خطبة حجة الوداع منهج حياة(2).. التحذير من الجاهلية
كتب : هاني حسبو
تكلمنا فى المقال السابق عن أهمية خطبة الوداع فى حياة الأمم والأفراد وكيف كانت ميثاقا عالميا لتيسيير الحياة بأمان وسلاسة ليس فقط للمسلمين ولكن للبشرية أجمع.
وتحدثنا عن أول الحقوق والمواثيق التى أسسها النبى صلى الله عليه وسلم وأرساها فى هذه الخطبة الا وهو حرمة الدماء والأموال وأنه من أعظم المواثيق وأهمها لذلك بدأ به النبى عليه الصلاة والسلام.
اليوم نحن على موعد مع الميثاق الثانى من ذلك الدستور النبوى الا وهو التحقير من أمر الجاهلية كما قال النبى صلى الله عليه وسلم”الا إن كل شىء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمى ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمانا دم ابن ربيعة الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا فى بنى سعد فقتلته هزيل.وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله.”
هذا الأمر من الأمور المهمة فى دين الإسلام لذلك وضعه النبى صلى الله عليه وسلم ضمن أولويات هذا الدستور النبوى وجعله فى المرتبة الثانية بعد حرمة الدماء والأموال.إنها الجاهلية المنتنة التى جاء الإسلام ليبطلها بكل أشكالها وصنوفها.
وإذا أردنا أن نتكلم عن الجاهلية فلابد من تعريف المصطلح حتى نتجنب الزلل والخطأ.فالجاهلية لا تعنى الكفر كما يظن البعض .الجاهلية ليست فترة زمنية وانقضت بل هى قد تكون اعتقاد يعتقده البعض مخالف لما عليه دين الإسلام كما قال الله تعالى:”يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية.”فقد نعى الله فى هذه الآية على الذين يعتقدون فى الله اعتقاد خاطىء غير الحق.
والجاهلية قد تكون سلوك يسلكه الفرد كما قال تعالى:”ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى.”فنهى الله فى هذه الآية أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين عن التبرج الذى هو من سمات الجاهلية وأمرهم بالحجاب الذى هو من سمات الإسلام.
كذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى ذر الغفارى حينما عير شخصا بأنه أمه سوداء فقال له معاتبا ومحذرا:”أعيرته بأمه إنك إمرؤ فيك جاهلية.”فهنا النبى عليه الصلاة والسلام لم يكفر أباذر بل نبهه أن فيه خصلة من خصال الجاهلية يجب أن ينتهى عنها.
فكل شىء من أمر الجاهلية باطل كما أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم فلا كبر ولا أشر ولا وأد للبنات ولا فضل لقبيلة كذا على قبيلة كذا إلا بالتقوى.
فأمور الجاهلية جيفة منتنة لا يمكن أن تنهض بالأمة والدليل ما حدث من نزاع بين مهاجرى وأنصارى فقال المهاجرى ياللمهاجرين وقال الأنصار ياللأنصار فحينما سمع النبى عليه الصلاة والسلام هذا القول تمعر وجهه وقال لهم:”أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة.”
فلا تقدم ولا ريادة لأمة أفرادها متنازعون وغير مجتمعين.لا قوة لأمة أفرادها لا يعترفون ببعضهم البعض يسفه الأخ أخاه فى آرائه وأفكاره ويحجر عليه وعلى ما يعتقده.لا تقدم ولا رقى لأمة ترتمى فى أحضان الجاهلية بنزاعها وفرقتها وإختلافاتها.
وضرب النبى صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى فى تطبيق هذا الميثاق على نفسه أولا فوضع أول دم من دماء الجاهلية دماهم ودم قومه ووضع أول ربا من ربا الجاهلية ربا عمه ليقطع كل صلة بينه وبين الجاهلية.فلنا فيه عليه الصلاة والسلام القدوة والأسوة الحسنة وليمتثل الأفراد هذا التوجيه النبوى العظيم وهذه المادة الدستورية العليا التى أقرها من لاينطق عن الهوى.