خواطر عمو يوسف .. الإنسان كائن ذو تسعة أبعاد


رؤيتي للإنسان والمخلوقات والكون والوجود

بقلم / يوسف عبد النعيم 

هذه مقالة طويلة ومتعمقة أعلم- مقدما- أنه لن يصبر على قراءتها إلى نهايتها إلا من يفهم المسائل العقلية ويقدر التأملات الفكرية. ورغم يقيني أنه ليس من حقي احتكار الحقيقة، إلا أنني أزعم أنها مقالة مفيدة لكل إنسان يريد أن يفهم نفسه وما حوله من كائنات وكون ووجود.

فقد حلمت الليلة الماضية بأنني أقوم برحلة غريبة وشاقة كل ما أذكره منها بعد استيقاظي أنها كانت مع عدة أشخاص من جنسيات مختلفة، وأنه في نهاية الرحلة قمت فيهم خطيبا باللغة الإنجليزية. هذا هو كل ما أذكره عن هذه الرحلة. ولكن فور استيقاظي من النوم، وبينما كنت مازلت ممددا في السرير، وجدتني أسرح بعقلي وفكري وكأنما كانت هذه الرحلة حافزا من عقلي الباطن يدفعني للتفكر في رحلة الحياة برمتها، فتتابعت الأفكار في عقلي، فقمت من فوري لأسجل هذه الأفكار على جهاز الكومبيوتر قبل أن تتبخر من مخيلتي تمهيدا لنشرها عليكم في هذا البوست الخاص، وكان نتاج ذلك هذه الكلمات.

 

الأبعاد المادية الأربعة

بدأ عقلي بتساؤل عن رحلة الإنسان في هذه الحياة، فما هي حقيقة الإنسان؟ وماهي حقيقة الكائنات الأخرى في هذا الكون، وما علاقة الإنسان الفرد بغيره من الكائنات المادية الأخرى سواء كانت كائنات بشرية أو غير بشرية، أي سواء كانت جمادا أو نباتا أو حيوانا أو إنسانا غيري. ووجدتني أجيب نفسي بأنني (أنا ذلك الإنسان الفرد) ومعي غيري من الكائنات الأخرى لكل منا ذات مختلفة لكننا نتشارك جميعا فيما يسمى بالزمكان أي أننا كائنات نعيش في عالم ذي أربعة أبعاد هي الطول والعرض والارتفاع (التي تكون الجسم أو الكيان المادي لي ولكل الكائنات) إضافة إلى البعد الرابع وهو الزمن الذي ينساب حولنا وتصيبنا- جميعا- التغيرات المختلفة جراء انسيابه. وهذه الأبعاد الأربعة هي الأبعاد المادية التي نستطيع أن ندركها ونشعر بوجودها عن طريق الحواس الخمس أو عن طريق وسائل تعين الحواس الخمس على إدراكها كالميكروسكوب والتليسكوب والساعة وغيرها.

 

وعند هذا الحد قلت لعقلي: إنك لم تأت بجديد، فما تقوله هو نفسه ماقال به العلامة ألبرت أينشتاين منذ نحو قرن من الزمان في نظريته النسبية الأولى والنسبية الثانية، ورغم أن هذه النظرية ونتائجها (في ذلك الوقت) أقامت العالم ولم تقعده بإضافتها الزمن كبعد رابع، فهدمت بذلك كل النظريات والقوانين التي ظلت ثابتة لقرون كتلك التي وضعها إسحق نيوتن وغيره والتي اعتمدوا في إرسائها على أبعاد ثلاثة فقط هي الطول والعرض والارتفاع، مع العلم أنه بنفس القدر الذي كانت فيه هذه النظرية النسبية فتحا علميا بارزا في تاريخ العالم، فإنها جلبت على العالم كوارث تصنيع وتجربة واستخدام أسلحة فتاكة كالقنابل الذرية التي تلتها القنابل الهيدروجينية أو النووية، وذلك في حياة صاحب النظرية النسبية نفسه.

 

وعندئذ تذكرت فكرة سبق لي أن فكرت فيها من عشرات السنين حاولت من خلالها فهم هذه الأبعاد وكيف تنشأ في دنيا الواقع. فبدأت بما قاله علماء الرياضيات منذ القدم أن أصغر شيء يمكن إدراكه بصريا وعقليا ولا أبعاد له هو النقطة، ثم سألت نفسي: وماذا ينتج عن حركة النقطة؟ فكان الجواب هو الخط المستقيم وهو البعد الأول أو الطول، فإذا تحرك الخط المستقيم نتجت عن حركته المساحة ببعديها الطول والعرض، فإذا تحركت المساحة في الفراغ نتج عن حركتها الجسم ذو الأبعاد الثلاثة: الطول والعرض والارتفاع، فإذا تحرك الجسم في الفراغ نتج عن حركته الزمن، وهذه هي الأبعاد الأربعة التي تحكم العالم (أو الكون المادي) ذو الأبعاد الأربعة الذي تحدث عنه أينشتاين.

ثم خطر لعقلي تساؤل آخ: وماذا ينتج عن حركة الجرم المادي مصحوبا بالزمن؟ وعند هذا الحد عجز عقلي البسيط عن إجابة هذا التساؤل، ولكنني تذكرت معلومة قد يعرفها كثيرون غيري تقول أن علماء الفيزياء الآن لا يقتصر فهمهم للكون على هذه الأبعاد الأربعة فقط بل يذهب بعضهم إلى أن للكون أبعادا عديدة أخرى تصل عند بعضهم إلى 17 بعدا وربما أكثر، وهم يعتمدون- في فهمهم هذا- على علوم الرياضيات، ولكن أيا كان عدد تلك الأبعاد التي يكتشفونها أو سيكتشفونها مستقبلا فهي للكون المادي الملموس رغم أن العقول العادية- بما فيهم عقلي طبعا- تعجز عن فهم أو استيعاب ذلك.

 

الأبعاد اللامادية الأربعة

ورغم ذلك العجز، فإن عقلي لم يستسلم. فبعيدا عن الأبعاد التي يكتشفها علماء الفيزياء والرياضيات، ويضعون لها رموزا وأسماء معقدة، ذهب عقلي يفكر في أبعاد أخرى موجودة فينا ومن حولنا. إنها أبعاد يستطيع عقلي البسيط وعقول غالبية الناس فهمها واستيعابها والتعامل معها. فإذا بعقلي يرى أربعة أبعاد إضافية غير الأبعاد الأربعة المذكورة أعلاه. ولكن هذه الأبعاد ليست أبعادا مادية كالأبعاد الأربعة أو غيرها من الأبعاد التي يذكرها الفيزيائيون، وإنما هي أبعاد معنوية ندركها كلنا بحواس أخرى غير الحواس الخمس. هذه الأبعاد الأربعة الإضافية هي بعد الفكر، وبعد العاطفة أو الأحاسيس والمشاعر، وبعد الحدس أو الإلهام. وبعد الأخلاق.

فمن خلال البعد الخامس وهو الفكر نستطيع أن نفهم أنفسنا والعالم من حولنا بظواهره وقوانينه التي خلق بها ويسير عليها بنظام رتيب ودقيق. ومناط ذلك العقل ووسيلته العلم والفلسفة والدين. وبالبعد السادس وهو العاطفة نشعر ونتفاعل مع القبح والجمال في ذلك العالم أو حتى في داخل ذواتنا ومناط ذلك القلب ووسيلته الفن الأصيل (وليس الفن الهابط أو المثير للغرائز) والدين. وبالبعد السابع وهو الإلهام تنار حولنا الظلمة التي لا يستطيع الفكر أن يجليها، ولا العاطفة أن تشعر بها ومناط ذلك التقاء عمل القلب والعقل معا، ووسيلته النقاء والشفافية والدين. وبالبعد الثامن وهو الأخلاق نسمو ونرتقي بذواتنا لنصبح كائنات تشبه الملائكة، أو ننحط لنصبح أسوأ من الشياطين، رغم أن كلا من الملائكة والشياطين كائنات غير مادية لا نراها بأي من حواسنا الخمس وما فوقها. والأخلاق التزام بسلوكيات نبيلة تجاه الغير تصل إلى حد التفاني من أجله، ومناط ذلك هو السلوك المكتسب من المجتمع، ووسيلته هي وجود القيم في المجتمع أو انعدامها والتي يحددها- في أغلب الأحوال- الدين.

 

الإنسان والكائنات الأخرى

ولكن عقلي الذي مازال يفكر لم يشأ أن يقف عند هذا الحد بل استمر في طرح التساؤلات محاولا الإجابة عليها، فإذا به يسأل: وماذا عن الكائنات الأخرى؟ وفي أي الأبعاد تتشارك مع الإنسان؟ فإذا به يجيب على هذا النحو:

أما الجمادات فهي تتشارك مع بني الإنسان في الأبعاد الأربعة الأولى فقط وهي الطول والعرض والارتفاع والزمن. فهي لها أجسام مثل بقية الكائنات المادية الأخرى، ويصيبها البعد الرابع (الزمن) بما يصيب غيرها من تطورات فهي تولد، وتشب عن الطوق، وتهرم، وتموت خلال فترة من الزمن تطول أو تقصر، لا يختلف في ذلك إلكترون عن ذرة عن جزيء عن حجر عن جبل عن نهر عن كوكب عن نجم عن مجرة عن كون مادي كامل.

وأما النبات فإنه أيضا يتشارك مع الإنسان في نفس الأبعاد الأربعة االأولى المذكورة رغم ثباته الظاهري (كونه مثبتا من جذوره في التربة)، لكنه يتمرد على سكونه بحركة بطيئة نسبيا عن حركة الحيوانات والإنسان، فهو بالإضافة إلى أنه ينمو للأعلى، فإنه يتحرك إلى اليمين وإلى اليسار باحثا عن الضوء، كما أنه يستغل الرياح والمياه وأمعاء الحيوانات ليرسل بذوره لتنبت في أماكن أخرى تبعد أو تقرب من مكانه بقليل أو كثير من المسافات. ولكن هل يتشارك النبات (بصفته كائنا حيا) مع الإنسان في أبعاد أخرى فوق الأبعاد الأربعة؟

 

رغم أننا- كبشر عاديين- قد لا نشعر بذلك، والمثال الوحيد الذي ربما يعرفه الكثيرون عن الإحساس عند النبات هو نبات الست المستحية الذي ما إن تلمسه حتى ينكمش على نفسه فترة من الزمن ثم يعود إلى حالته الطبيعية بعد وقت قليل، رغم ذلك هناك أبحاث حديثة تشير إلى أن النبات يشعر ببعض الأحاسيس ويتفاعل معها، وقد تحدث عن تلك الأبحاث الدكتور مصطفى محمود- رحمه الله وغيره في البرامج التلفزيونية العلمية المختلفة.

وأما الحيوان فلاشك انه يتشارك معنا في بعد خامس هو المشاعر والأحاسيس وكلنا نلمس ذلك، ولكن هل يتشارك الحيوان مع الإنسان أيضا في بعد سادس هو الأخلاق؟ ماذا عن وفاء الكلب؟ ومكر الثعلب؟ وشجاعة بعض الطيور والحيوانات وهو تدافع عن صغارها؟ هل هذا مجرد سلوك غريزي أم أخلاق مكتسبة كالتي يكتسبها الإنسان؟ أعتقد أنه مجرد سلوك غريزي، ولكن يجب أن يحترم.

البعد التاسع

نخلص من كل ماسبق إلى حقيقة أن الإنسان يتشارك مع غيره من الكائنات الأخرى في أبعاد خمسة منها أربعة أبعاد مادية يتشارك فيها مع الجمادات هي الطول والعرض والارتفاع والزمن، وبعد لا مادي واحد يتشارك فيه مع الكائنات الحية هو العاطفة، ولكنه يتميز عن كل الكائنات الأخرى في أبعاد ثلاثة هي: الفكر، والحدس، والأخلاق المكتسبة. ويلاحظ أن هذه الأبعاد الثلاثة تنازعتها منذ القدم الفلسفة بنظرياتها، والدين بتعاليمه، والعلم بنظرياته وقوانينه فنشأ عن تفاعل الإنسان مع كل ذلك بعد تاسع يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات تميزا لاشك فيه هو بعد التراكم المعرفي البشري الذي مناطه العقل والقلب والسلوك معا ووسيلته التسجيل بكل وسائل التسجيل الممكتة في كل عصر سواء كان ذلك بالرسم (كما في كهوف ماقبل التاريخ)، أو بالكتابة بدءا من النقش على الحجر أو بكتابة المخطوطات قديما، أو بالكتب المطبوعة، أو بوسائل حفظ المعلومات والبيانات إلكترونيا حديثا، أو بغير ذلك من الوسائل التي قد تجد مستقبلا.

وميزة هذا التراكم المعرفي البشري الفريد أنه ينتقل من جيل سابق إلى جيل لاحق فيضيف إليه كل جيل ما استطاع أن يضيفه، فينمو هذا التراكم المعرفي ويكبر حجمه بمرور الزمن مما يستلزم لتسجيله وحفظه وسائل أكثر تطورا من عصر إلى آخر على النحو الذي سبق شرحه في الفقرة السابقة.

 

الفرق بين الكون والوجود

وهنا يريد عقلي أن يميز بين الكون والوجود فيقول أن الكون مجرد مادة، بينما الوجود يشمل كل ما هو مادي وغير مادي معا، فالكون إذا جزء من الوجود، بينما يضم الوجود كل الأبعاد والنظريات والقوانين والقيم والتعاليم الموجودة داخل وخارج منظومة الكون المادي. فهذا الوجود يتسع ليشمل الكائنات الأخرى اللامادية كالروح والجن والملائكة والشياطين والجنة والنار وكل ما خلقه الله من مخلوقات أخرى قد لا نعرفها لأنه هو خالق كل هذا الوجود، وقد قال سبحانه وتعالى: “ويخلق ما لا تعلمون” صدق الله العظيم. ويصبح لكل ذلك وجودا وقيمة وأثرا في هذا الوجود. وهنا يبرز دور الدين ليتفوق على الفلسفة والعلم لأنه أشمل وأعم ويعطي قيمة أكبر للحياة من المادة الخرساء، بل يضيف لها امتدادا إلى عالم آخر فيه حساب عادل على ما اقترفه الإنسان من أعمال خير أو شر في العالم الدنيوي، ليأخذ ما يستحقه من ثواب أو عقاب. كما أن الدين يعطي تفسيرات مقنعة من خلال تعاليمه ومعلوماته عن الأشياء الغيبية اللامادية او الميتافيزقية التي يحجم العلم تماما عن تناولها، والتي تعطيها بعض النظريات الفلسفية القديمة تفسيرات غير مقنعة.

 

دور الجسد البشري

والسؤال الأخير في هذا الموضوع هو عن دور الجسد الإنساني في ذلك كله. والإجابة هي: إنه الوعاء الذي يحتوي على كل وسائل إدراك كل تلك الأبعاد التسعة بما أودعه الخالق- سبحانه وتعالى- فيه من مادة وعقل وقلب وروح، وبما اكتسبه من قيم وخبرات أو تراكم معرفي. وبهلاك الجسد تهلك معه الأبعاد المادية فقط، فيتحلل الجسد إلى مكوناته المادية الأصلية من عناصر، وتبقى بعد هلاك ذلك الجسد الأعمال التي قام بها الإنسان الذي يحتل هذا الجسد سواء في إطار الأبعاد المادية أو الأبعاد اللامادية وذلك في عقول وقلوب كل من يعرفونه من بشر، كما تبقى هذه الأعمال أيضا مسجلة في صحيفة ذلك الإنسان ليحاسب عليها يوم الحساب في العالم الآخر.

الختام

عذرا يا أحبابي إن كنت قد أجهدتكم معي بهذه المقالة الطويلة التي جادت بها القريحة يوم 9/11/2019 عقب هذا الحلم الذي لا أذكره، أو إن شئت قل هذه الرؤية التي حفزتني على كتابة هذه المقالة. فإن كنت قد أصبت فيما قلته فهو من توفيق الله جل وعلا، وإن كنت قد أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان فصوبوني مشكورين فأنا لست فيلسوفا ولا عالما ولا شيخا ولا راهبا، وإنما مجرد إنسان عادي يسعى لتكوين رؤية شاملة في عقله للكون والحياة على ضوء ما هو متاح أمامه من معلومات ومعطيات.

وإذ أتقدم لكم في النهاية بكل الحب والشكر والتقدير، مع شكر خاص على صبركم على قراءة هذه المقالة الطويلة، فإنني أتطلع إلى رؤية تعليقاتكم القيمة التي أحترمها كثيرا.

يوسف عبد النعيم

Exit mobile version