إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.
الأهداف الدافعة للكلام حول هذا الموضوع:
– لأن جبر الخواطر من أسماء الله وصفاته:(الجبار)
لأنه من مكارم الْأَخْلَاقِ التى تحلى الرسول ﷺ بها حتى قبل البعثة: لقول خَدِيجَةَ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ..الحديث متفق عليه
-وبعد البعثة فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى بُيُوتِكُمْ» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ، أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ» متفق عليه
– لأننا في جوائح ومخاطر ولا تتجلى مظاهر جبر الخواطر إلا في زمن كسر القلوب والمخاطر كما تقدم من قوله ﷺ «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ» متفق عليه. وكما وصفته ﷺ خديجة رضى الله عنها : «وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ»
– لأنه من مكارم الْأَخْلَاقِ وصَالِحَها التى بعث ﷺ ليتممها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ»
صحيح: الأدب المفرد وصححه الحاكم(4221)ـو أقره الذهبي قال الألباني : صحيح
جبر الخواطر واستئلاف الخلق من أعظم المقاصد في تمام الدين.
– لأن جبر الخواطر من الواجبات وحقوق الأخ على أخيه.
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ ” متفق عليه
لأن جبر الخواطر من أعظم أسباب بقاء الدول والأمم والمجتمعات :قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ، عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ، يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» صحيح مسلم فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ، قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ
وفي رواية: “وأَجْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ” مسلم كذا للكافة، أي: أنهم سريعو العودة للصلاح.
ورواه بعض رواة مسلم: “أَصْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ” وثبتت الروايتان عند القاضي التميمي، والأول أصح؛ لقوله في الحديث الآخر: “وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً عِنْدَ مُصِيبَةٍ” مسلم
لأن الله شرع ومنع:
شرع ما يجبر الخواطر كالمتعة والقصاص ،والدية ونحو ذلك مما فيه جبر خواطر المنكسرين.
ومنع ما يكسر القلوب والخواطر كالنجوى والسخرية والهمز واللمز ونحوها مما يقذف بالحزن والكسر في قلوب البشر.
– ولأن الرسول ﷺ أيضًا شرع ومنع:
شرع ما يجبر الخواطر كاجابة الدعوة وعيادة المريض وقبول الهدية إقالة النادم ونحو ذلك مما فيه جبر خواطر المنكسرين وغيرهم.
ومنع ما يكسر القلوب والخواطر كالنجوى والسخرية والهمز واللمز ونحوها مما يقذف بالحزن والكسر في قلوب البشر.
– بيان المخاطر لمن لم يتحل بجبر الخواطر وبيان البشائر لمن مشى بين الناس جابرًا للخواطر.
بيان الأسباب المعينة على التحلى بجبر الخواطر والتخلى عن كل ما يكسر الخواطر.
موقع الخواطر هوالقلب وهو المراد بالبال في قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } [محمد: 2]على قول النقاش: أصلح نياتهم والنية محلها القلب وهو ما صرح به السعدى حيث قال : أي: أصلح دينهم ودنياهم، وقلوبهم . تفسير السعدي
من المواساة جبر خاطر المسلم وإدخال السّرور على قلبه
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» صحيح: سنن أبي داود
(وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» صحيح مسلم
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ.» صحيح مسلم
جبر الخواطر حق واجب:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ ” متفق عليه.
منهج القرآن في التسلية وجبر الخواطر:
– جبر خاطر إبراهيم عليه السلام:
قال تعالى:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } [مريم: 48 – 50]
– جبر خاطر يوسف عليه السلام:
قال الله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} ، أي: اتفقت كلمتهم واشتركوا فيها جميعاً، {أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} [يوسف:15] .
3- جبر خاطر أم موسى عليه السلام:
قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [القصص: 7]
شرع في القرآن ما يجبر الخواطر من ذلك:
المتعة للمطلقة التي كسر خاطرها بسبب طلاقها:
قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] فَلِذَلِكَ جِيءَ بِالْأَمْرِ بِالتَّمْتِيعِ مُفَرَّعًا عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ التَّمْتِيعَ جَبْرًا لِخَاطِرِ الْمَرْأَةِ الْمُنْكَسِرِ بِالطَّلَاقِ.التحرير والتنوير
– المتعة سنة للمتوفى عنها زوجها جبرا لخاطرها:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 240] .
بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]
الأيتام والمساكين الذين يحضرون قسمة الميراث:
قال تعالى جبراً لخاطرهم : {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء:8] .
إطعامُ الفقير مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ جبرا لخاطره:
قال تعالى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28].
قال تعالى:{ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[الحج: 28]: أما الأكل منها فالأمر فيه للإباحة جبرا لخاطر الفقير وإشعارا له بالمساواة في المأكل والمشرب ومخالفة لما كان في الجاهلية، والأمر في قوله وأطعموا للوجوب، ومذهب الشافعى رحمه الله أن الأكل مستحب والإطعام واجب فإن أطعمها جميعها أجزأه، وإن أكلها جميعها لم يجزه، هذا فيما إذا كان الذبح تطوعا.التفسير الواضح
– أنزل الله تعالى جبرا لخاطر العباس ومن كان على مثل حاله:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
شرع القصاص زجرا للمعتدى جبرا لخاطر المعتدى عليه:
قال تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]
منع في القرآن ما يجبر الخواطر من ذلك:
1- النجوى
قال تعالى:{ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10]
2-السخرية الهمز واللمز ونحوها مما يقذف بالحزن والكسر في قلوب البشر.
قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الحجرات: 11]
منهج الرسول ﷺ في التسلية وجبر الخواطر:
كان هذه خلقه قبل البعثة وبعدها:
أولا : قبل البعثة:
وَصَفَتْهُ بِأُصُولِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ والتى منها جبر الخواطر:
فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ..الحديث. متفق عليه
ثانيًا : صور من جبره الخواطر بعد البعثة :
قعوده ﷺ خلف بعض السرايا جبرا لخواطر أصحاب الأعذار:
ففي الصحيحين أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ»
وفي لفظ لمسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتَّبِعُونِي، وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِي»
تلبيته ﷺ الدعوة وان كَانَ المدعو إليه حَقِيرًا جبرا لخاطر الداعي:
عن أنس قال:قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَلَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لأَجَبْتُ) ().صحيح: (حم ت حب) عَن أنس.قال الألباني: (صحيح) في صحيح الجامع.
تلبيته ﷺ الدعوة وان كَانَ الداعى عبدا أو فقيرا جبرا لخاطر الداعي
مدحه ﷺ الزهيد من طعام أهله جبراً لخاطرهم وتطييباً لقلوبهم:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ، وَيَقُولُ: «نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ، نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ» صحيح مسلم
– تزوج رسول الله ﷺ سودة جبرا لخاطر كسير بعد وفاة زوجها
حثه ﷺ على المسح على رأس اليتيم جبرا لخاطره:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” «مَنْ مَسَحَ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ، لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ، كَانَ لَهُ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ» حسن صحيح: مسند أحمد
إخفاء صدقة التطوع أجمل لما فيها من جبر خاطر آخذها:
أخرج في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه،.. وفيه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
أحكام فقهية شرعت في السنة لجبر الخواطر:
1- تلبية الدعوة وإن كان صائما نفلا جبرا لخاطر الداعي:
عن أبي هريرة قال:قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( إِذا دَخَلَ أحَدُكُمْ على أخِيهِ المُسْلِمِ فَأطْعَمَهُ مِنْ طَعامِهِ فَلْيَأكُلْ وَلَا يَسْألْ عنهُ وإنْ سقَاهُ مِنْ شَرابِهِ فَلْيَشْربْ وَلَا يَسْألْ عنهُ).صحيح: (طس ك هب)قال الألباني: (صحيح) انظر في صحيح الجامع
2- الأمر بالصدقة على من أصابته جائحة جبراً لخاطره، وتخفيفاً لمصيبته:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ ﷺ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ»، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» صحيح مسلم
منع في السنة ما يكسر الخواطر من ذلك:
1- قوله ﷺ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ:
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ» حَسَنٌ صحيح: حديث: ” لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ. . . “مسند أحمد مخرجا و سنن الترمذي ت شاكر،وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ،وسنن ابن ماجه
2- تعوذه ﷺ من الدين وضلعه:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ ﷺ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ وَالبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ». حسن غريب : سنن الترمذي
3- تَحْرِيمُ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ، وَخَذْلِهِ، وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَالِهِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» صحيح مسلم
3- نهيه ﷺ عن الشرب فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ والأكل فِي صِحَافِهَا
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ القَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ» متفق عليه.
الأسباب المعينة على التخلق بخلق جبر الخواطر:
1- الصحبة الصالحة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» ().حسن سنن أبي داود)،و زخ9سنن الترمذي وقال : «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ» ، وصححه الحاكم ،ووافقه الذهبي،وصححه الألباني.
2- النظر في فضائل جبر الخواطر:
فضائل جبر الخواطر كثيرة كثيرة منها:
أنه لا خزى ولاحزن عليه:
فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ..الحديث
3- النظر في مخاطر من لم يتحل بجبر الخواطر:
من جبر يجبر ومن كسر يكسر والجزاء من جنس العمل:
على المسلم أن يعرف أنّ فوائد جبر الخواطر وثمراته لا ترجع إلى المجبور خاطره فقط، وإنّما تشمل أيضا الجابر لأنّ الله عزّ وجلّ يقف إلى جانبه ويكون في حاجته،ويجازيه بجزاء من جنس عمله هذا في الدّنيا، ويجازيه عليها أفضل جزاء يوم القيامة فعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «من لقي أخاه المسلم بما يحبّ ليسرّه بذلك، سرّه الله عزّ وجلّ يوم القيامة» حسن : ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال رواه الطبراني باسناد حسن.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ….» صحيح مسلم
وعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَى طَلْحَةَ بْن سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ قالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ»
ضعيف وقال الألباني: ضعيف.
4- قراءة سيرة الرسول ﷺ والصحابة والصالحين:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: «لاَ» فَقَالُوا: تَكْفُونَا المَئُونَةَ، وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا صحيح البخاري
5- اتباع الحق:
6- الدعاء بأن يجبرنا الله ويعيذنا من كل ما يكسر قلوبنا:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي»(). حسن سنن الترمذي
الختـــــام
1- أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا»
“ولا تُسلِّطْ علينا من لا يَرْحَمُنَا”. حسن سنن الترمذي.