجتماعي الذى من أهم أسبابه إفشاءُ السلام:وَقَال أَنَسٌ: قَال النَّبِيُّ ﷺ:” يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا ” .فالسلامة التي تضمنها السلام هي أقصى الأماني مع تضمن تحية السلام
للتواضع وتجنب الكبر مع التأنيس للوحشة واستمالة القلب وسكون النفس للآتي بها)قاله الرازى
ثانيًا:- لأن التبشير والاتلاف وعدم التنفير والاختلاف مطلب شرعى أيضًاوَقَدْ أَرْسَل النَّبِيُّ ﷺ أَبَا مُوسَى الأَْشْعَرِيَّ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَكَانَ فِيمَا أَوْصَاهُمَا بِهِ أَنْ قَال: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا» والسَّلَامُ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّأَلُّفِ وَمِفْتَاحُ اسْتِجْلَابِ الْمَوَدَّةِ وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكُّنُ أُلْفَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ .
ثالثًا:- حاجة الخلق الى الحياة والسلامة والسكون والسلام:قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ –أى السلام- إِلَى الْخَلْقِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى السَّلَامَةِ وَغِنَاهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – عَنْهَا
رابعًا: حاجة الكون للسلام ،وللمحبة والسكون:
وعلى ذلك أدلة كثيرة منها:
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ»
قال النووي:قوله: (إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ) فِيهِ مُعْجِزَةٌ لَهُ ﷺ وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي بَعْضِ الْجَمَادَاتِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِجَارَةِ {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } [البقرة: 74] وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يسبح)
السلام والمحبة مع الكون:
عَنْ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
خامسًا:- حاجة النفس للسلام ،وللمحبة والسكون:
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33] السلامة لي في الدنيا وفي القبر وفي البعث، لأن له أحوالاً ثلاثة: حياة الدنيا والموت مقبوراً والبعث فسلم في هذه من الأحزان، أو سلم في الولادة من همزة الشيطان إذ لا مولود إلا يهمزه
ولِقَوْلِهِ تَعَالَى : {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً }[النور: 61]إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلكم وعيالكم، أو المساجد، فسلموا على من فيها ” ع “، أو بيوت غيركم فسلموا عليهم ” ح “، أوبيوتاً فسلموا على أهل دينكم، أو بيوتاً فارغة فسلموا على أنفسكم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو سلام علينا من ربنا تحية من الله
سادسًا:- كثرة الشحناء والتدابر وفساد ذات البين: عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الْبَغْضَاءُ وَالْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَيْسَ حَالِقَةَ الشَّعْرِ، وَلَكِنْ حَالِقَةَ الدِّينِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ لَكُمْ ذَلِكَ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»
قَوْلُهُ : (دَبَّ إِلَيْكُمْ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ سَرَى وَمَشَى بِخُفْيَةٍ (الْحَسَدُ) أَيْ فِي الْبَاطِنِ (وَالْبَغْضَاءُ) أَيِ الْعَدَاوَةُ فِي الظَّاهِرِ وَرَفْعُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا بَيَانٌ لِلدَّاءِ أَوْ بَدَلٌ وَسُمِّيَا دَاءً لِأَنَّهُمَا دَاءُ الْقَلْبِ (وَهِيَ) أَيِ الْبَغْضَاءُ وَهُوَ أَقْرَبُ مَبْنًى وَمَعْنًى أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ) أَيْ تَقْطَعُ ظَاهِرَ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ سَهْلٌ (وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) وَضَرَرُهُ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ([11]).فإذا قد كان سَرَى وَمَشَى بِخُفْيَةٍ فينا منذ خير الناس الْحَسَدُ فِي الْبَاطِنِ وَالْبَغْضَاءُ و الْعَدَاوَةُ فِي الظَّاهِرِ فكيف بزماننا فكان لابد من الضرب في علاج هذه الظاهرة ولو بسهم.
سابعًا:- لنيل أجر الصلاح وإصلاح ذات البين: فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ». فيه حث وترغيب على إصلاح ذات البين واجتناب عن الفساد فيها؛ لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله، وعدم التفريق بين المسلمين. وفساد ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة عند الله سبحانه وتعالى فوق ما ينالها الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه.
السَّلَامُ اسمٌ من أسماء الله تعالى الحسنى
عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: ” كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ “
قال ابن الجوزي : السَّلَام اسْم من أَسمَاء الله عز وَجل، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي سلم من كل عيب وَنقص.
ومعنى السّلام: السّالم من النّقائص، وقيل: المسلم لعباده، وقيل: المسلّم على أوليائه.
عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: ” أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الفِضَّةِ، أَوْ قَالَ: آنِيَةِ الفِضَّةِ، وَعَنِ المَيَاثِرِ وَالقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالإِسْتَبْرَقِ “
قولُهُ: (وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ ) وَالْإِفْشَاءُ الْإِظْهَارُ وَالْمُرَادُ نَشْرُ السَّلَامِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُحْيُوا سُنَّتَهُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: أَتَيْتُ مَجْلِسًا فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: (إِذَا سَلَّمْتَ فَأَسْمِعْ، فَإِنَّهَا تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً)
قَالَ النَّوَوِيُّ: أَقَلُّهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُسْمِعَ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُسْمِعْهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِقَدْرِ مَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ سَمِعَهُ فَإِنْ شَكَّ اسْتَظْهَرَ.
ومن فوائد وفضائل السلام من القرآن والسنة:
السلامُ تحيةٌ وطلبُ الحياةِ الطيبةِ المباركةِ من اللهِ:
قال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [النور: 61]
قال أبو السعود: {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} أي على أهلِها الذين بمنزلة أنفسِكم لما بينكم وبينهُم من القرابة الدِّينيةِ والنَّسبيةِ الموجبة لذلك {تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله} أي ثابتةً بأمره مشروعةً من لدنه ويجوزُ أنْ يكون صلةً للتَّحية فإنَّها طلبُ الحياة التي هي من عنده تعالى وانتصابُها على المصدريَّةِ لأنَّها بمعنى التَّسليمِ
قلت: ويؤيد المعنى الأخير قوله تعالى عن أهل الجنة: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} [الفرقان: 75]قال الماوردي: فيه وجهان: أحدهما: يعني بقاء دائماً. الثاني: ملكاً عظيماً. {وَسَلاَماً} فيه وجهان: أحدهما: أنها جماع السلامة الخير. (.هذا في الآخرة وفي الدنيا يحي الحياة الطيبة قال تعالى: {نْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97].
السلامُ تحيةٌ لِأَهْلِ دِينِنَا , وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا:
قال تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا } [النساء: 90] أَيِ: الْمُسَالَمَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ تَحِيَّةً لِأَهْلِ دِينِنَا , وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا»
السَّلَامُ تَحِيَّةُ آدم وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ، النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ “
السَّلَامُ تَحِيَّةُ إبراهيم عليه السلام والملائكة:
قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } [هود: 69]
وقال تعالى: { قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } [مريم: 47] قال الماوردي : هذا سلام إبراهيم على أبيه , وفيه وجهان:
أحدهما: أنه سلام توديع وهجر لمقامه على الكفر , قاله ابن بحر.
الثاني: وهو أظهر أنه سلام بر وإكرام , فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة وشكراً لسالف التربية. ([3]).
السَّلَامُ تَحِيَّةُ موسى للخضر:
فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ) قَالَ مُوسَى: (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ الخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟(
قَوْلُهُ: ( فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: ( فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ).
قَوْلُهُ : (وَقَالَ هَلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلَامٍ )فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: ( بِأَرْضٍ) بِالتَّنْوِينِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: ( قَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ )وَهِيَ بِمَعْنَى أَيْنَ أَوْ كَيْفَ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ اسْتِبْعَادٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُونُوا إِذْ ذَاكَ مُسْلِمِينَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ اسْتَفْهَمَهُ بَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ
السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْإِسْلَامِ والْمُسْلِمِينَ وشِعَارُهُم في الدنيا وفي الجنةِ:
أَوَّلُ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ:
قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: (….فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ» ثُمَّ قَالَ «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ..)
السَّلَامُ تَحِيَّةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً:
قال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } [النور: 61]
قال أبو السعود: {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} أي على أهلِها الذين بمنزلة أنفسِكم لما بينكم وبينهُم من القرابة الدِّينيةِ والنَّسبيةِ الموجبة لذلك {تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله} أي ثابتةً بأمره مشروعةً من لدنه ويجوزُ أنْ يكون صلةً للتَّحية فإنَّها طلبُ الحياة التي هي من عنده تعالى وانتصابُها على المصدريَّةِ لأنَّها بمعنى التَّسليمِ {مباركة} مستتبعة لزيادة الخيرِ والثواب ودوامهما {طَيّبَةً} تطيبُ بها نفسُ المستمع وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ»
قال السعدي: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} نكرة في سياق الشرط، يشمل بيت الإنسان وبيت غيره، سواء كان في البيت ساكن أم لا فإذا دخلها الإنسان {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد، من تواددهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت، من غير فرق بين بيت وبيت، والاستئذان تقدم أن فيه تفصيلا في أحكامه، ثم مدح هذا السلام فقال: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} أي: سلامكم بقولكم: ” السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ” أو ” السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ” إذ تدخلون البيوت، {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي: قد شرعها لكم، وجعلها تحيتكم، {مُبَارَكَةً} لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة، {طَيِّبَةً} لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيب نفس للمحيا، ومحبة وجلب مودة
وعَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: أَتَيْتُ مَجْلِسًا فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: (إِذَا سَلَّمْتَ فَأَسْمِعْ، فَإِنَّهَا تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً)
السَّلَامُ من أسبابِ عصمةِ النفسِِِِِ والمالِ ومن أسباب السلم العام :
قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 94]
وعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ فَقَامُوا فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]
إفشاءُ السلامِ من أسبابِ دخولِ الجنةِ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ» عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ.
فوائدُ السلامِ وإفشاءهِ الأخرى :
أ- السَّلَامُ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّأَلُّفِ وَمِفْتَاحُ اسْتِجْلَابِ الْمَوَدَّةِ وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكُّنُ أُلْفَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ .
ب- إِظْهَارُ شِعَارِهِمُ الْمُمَيِّزِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ
ج- مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَةِ النَّفْسِ وَلُزُومِ التَّوَاضُعِ وَإِعْظَامِ حُرُمَاتِ الْمُسْلِمِينَ
د- السَّلَامُ من الْإِيمَانِ:
وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالْإِنْفَاقُ من الاقتار )
وروى غَيْرُ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْكَلَامَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ كُلُّهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ(
هـ- السَّلَامُ رَافْعٌ للتَّقَاطُعِ وَللتَّهَاجُرِ وَللشَّحْنَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ:
قال النووي: وَفِيهَا لَطِيفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ رَفْعَ التَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ وَالشَّحْنَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ الَّتِي هِيَ الْحَالِقَةُ
عنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ “
2-عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الْبَغْضَاءُ وَالْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَيْسَ حَالِقَةَ الشَّعْرِ، وَلَكِنْ حَالِقَةَ الدِّينِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ لَكُمْ ذَلِكَ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»
أَفْشُوا السَّلَامَ كَيْ تَعْلُوا:
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :” «أَفْشُوا السَّلَامَ كَيْ تَعْلُوا»(
وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ إِلَى الْخَلْقِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى السَّلَامَةِ وَغِنَاهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – عَنْهَا
بإِفْشَاءِ السَّلَامِ تحصلُ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْمُتَسَالِمَيْنِ:
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ بِهِ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنكُم)
قَالَ بن الْعَرَبِيِّ: فِيهِ أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ حُصُولُ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْمُتَسَالِمَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنِ ائْتِلَافِ الْكَلِمَةِ لِتَعُمَّ الْمَصْلَحَةُ بِوُقُوعِ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى إِقَامَةِ شَرَائِعِ الدِّينِ وَإِخْزَاءِ الْكَافِرِينَ وَهِيَ كَلِمَةٌ إِذَا سُمِعَتْ أَخْلَصَتِ الْقَلْبَ الْوَاعِيَ لَهَا عَنِ النُّفُورِ إِلَى الْإِقْبَالِ عَلَى قَائِلِهَا
بالسَّلَامِ تحصلُ المغفرة وتتساقط الذنوب:
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَصَافَحَهُ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا، كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ»
مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ، فَهُوَ أَوْلَى بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ»
ولفظُ أبى يعلي: «مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ، فَهُوَ أَوْلَى بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ»
مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ، لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ بِتَذْكِيرِهِ إِيَّاهُمْ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ ﷺ قَالَ: ” «السَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ إِذَا مَرَّ بِقَوْمٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ بِتَذْكِيرِهِ إِيَّاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ»
السَّلَامُ خيرُ خصالِ الإِسْلاَمِ وأكثرها نفعًا:
عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ ، وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ»
قَوْلُهُ: ( أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ) أي أعمال الإسلام أكثر نفعا.
الأخيرُ والأفضلُ والأكثرُ ثواباً الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ:
عنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ “
حَسَدُ الْيَهُودِ لنا عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ لفَضْلِهِمَا وَبَرَكَتِهِمَا:
عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ، قَالَ: «مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ»
( مَا حسدتكم الى آخِره) لَعَلَّ سَبَب حسدهم ان هذَيْن الامرين مطبوعان لَهُم وَلَا يعْملُونَ بهما لِئَلَّا يلْزمهُم التأسي والاقتداء بِأَهْل الْإِسْلَام(.قلت: ويشهد له رواية البيهقى: ” فَإِنَّهُمْ حَسَدُونَا عَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هُدِينَا لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي هُدِينَا لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ “.فلا يبعد ذلك في السلام أيضًا.
قَوْلُهُ:(عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ)لِمَا عَلِمُوا مِنْ فَضْلِهِمَا وَبَرَكَتِهِمَا أَيْ فَاللَّائِقُ بِكُمُ الْإِكْثَارُ فِيهِمَا
السَّلَامُ لِلَّهِ لَا يَتْبَعُ فِيهِ هَوَاهُ ،وَلَا يَخُصُّ أَصْحَابَهُ وَأَحْبَابَهُ بِهِ:
عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ ، وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ». وبوب البخاري عليه فقال: (بَابُ السَّلَامِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ)أَيْ مَنْ يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ أَيْ لَا يَخُصُّ بِالسَّلَامِ مَنْ يَعْرِفُهُ دُونَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَصَدْرُ التَّرْجَمَةِ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد بِسَنَد صَحِيح عَن بن مَسْعُودٍ : ( أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ السَّلَامُ فِيهِ لِلْمَعْرِفَةِ) وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشّعب من وَجه آخر عَن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: ( إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِالْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي فِيهِ وَأَنْ لَا يُسَلِّمَ إِلَّا عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ) وَلَفْظُ الطَّحَاوِيِّ: ( إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ السَّلَامَ لِلْمَعْرِفَةِ.
تطبيقات السلف في إفشاء السلام
أخرج بن أبي شيبَة من طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ قَالَ: ( إِنْ كُنْتُ لَأَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ وَمَالِي حَاجَةٌ إِلَّا أَنْ أُسَلِّمَ وَيُسَلَّمَ عَلَيَّ) .
السَّلَامُ من اللهِ وجبريلِ على خَدِيجَةِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ.
الأسبَابُ المعينةُ على تحقيق السلام مع النفس والكون :
العلم بالإسلامِ وتعلم محاسنه:
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] فَبَدَأَ بِالعِلْمِ قاله البخاري.
قَالَ بن الْمُنِيرِ : أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فَلَا يُعْتَبَرَانِ إِلَّا بِهِ فَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلنِّيَّةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْعَمَلِ فَنَبَّهَ الْمُصَنِّفٌ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا يَسْبِقُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْعِلْمَ لَا يَنْفَعُ إِلَّا بِالْعَمَلِ تَهْوِينُ أَمْرِ الْعِلْمِ وَالتَّسَاهُلُ فِي طَلَبِهِ.
قَوْلُهُ : (فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ثمَّ قَالَ واستغفر لذنبك وَالْخِطَابُ وَإِنْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِأُمَّتِهِ.
اتباع القرآن وسيرة سيد البشر ﷺ:
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ والذي يهتدي بهذا القرآن، وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك، فقال: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} أي: يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله، وصار قصده حسنا -سبل السلام التي تسلم صاحبها من العذاب، وتوصله إلى دار السلام، وهو العلم بالحق والعمل به، إجمالا وتفصيلا
قال الماوردى:{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبِعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} فيه تأويلان: أحدهما: سبيل الله , لأن الله هو السلام , ومعناه دين الله , وهذا قول الحسن. والثاني: طريق السلامة من المخافة).أَوْ: طُرُقَ النَّجَاةِ وَالسَّلَامَةِ وَمَنَاهِجَ الِاسْتِقَامَةِ(أو طرق السلامة من العذاب والنجاة من العقاب
الصحبة الطيبة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»
الدعاء بوجه عام وبأن يحفظنا الله بالإسلام:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَخْبَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَائِمًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَاعِدًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ رَاقِدًا، وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا، وَاللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ»
وقَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي , فَإِنَّهُمْ لَايَعْلَمُونَ» يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ