احدث الاخبارالصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 6يناير 2022….الدين يسر (التيسير في العبادات والسماحة في المعاملات)

إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

وقد دفعني للحديث عن هذا الموضوع عدة أمور منها:

لبيان معنى السماحة وأنواعها وصو رها.

لبيان أن الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ الْمُسْلِمَةُ ،وأنها أَفْضَلُ وأَحَبُّ الْأَدْيَانِ عند الله لذا ما بعث ﷺ إلا بها .

لبيان أن السماحة من أخلاق نبينا ﷺ وأصحابه.

لبيان المرغبات فيها والمرهبات من أضدادها .

 

لبيان ما يمكن بيانه من أسباب تحصيل السماحة واكتسابها.

لإقامة الحجة على البطالين والمفرطين.

إقامة الحجة على من يرمي الإسلام بالتشدد والتعنت ولكن التشدد عند من كان قبلنا.

لبيان ما يمكن بيانه من ثمرات وفوائد السماحة ومنها:

أنها الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ ،وأنها أَفْضَلُ وأَحَبُّ الْأَدْيَانِ عنده سبحانه .

أن يغنم في حياته أكبر قسط من السعادة وهناءة العيش، لأنه بخلقه هذا يتكيف مع الأوضاع الطبيعية والاجتماعية بسرعة مهما كانت غير ملائمة لما يحب أو لما يهوى نفسه.

يستطيع أن يستقبل المقادير بالرضى والتسليم مهما كانت مكروهة للنفوس.

سمح النفس يظفر بأكبر قسط من محبة الناس له، وثقة الناس به، لأنه يعاملهم بالسماحة والبشر ولين الجانب، والتغاضي عن السيئات والنقائص، فإذا دعاه الواجب إلى تقديم النصح كان في نصحه رفيقاً ليناً، سمحاً هيناً، يسر بالنصيحة، ولا يريد الفضيحة، يسد الثغرات، ولا ينشر الزلات والعثرات.

يعامل الناس أيضاً بالسماحة في الأمور المادية، فإذا باع كان سمحاً وإذا اشترى كان سمحاً، وإذا أخذ كان سمحاً، وإذا أعطى كان سمحاً، وإذا قضى ما عليه كان سمحاً وإذا اقتضى ما له كان سمحاً.

يجلب سمح النفس الهين اللين لنفسه الخير الدنيوي بتسامحه، وذلك لأن الناس يحبون المتسامح الهين اللين، فيميلون إلى التعامل معه، فيكثر عليه الخير بكثرة محبيه والواثقين به.

يجلب سمح النفس الهين اللين لنفسه رضى الله تعالى والخير الأخروي العظيم، ما ابتغى بسماحته رضوان الله عز وجل)

لإقامة الحجة على المنحرفين أخلاقياً بدعوة صعوبة الحلال بأن الإسلام يسر أمر الزواج بقوله ﷺ وقال التمس لو خاتم من حديد كما ثبت في الصحيح عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ﷺ ، فَقَالَ: «مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْبًا»، قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟» قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ»()

ولما أخبر عنه ﷺ من علامات الساعة

كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَتَسَافَدُوا فِي الطَّرِيقِ تَسَافُدَ الْحَمِيرِ» قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ لَكَائِنٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ لَيَكُونَنَّ»

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَفْنَى هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَيَفْتَرِشَهَا فِي الطَّرِيقِ، فَيَكُونَ خِيَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُولُ لَوْ وَارَيْتَهَا وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ»

لاحجة لطالب اليسر بأن الله اراد له اليسر وأراد هو لنفسه العسر كم قال شيخ الازهر لا تسأل عن ضياع أمة نامت ليلة القدر وسهرت في رأس السنة الميلادية إلى الفجر.

الْيُسْرُ وَانْتِفَاءُ الْحَرَجِ صِفَتَانِ أَسَاسِيَّتَانِ فِي دِينِ الإِْسْلاَمِ وَشَرِيعَتِهِ، وَالتَّيْسِيرُ مَقْصِدٌ أَسَاسِيٌّ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ. وَيَدُل عَلَى هَذَا الأَْصْل آيَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَأَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَيْهِ:

فَمِنَ الْقُــــــــرْآنِ:

قَوْله تَعَالَى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (الحج / 78.) قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا ذَلِكَ سِعَةُ الإِْسْلاَمِ وَمَا جَعَل اللَّهُ فِيهِ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْكَفَّارَاتِ.

قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة / 185.) وَقَوْلُهُ {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِْنْسَانُ ضَعِيفًا} (النساء / 28.) .

وَمِنَ السُّنّــــــــَةِ :

قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ) ()أَيِ السَّهْلَةِ اللَّيِّنَةِ.

قَوْلُهُ: ( إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ)

قَوْلُهُ: ( إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ)

يُسْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:

النَّوْعُ الأَْوَّل: تَيْسِيرُ الْعِلْمِ بِالشَّرِيعَةِ:

اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ حَمَل هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الإِْسْلاَمِيَّةَ – أَوَّل مَا حَمَلَهَا – قَوْمٌ أُمِّيُّونَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِكُتُبِ الأَْقْدَمِينَ وَلاَ بِعُلُومِهِمْ، مِنَ الْعُلُومِ الْكَوْنِيَّةِ، وَالْمَنْطِقِ، وَالرِّيَاضِيَّاتِ، وَغَيْرِهَا، وَلاَ مِنَ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، بَل كَانُوا بَاقِينَ قَرِيبًا مِنَ الْفِطْرَةِ. وَأَرْسَل اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَسُولاً أُمِّيًّا لَمْ يَكْتُبْ كِتَابًا، وَلَمْ يَخُطَّهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ عَرَفَ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِمَّا كَتَبَهُ الْكَاتِبُونَ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} (الجمعة / 2) وَقَال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِك إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت / 48) ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل أَرَادَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْمُبَارَكَةُ خَاتِمَةَ الشَّرَائِعِ،فَهِيَ لِمَنْ عَاصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ عَامَّةٌ لِلْبَشَرِ جَمِيعًا، لَيْسَتْ لِلْعَرَبِ وَحْدَهُمْ، بَل لَهُمْ وَلِمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الأُْمَمِ فِي مَشَارِقِ الأَْرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَفِيهِمِ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ، وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِل، وَالْقَارِئُ وَالأُْمِّيُّ، وَالذَّكِيُّ وَالْبَلِيدُ. فَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الشَّرِيعَةُ الْعَامَّةُ الْخَاتِمَةُ مَيْسُورًا فَهْمُهَا وَتَعَقُّلُهَا وَالْعِلْمُ بِهَا لِتَسَعَ الْجَمِيعَ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِهَا عَسِيرًا، أَوْ مُتَوَقِّفًا عَلَى وَسَائِل عِلْمِيَّةٍ تَدُقُّ عَلَى الأَْفْهَامِ لَكَانَ مِنَ الْعَسِيرِ عَلَى جُمْهُورِ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا أَخْذُهَا وَمَعْرِفَتُهَا أَوَّلاً، وَالاِمْتِثَال لأَِوَامِرِهَا وَنَوَاهِيهَا.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ:

تَيْسِيرُ الْقُرْآنِ:

جَعَل اللَّهُ عَزَّ وَجَل الْقُرْآنَ مُيَسَّرَ التِّلاَوَةِ وَالْفَهْمِ عَلَى الْجُمْهُورِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} (مريم / 97) وَقَال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَل مِنْ مُدَّكِرٍ} (القمر / 54) . وَمِنْ تَيْسِيرِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مُرَاعَاةً لِحَال النَّاسِ مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةُ عَلَى النُّطْقِ. وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ قَال: لَقِيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيل، فَقَال: يَا جِبْرِيل إِنِّي أُرْسِلْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، إِلَى الشَّيْخِ العَجُوزِ، وَالْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ، وَالشَّيْخِ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ. فَقَال: إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِل عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ().

وَيَرْجِعُ تَيْسِيرُ الْقُرْآنِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

الأْوَّل: أَنَّهُ مُيَسَّرٌ لِلتِّلاَوَةِ لِسَلاَسَتِهِ وَخُلُوِّهِ مِنَ التَّعْقِيدِ اللَّفْظِيِّ.

الثَّانِي: أَنَّهُ مُيَسَّرٌ لِلْحِفْظِ، فَيُمْكِنُ حِفْظُهُ وَيَسْهُل. قَال الرَّازِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى يُحْفَظُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَيْرَ الْقُرْآنِ.

الثَّالِثِ: سُهُولَةُ الاِتِّعَاظِ بِهِ لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ فِي الْقُلُوبِ؛ وَلاِشْتِمَالِهِ عَلَى الْقَصَصِ وَالْحِكَمِ وَالأَْمْثَال، وَتَصْرِيفُ آيَاتِهِ عَلَى أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَةٍ، كَمَا قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثَ لَهُمْ ذِكْرًا} (طه / 113) .

الرَّابِعِ: أَنَّهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ يَعْلَقُ بِالْقُلُوبِ، وَيُسْتَلَذُّ سَمَاعُهُ، وَلاَ يُسْأَمُ مِنْ سَمَاعِهِ وَفَهْمِهِ، وَلاَ يَقُول سَامِعُهُ: قَدْ عَلِمْتُ وَفَهِمْتُ فَلاَ أَسْمَعُهُ، بَل كُل سَاعَةٍ يَجِدُ مِنْهُ لَذَّةً وَعِلْمًا .

التَّيْسِيرُ فِي عِلْمِ الأَْحْكَامِ الاِعْتِقَادِيَّةِ:

التَّكَالِيفُ الاِعْتِقَادِيَّةُ فِي الإِْسْلاَمِ مُيَسَّرٌ تَعَقُّلُهَا وَفَهْمُهَا، يَشْتَرِكُ فِي فَهْمِهَا الْجُمْهُورُ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ثَاقِبَ الْفَهْمِ وَمَنْ كَانَ بَلِيدًا، وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يُدْرِكُهُ إِلاَّ الْخَوَاصُّ لَمَا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ عَامَّةً؛ وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْمَعَانِي الْمَطْلُوبُ عِلْمُهَا وَاعْتِقَادُهَا سَهْلَةَ الْمَأْخَذِ.

التَّيْسِيرُ فِي عِلْمِ الأَْحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ:

رَاعَى الشَّارِعُ الْحَكِيمُ أُمَيَّةَ الْمَدْعُوِّينَ وَتَنَوُّعَ أَحْوَالِهِمْ فِي الْفَهْمِ، فَجَعَل الأَْحْكَامَ الْعَمَلِيَّةَ مِمَّا يَسْهُل تَعَقُّلُهَا وَتَعَلُّمُهَا وَفَهْمُهَا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَلَّفَهُمْ بِجَلاَئِل الأَْعْمَال الْعِبَادِيَّةِ، وَقَرَّبَ الْمَنَاطَ فِيهَا بِحَيْثُ يُدْرِكُهَا الْجُمْهُورُ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا، كَتَعْرِيفِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ بِالظِّلاَل وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَزَوَال الشَّمْسِ، وَغُرُوبِهَا، وَغُرُوبِ الشَّفَقِ، وَكَذَلِكَ فِي الصِّيَامِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (البقرة / 187.) . وَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسِبُ: الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا”() وَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَل وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ “()وَلَمْ يُطَالِبْنَا بِجَعْل ذَلِكَ مُرْتَبِطًا بِحِسَابِ مَسِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي الْمَنَازِل؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الدِّقَّةِ وَالْخَفَاءِ.

التَّيْسِيرُ الأَْصْلِيُّ صِفَةٌ عَامَّةٌ لِلشَّرِيعَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ فِي أَحْكَامِهَا الأَْصْلِيَّةِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمُكَلَّفِينَ. قَال الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى التَّكْلِيفِ بِالشَّاقِّ وَالإِْعْنَاتِ فِيهِ،

وَيُسْتَدَل لِذَلِكَ بِأُمُورٍ، مِنْهَا:

أ – النُّصُوصُ الَّتِي تُبَيِّنُ ذَلِكَ صَرَاحَةً، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِل عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (البقرة / 286) وَمِنْهَا مَا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي سِيَاقِ بَيَانِ بَعْضِ الأَْحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (الأعراف / 42) وَقَوْلُهُ جَل وَعَلاَ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة / 233) وَقَوْلُهُ: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْل وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (الأنعام / 152) .

وَمِنَ الْيُسْرِ الأَْصْلِيِّ إِعْفَاءُ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، مِنْ سَرَيَانِ الأَْحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ عَلَيْهِمَا، وَإِعْفَاءِ النِّسَاءِ مِنْ وُجُوبِ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ، وَمِنْ تَأَكُّدِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ وُجُوبِهَا عَلَى الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا مَعْنَى كَثِيرٍ مِنَ الاِشْتِرَاطَاتِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَالْحُدُودِ، وَبَعْضِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَحَقِّ الْقِصَاصِ، وَحَقِّ حَدِّ الْقَذْفِ، فَقَدِ اشْتُرِطَ فِيهَا جَمِيعًا الْبُلُوغُ وَالْعَقْل، وَاشْتُرِطَ فِي حَدِّ الزِّنَى أَرْبَعَةُ شُهُودٍ تَقْلِيلاً لِحَالاَتِ وُجُوبِ الْحَدِّ، تَخْفِيفًا وَتَيْسِيرًا، وَاشْتُرِطَ لِلرَّجْمِ لِشِدَّتِهِ الإِْحْصَانُ تَخْفِيفًا عَنْ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَاسْتُثْنِيَ الْوَلِيُّ الْفَقِيرُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الأَْكْل مِنْ مَال الْيَتِيمِ؛ تَخْفِيفًا عَنْهُ، فَقَدْ أُذِنَ لَهُ أَنْ يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ.

وَمِنْهَا مَا عُلِمَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَفَادَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَكَالِيفَ قَدْ تَشُقُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يَتَجَنَّبُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا يَكُونُ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى أَصْحَابِهِ إِذَا اقْتَدَوْا بِهِ فِيهِ، كَمَا قَال تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة / 128)

فَمِنْ ذَلِكَ :

أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحُثُّ أَصْحَابَهُ عَلَى تَرْكِ السُّؤَال لِئَلاَّ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَرَائِضُ بِسَبَبِ سُؤَالِهِمْ. فَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْحَجِّ. أَفِي كُل عَامٍ هُوَ؟ فَقَال: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ () .-

وَقَال: لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمَّتِي لأََمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُل صَلاَةٍ

3- فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “كَانَ يُحِبُّ الْيُسْرَ عَلَى النَّاسِ

التَّيْسِيرُ فِي الشَّرِيعَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ.

أَمَّا الْكَافِرُ فَلَهُ التَّشْدِيدُ وَالتَّضْيِيقُ وَالتَّغْلِيظُ بِسَبَبِ كُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَجَحْدِهِ لِنِعْمَتِهِ وَحَقِّهِ؛ وَلِرَفْضِهِ الدُّخُول تَحْتَ أَحْكَامِ اللَّهِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح / 29) وَقَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا

النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (التوبة / 73) .وَلِذَلِكَ شُرِعَ قِتَال الْكُفَّارِ وَإِدْخَالُهُمْ تَحْتَ الْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ. فَإِنْ دَخَل الْكَافِرُ فِي الذِّمَّةِ وَتَرَكَ الْمُحَارَبَةَ، أَوْ دَخَل مُسْتَأْمَنًا، حَصَل لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْوَاعٌ مِنَ التَّيْسِيرِ، كَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، وَمَنْعِ ظُلْمِهِ فِي النَّفْسِ أَوِ الْمَال، وَإِقْرَارِهِ عَلَى مَا يَجُوزُ فِي دِينِهِ. وَأَمَّا الْفَاسِقُ وَالْمُعْتَدِي وَالظَّالِمُ مِنَ أَهْل الإِْسْلاَمِ فَلَهُ مِنَ التَّشْدِيدِ بِحَسَبِ فِسْقِهِ وَعُدْوَانِهِ وَظُلْمِهِ بِقَدْرِ الذَّنْبِ الَّذِي جَنَاهُ، وَلَهُ مِنَ التَّيْسِيرِ بِحَسَبِ إِسْلاَمِهِ وَإِيمَانِهِ. فَمِنَ التَّشْدِيدِ عَلَى الْفَاسِقِ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي بِرَجْمِهِ حَتَّى الْمَوْتِ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَهِيَ مِنْ أَعْسَرِ أَنْوَاعِ الْقَتْل وَأَشَدِّهَا، وَبِجِلْدِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا. وَمِنْهَا قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ، وَقَتْل قَاطِعِ الطَّرِيقِ، أَوْ صَلْبُهُ، أَوْ تَقْطِيعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلاَفٍ، أَوْ نَفْيُهُ مِنَ الأَْرْضِ. وَالتَّفْصِيل فِي الْحُدُودِ.

الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ خَمْسَةٌ: الإِْبَاحَةُ، وَالنَّدْبُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالإِْيجَابُ، وَالتَّحْرِيمُ.

فَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَلاَ مَشَقَّةَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ؛ لأَِنَّ الْخِيَارَ فِي فِعْلِهَا أَوْ تَرْكِهَا إِلَى الْمُكَلَّفِ، وَالشَّارِعُ لَمْ يَدْعُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إِلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ.

وَأَمَّا الْمَنْدُوبَاتُ وَالْمَكْرُوهَاتُ فَنَظَرًا إِلَى عَدَمِ اسْتِلْزَامِ فِعْلِهَا أَوْ تَرْكِهَا لِعُقُوبَةٍ يُعْلَمُ أَنَّ لِلْمُكَلَّفِ فِيهَا خِيَارًا كَذَلِكَ، وَإِنْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَى فِعْل الْمَنْدُوبِ وَتَرْكِ الْمَكْرُوهِ لِتَحْصِيل الأَْجْرِ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا شَقَّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَنْدُوبَ أَوْ يَفْعَل الْمَكْرُوهَ رِفْقًا بِنَفْسِهِ.

فَأَمَّا بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّ التَّيْسِيرَ فِيهِ وَاضِحٌ، فَإِنَّ الشَّارِعَ الْحَكِيمَ بِرَحْمَتِهِ ضَيَّقَ بَابَ التَّحْرِيمِ جِدًّا، حَتَّى إِنَّ مُحَرَّمَاتِ الأَْطْعِمَةِ يُورِدُهَا الْقُرْآنُ غَالِبًا عَلَى سَبِيل الْحَصْرِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا

أُهِّل لِغَيْرِ اللَّهِ به.

وَأَمَّا الْفَرَائِضُ وَالْوَاجِبَاتُ فَلَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَلاَ تَرَكَ الْعِبَادَ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ، بَل كَانَتِ الشَّرِيعَةُ فِي هَذَا الأَْمْرِ جَارِيَةً عَلَى الطَّرِيقِ الْوَسَطِ الأَْعْدَل: لاَ تَمِيل إِلَى فَرْضِ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ تَبْهَظُ الْمُكَلَّفَ أَوْ تُقْعِدُهُ عَنِ الْعَمَل فِي الْحَال أَوِ الْمَآل، أَوْ تُدْخِل عَلَيْهِ الْخَلَل فِي نَفْسِهِ أَوْ عَقْلِهِ أَوْ مَالِهِ.

لِلتَّخْفِيفِ أَسْبَابٌ بُنِيَتْ عَلَى الأَْعْذَارِ. وَقَدْ رَخَّصَ الشَّارِعُ لأَِصْحَابِهَا بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ: فِي الْعِبَادَاتِ، وَالْمُعَامَلاَتِ، وَالْبُيُوعِ، وَالْحُدُودِ وَغَيْرِهَا.

فَكُل مَا تَعَسَّرَ أَمْرُهُ، وَشَقَّ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَضْعُهُ، يَسَّرَتْهُ الشَّرِيعَةُ بِالتَّخْفِيفِ، وَضَبَطَهُ الْفُقَهَاءُ بِالْقَوَاعِدِ الْمُحْكَمَةِ.

وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الأَْعْذَارِ الَّتِي جُعِلَتْ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْعِبَادِ: الْمَرَضُ، وَالسَّفَرُ، وَالإِْكْرَاهُ، وَالنِّسْيَانُ، وَالْجَهْل، وَالْعُسْرُ، وَعُمُومُ الْبَلْوَى.

السَّبَبُ الأْوَّل: الْمَرَضُ:

الْمَرِيضُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ بَدَنُهُ عَنْ حَدِّ الاِعْتِدَال وَالاِعْتِيَادِ ، فَيَضْعُفُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْمَطْلُوبِ مِنْهُ.

صور من التخفيف عن المريض:

وَقَدْ خَصَّتِ الشَّرِيعَةُ الْمَرِيضَ بِحَظٍّ وَافِرٍ مِنَ التَّخْفِيفِ؛ لأَِنَّ الْمَرَضَ مَظِنَّةٌ لِلْعَجْزِ. 1- خَفَّفَ عَنْهُ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ فِي حَالَةِ عَجْزِهِ عَنِ الْوُضُوءِ، أَوْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ، أَوْ خَوْفِهِ زِيَادَةَ الْمَرَضِ، وَكُل مَا كَانَ الْمَاءُ سَبَبًا فِي الْهَلاَكِ أَوْ تَأَخُّرِ شِفَائِهِ، أَوْ زِيَادَةِ الْمَرَضِ، رَخَّصَ لَهُ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ تَخْفِيفًا، وَالاِنْتِقَال إِلَى التَّيَمُّمِ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمِ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (النساء / 43) .

2- خَفَّفَ عَنْهُ غَسْل الْعُضْوِ الْمُجَبَّرِ، إِلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ، مَوْقُوتًا بِالْبُرْءِ.

3- خَفَّفَ عَنْهُ فِي حَالَةِ عَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ لِلصَّلاَةِ، فِي أَدَائِهَا قَاعِدًا، أَوْ مُضْطَجِعًا، أَوْ مُومِئًا، أَوْ مَا يَتَنَاسَبُ مَعَ عَجْزِهِ الَّذِي سَبَّبَهُ الْمَرَضُ، يَقُول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِمَنْ أَصَابَهُ الْمَرَضُ: صَل قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ().

4- خَفَّفَ عَنِ الْمَرِيضِ بِالإِْذْنِ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.

5- خَفَّفَ عَنْهُ بِإِجَازَةِ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ، وَإِبَاحَةِ نَظَرِ الطَّبِيبِ لِلْعَوْرَةِ وَلَوْ لِلسَّوْأَتَيْنِ.

6- خَفَّفَ أَيْضًا عَنِ الْمَرِيضِ فِي حَالَةِ عَجْزِهِ عَنِ الصِّيَامِ، بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ، وَقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة / 185) () .

وَخَفَّفَ عَنِ الشَّيْخِ الْهَرِمِ، فَخَصَّهُ بِجَوَازِ إِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ بَدَلاً عَنِ الصِّيَامِ الَّذِي عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة / 184)

7- وَأُجِيزَ لِلْمَرِيضِ الْخُرُوجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ.

8- خَفَّفَ الشَّرْعُ عَنِ الْمَرِيضِ أَيْضًا بَعْضَ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَأَجَازَ لَهُ التَّحَلُّل عِنْدَ الإِْحْصَارِ، مَعَ ذَبْحِ هَدْيٍ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ.

وَأَجَازَ لَهُ الاِسْتِنَابَةَ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ، وَأَبَاحَ لَهُ فِعْل مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ، مِنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ، كَمَا أَبَاحَ لَهُ حَلْقَ رَأْسِهِ إِنْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ قَمْلٌ وَاحْتَاجَ إِلَى الْحَلْقِ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة / 196) () .

9- قَدْ جَعَل اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَرَضَ سَبَبًا فِي التَّخْفِيفِ عَنِ الْمَرِيضِ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَذَلِكَ بِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِ، بِمَا يُصِيبُهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يَلْحَقُهُ مِنْ أَلَمٍ، أَوْ هَمٍّ، أَوْ غَمٍّ.

يَقُول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ،وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ” (

هَذَا بَعْضٌ مِنْ كُلٍّ، مِمَّا وَرَدَ فِي التَّخْفِيفِ عَنِ الْمَرِيضِ فِي الْعِبَادَاتِ.

السَّبَبُ الثَّانِي: السَّفَرُ:

السَّفَرُ سَبَبٌ لِلتَّخْفِيفِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَشَقَّةٍ؛ وَلِحَاجَةِ الْمُسَافِرِ إِلَى التَّقَلُّبِ فِي حَاجَاتِهِ، وَقَضَاءِ مَآرِبِهِ مِنْ سَفَرِهِ؛ وَلِذَا شُرِعَ التَّخْفِيفُ عَنِ الْمُسَافِرِ فِي الْعِبَادَاتِ.

قَال السُّيُوطِيّ نَقْلاً عَنِ النَّوَوِيِّ: وَرُخَصُ السَّفَرِ ثَمَانٍ: فَمِنْهَا :

1- الْقَصْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ}(النساء / 101)

وَمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: “خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ () .

2- رُخْصَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة / 184) .

وَمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَال: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ () .

3- الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا.

وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِلسَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلتَّخْفِيفِ شُرُوطًا مِنْهَا – عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ () . – أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مَشْرُوعًا – وَلَوْ مُبَاحًا – كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالتِّجَارَةِ لِئَلاَّ يَكُونَ التَّخْفِيفُ إِعَانَةً لِلْعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ ()

السَّبَبُ الثَّالِثُ: الإْكْرَاهُ:

الإِْكْرَاهُ هُوَ حَمْل الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ لاَ يَرْضَاهُ وَذَلِكَ بِتَهْدِيدِهِ بِالْقَتْل، أَوْ بِقَطْعِ طَرَفٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا، إِنْ لَمْ يَفْعَل مَا يُطْلَبْ مِنْهُ ، وَقَدْ عَدَّ الشَّارِعُ الإِْكْرَاهَ بِغَيْرِ حَقٍّ عُذْرًا مِنَ الأَْعْذَارِ الْمُخَفِّفَةِ، الَّتِي تَسْقُطُ بِهَا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، فَتُخُفِّفَ عَنِ الْمُكْرَهِ مَا يَنْتُجُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ آثَارٍ دُنْيَوِيَّةٍ، أَوْ أُخْرَوِيَّةٍ، بِحُدُودِهِ () .

وَشَبِيه بِمَسْأَلَةِ الإِْكْرَاهِ مَسْأَلَةُ التَّقِيَّةِ فَإِنَّ التَّقِيَّةَ أَنْ يَرْتَكِبَ الْمُحَرَّمَ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ مَكْرُوهٍ دُونَ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَيْهِ إِكْرَاهٌ مُعَيَّنٌ، أَوْ يَتْرُكَ الْوَاجِبَ لأَِجْل ذَلِكَ () . وَلَهَا ضَوَابِطُ فِيمَا يَحِل بِهَا .

السَّبَبُ الرَّابِعُ: النِّسْيَانُ:

النِّسْيَانُ هُوَ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ الإِْنْسَانِ مَا كَانَ يَعْلَمُهُ، بِدُونِ نَظَرٍ وَتَفْكِيرٍ، مَعَ عِلْمِهِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ () . وَقَدْ جَعَلَتْهُ الشَّرِيعَةُ عُذْرًا وَسَبَبًا مُخَفِّفًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة / 286) . فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ رَفَعَ عَنَّا إِثْمَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ، وَالْخَطَأِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ. فَفِي أَحْكَامِ الآْخِرَةِ يُعْذَرُ النَّاسِي وَيُرْفَعُ عَنْهُ الإِْثْمُ مُطْلَقًا

فَالنِّسْيَانُ – كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ السُّيُوطِيّ -: مُسْقِطٌ لِلإِْثْمِ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَيَقُول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ”

السَّبَبُ الْخَامِسُ: الْجَهْل:

الْجَهْل عَدَمُ الْعِلْمِ بِالأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ بِأَسْبَابِهَا.

وَالْجَهْل عُذْرٌ مُخَفِّفٌ فِي أَحْكَامِ الآْخِرَةِ اتِّفَاقًا، فَلاَ إِثْمَ عَلَى مَنْ فَعَل الْمُحَرَّمَ أَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ جَاهِلاً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء / 15) .

السَّبَبُ السَّادِسُ: الْخَطَأُ:

الْخَطَأُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْفِعْل أَوْ فِي الْقَصْدِ. فَكُل مَنْ أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ: كَمَنْ يَرْمِي صَيْدًا فَيُصِيبُ إِنْسَانًا، أَوْ فِي قَصْدِهِ: كَمَنْ يَرْمِي شَخْصًا يَظُنُّهُ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ. وَكَمَنْ اجْتَهَدَ فِي التَّعَرُّفِ عَلَى الْقِبْلَةِ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خِلاَفُهَا. وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ مِنَ الأَْسْبَابِ الْمُخَفِّفَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (الأحزاب / 5) .

وَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ”

السَّبَبُ السَّابِعُ: الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى:

يَدْخُل فِيهِ الأَْعْذَارُ الْغَالِبَةُ الَّتِي تَكْثُرُ الْبَلْوَى بِهَا وَتَعُمُّ فِي النَّاسِ، دُونَ مَا كَانَ مِنْهَا نَادِرًا، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ فِي الأَْعْذَارِ بَيْنَ غَالِبِهَا وَنَادِرِهَا، فَعَفَا عَنْ غَالِبِهَا لِمَا فِي اجْتِنَابِهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْغَالِبَةِ. وَإِنَّمَا تَكُونُ غَالِبَةً لِتَكَرُّرِهَا، وَكَثْرَتِهَا وَشُيُوعِهَا فِي النَّاسِ، بِخِلاَفِ مَا كَانَ مِنْهَا نَادِرًا فَالأَْكْثَرُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ، وَلاَ يَكُونُ عُذْرًا لاِنْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ غَالِبًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ كَمَشَقَّةِ الاِحْتِرَازِ عَمَّا لاَ يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ مِنْ رَشَاشِ الْبَوْل فَيُعْفَى عَنْهُ أَيْضًا. وَمَثَّل الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِمَنْ أَتَى بِمَحْظُورِ الصَّلاَةِ نِسْيَانًا، فَإِنَّهُ إِنْ قَصُرَ زَمَانُهُ يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا لِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَإِنْ طَال زَمَانُهُ فَفِيهِ مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا: يُعْفَى عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَنْتَهِكِ الْحُرْمَةَ، وَالآْخَرُ: لاَ يُعْفَى عَنْهُ لأَِنَّهُ نَادِرٌ () .

وَأَصْل ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الصَّلاَةَ حَتَّى لاَ تَجِبَ وَلاَ يَجِبَ قَضَاؤُهَا؛ لِتَكَرُّرِهَا كُل شَهْرٍ، بِخِلاَفِ قَضَاءِ مَا تُفْطِرُهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَيَجِبُ لأَِنَّهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً () وَأَيْضًا قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِرَّةِ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ ()فَقَدْ عَلَّل طَهَارَتَهَا بِكَثْرَةِ طَوَافِهَا أَيْ لِعُسْرِ الاِحْتِرَازِ عَنْهَا لِكَثْرَةِ مُلاَبَسَتِهَا لِثِيَابِ النَّاسِ وَآنِيَتِهِمْ، مَعَ كَوْنِهَا تَأْكُل الْفَأْرَ وَالْمَيْتَةَ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيل ذَيْلِي وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ؟ قَال: يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ()وَقَال: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ فِي نَعْلَيْهِ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِمَا أَذًى أَوْ قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُ وَلِيُصَل فِيهِمَا.

السَّبَبُ الثَّامِنُ: النَّقْصُ:

إِنَّ الإِْنْسَانَ إِنْ كَانَتْ قُدُرَاتُهُ نَاقِصَةً يَعْسُرُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَمَّل مِثْل مَا يَحْمِلُهُ غَيْرُهُ مِنْ أَهْل الْكَمَال، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ التَّخْفِيفَ.

فَمِنْ ذَلِكَ عَدَمُ تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ.

وَمِنْهُ عَدَمُ تَكْلِيفِ الأَْرِقَّاءِ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الأَْحْرَارِ، كَالْجُمُعَةِ، وَتَنْصِيفِ الْحُدُودِ وَالْعَدَدِ () .

وَمِنْهُ التَّخْفِيفَاتُ الْوَارِدَةُ فِي شَأْنِ النِّسَاءِ. فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ خَفَّفَتْ عَنْهُنَّ بَعْضَ الأَْحْكَامِ، فَرَفَعَتْ عَنْهُنَّ كَثِيرًا مِمَّا أُلْزِمَ بِهِ الرِّجَال مِنْ أَحْكَامٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ، وَالْجُمُعَةُ، وَأَبَاحَتْ بَعْضَ مَا حُرِّمَ عَلَى الرَّجُل كَلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ.

السَّبَبُ التَّاسِعُ: الْوَسْوَسَةُ:

الْمُوَسْوِسُ هُوَ مَنْ يَشُكُّ فِي الْعِبَادَةِ وَيَكْثُرُ مِنْهُ الشَّكُّ فِيهَا حَتَّى يَشُكَّ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَل الشَّيْءَ وَهُوَ قَدْ فَعَلَهُ. وَالشَّكُّ فِي الأَْصْل مُوجِبٌ لِلْعَوْدِ لِمَا شَكَّ فِي تَرْكِهِ، كَمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ وَشَكَّ هَل رَكَعَ أَمْ لاَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الرُّكُوعَ؛ لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ مَا شَكَّ فِيهِ، وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ (1) () . وَمَنْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا جَعَلَهَا ثَلاَثًا وَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. لَكِنْ إِنْ كَانَ مُوَسْوِسًا فَلاَ يَلْتَفِتُ لِلْوَسْوَاسِ لأَِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَرَجِ، وَالْحَرَجُ مَنْفِيٌّ فِي الشَّرِيعَةِ، بَل يَمْضِي عَلَى مَا غَلَبَ فِي نَفْسِهِ. تَخْفِيفًا عَنْهُ وَقَطْعًا لِلْوَسْوَاسِ () . قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَالاِحْتِيَاطُ حَسَنٌ مَا لَمْ يُفِضْ بِصَاحِبِهِ إِلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، فَإِذَا أَفْضَى إِلَى ذَلِكَ فَالاِحْتِيَاطُ تَرْكُ هَذَا الاِحْتِيَاطِ () .

السَّبَبُ الْعَاشِرُ: التَّرْغِيبُ فِي الدُّخُول فِي الإِْسْلاَمِ وَحَدَاثَةُ الدُّخُول فِيهِ:

وَهَذَا سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّيْسِيرِ يُعْلَمُ بِتَتَبُّعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَمِمَّا شُرِعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الدَّاخِل فِي الإِْسْلاَمِ يُعْذَرُ بِالْجَهْل بِالتَّحْرِيمِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُدُودِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّبَبِ الْخَامِسِ.

وَمِنْهُ سُقُوطُ الْعِبَادَاتِ وَسَائِرِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى السَّابِقَةِ عَلَى الإِْسْلاَمِ، فَلاَ يُطَالَبُ بِقَضَائِهَا: حَتَّى عَلَى قَوْل مَنْ يَرَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ؛ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ؛ وَلِئَلاَّ تَكُونَ مَشَقَّةُ الْقَضَاءِ حَائِلاً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الإِْسْلاَمِ () .

وَمِنْهُ إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِلْكَافِرِ الَّذِي يُرْجَى إِسْلاَمُهُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الإِْسْلاَمِ لِتَمِيل إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَإِعْطَاءُ مَنْ أَسْلَمَ حَدِيثًا إِذَا كَانَ فِي إِعْطَائِهِ قُوَّةٌ لِلإِْسْلاَمِ، أَوْ تَرْغِيبٌ لِنُظَرَائِهِ لِيُسْلِمُوا () .

وَمِنْهُ تَوْرِيثُ الْكَافِرِ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ إِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْل قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، عَلَى قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ انْفَرَدُوا بِهِ؛ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الدُّخُول فِي الإِْسْلاَمِ.

لِلْمُعَامَلاَتِ نَصِيبٌ مِنَ التَّخْفِيفِ كَمَا لِلْعِبَادَاتِ وَالْحُدُودِ.

فَقَدْ خَفَّفَتِ الشَّرِيعَةُ وَيَسَّرَتِ الْمُعَامَلاَتِ، فَشَرَعَتْ: خِيَارَ الْمَجْلِسِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ.

وَشَرَعَتْ خِيَارَ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي دَفْعًا لِلنَّدَمِ.

وَشَرَعَتِ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ دَفْعًا لِمَا يَلْحَقُ الْمُشْتَرِيَ مِنَ الضَّرَرِ، إِذَا بَانَ بِالشَّيْءِ الْمُشْتَرَى عَيْبٌ، وَلَمْ يَرْضَ عَنْهُ الْمُشْتَرِي.

وَكَذَا خَفَّفَتِ الشَّرِيعَةُ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَلَمْ تُلْزِمْ بِهَا أَحَدَ طَرَفَي الْعَقْدِ؛ إِذْ أَنَّ لُزُومَهَا شَاقٌّ، فَتَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ تَعَاطِيهَا () .

التَّيْسِيرُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ:

يُنْدَبُ تَلْقِينُ مَنْ أَقَرَّ بِمُوجِبِ الْحَدِّ الرُّجُوعَ عَنْهُ، إِمَّا بِالتَّعْرِيضِ، وَإِمَّا بِأَوْضَحَ مِنْهُ؛ لِيُدْرَأَ عَنْهُ الْحَدُّ ()، وَذَلِكَ مِثْل مَا فَعَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَاعِزٍ حَيْثُ قَال لَهُ:” لَعَلَّك قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ”

السماحةُ من أخلاقِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

1- نفى الله عن رسوله الفظاظة وغلظ القلب فقال تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) [آل عمران: 159.

من صــــور سماحته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

سماحته صلى الله عليه وسلم في قضاء حوائج الناس :

عن أنس قَالَ: «إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ»

تعامله مع الأعرابي الذي جذب رداءه بشدة ليأمر له بعطاء:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ «أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ»

السماحة في التعامل مع الخدم وغيرهم :

ويكون بعدم التشديد والغلظة في التعامل مع الآخرين حتى ولو كان خادماً فعن أنس قال ((خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت)).

التَّيْسِيرُ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ:

الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ:

أَرْشَد اللَّهُ تَعَالَى إِلَى تَسْهِيل أَمْرِ التَّزْوِيجِ وَلَوْ كَانَ الْخَاطِبُ فَقِيرًا، إِنْ كَانَ صَالِحًا، فَقَال تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمِ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النور / 32) وَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا” ()

وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:” إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً” ().

وَكَذَا أَرْشَد اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ لِلآْخَرِ، مَعَ تَرْكِ الشُّحِّ بِحَقِّهِ هُوَ؛ لِتَتَيَسَّرَ الْحَيَاةُ بَيْنَهُمَا، قَال تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَْنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء / 128) .

هَذَا فِي حَال قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَكَذَا بَعْدَ انْفِصَامِهَا؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْل بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة / 237) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.