خواطر عمو يوسف ( 22) مجتمعات الآميش

أحبابي ..
هل سمعتم عن أميركيين لا يستخدمون الكهرباء، ويركبون عربات تجرها الخيول حتى يومنا هذا؟!
لا، ليسوا قبائل الهنود الحمر التي مازال بعضهم يسكنون الغابات، وإتما هم أميريكيون بيض من أصول أوروبية! إنهم يا أحبتي مجتمعات الآميش Amish؟
فقد شدني مؤخرا فيلم تسجيلي عن عدة تجمعات من الأمريكيين من أصول أوروبية تعيش في أكثر من ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية حياة شبه بدائية باختيارهم المطلق، فلا كهرباء عندهم ولا سيارات، ولا تلفزيونات، ولا موبايلات، ولا كومبيوترات ولا إنترنت، بل ولا حتى تعليم أعلى من الصف الثامن حيت يتعلم الأطفال مايهمهم في حياتهم العملية فقط من أساسيات التعليم في مدارس خاصة بهم لا تتبع الحكومة الأمريكية. وهم مكتفون ذاتيا، ولا يشاركون في أية انتخابات أمريكية على مستوى الولاية ولا على مستوى أمريكا لا ترشحا ولا انتخابا لآنهم لا يحملون أصلا بطاقات انتخاب، وقد تدهش أكثر حين تعلم أنهم لا يحملون بطاقات هوية (بطاقة الرقم القومي) ولا حتى شهادات ميلاد. ويقدر البعض عدد هؤلاء الناس في أمريكا بعدة مئات من الآلاف. إنهم قوم توقف بهم الزمن في القرن الميلادي السابع عشر ولم يرغبوا في أن يتجاوزوه في نمط حياتهم. إنهم مجتمعات الآميش فتعالوا نتعرف عليهم أكثر.
إنهم أتباع إحدى الفرق الدينية المسيحية التي تنتمي للمذهب البروتستانتي الذين يرون في نمط الحياة البدائية نوعا من التقرب إلى الله، وأن البعد عن الحياة المدنية الحديثة هو بعد عن الشر والرذيلة. وحياتهم كلها محكومة بتعاليم الكنيسة المقدسة عندهم، ومما يتميزون به عن الفرق والمذاهب المسيحية الأخرى أنهم لا يعمدون أطفالهم إلا بعد سن السادسة عشر ليكون إيمانهم عن اقتناع تام واختيار حر حسبما يعتقدون، ورجالهم يطلقون لحاهم ويقصون شعر راسهم قصة واحدة خاصة للجميع، أما نساؤهم فيرتدين ملابس طويلة محتشمة وغطاء خاص على الراس كجزء وكمظهر ضروري من مظاهر التدين. وهم لا يشربون الخمور ولا يمارسون الجنس قبل الزواج، ولا يصنعون التماثيل، ولا يلتقطون الصور الفوتوغرافية ولا يحتفظون بها في بيوتهم، ولا يحبون ولا يقتنون الآلات الموسيقية.
وهم غير عدوانيين ضد الغير بل إنهم أناس طيبون وودودون جدا، وتبدأ حياة الآميش من الخامسة صباحا ويأوون إلى فراشهم في موعد لا يتجاوز العاشرة مساء باي حال من الأحوال، وينامون ملء جفونهم وبيوتهم مشرعة الأبواب، إذ لم تسجل في هذه المجتمعات أية جرائم سرقة أو قتل من أي نوع. وهم يتعاونون مع بعضهم البعض في كل الأمور بشكل لاتجده في أي مكان آخر في أمريكا، ويعطون الحياة العائلية وروابطها كل الاهتمام والاحترام والتوقير.
ومصدر الطاقة الأساسي عندهم هو الغاز الطبيعي وبطاريات السيارات، فبيوتهم وشوارعهم تضاء بالغاز الطبيعي، وحتى ثلاجاتهم تعمل بهذا الغاز. أما البطاريات فتستخدم لإنارة العربات التي تجرها الخيول إذا اضطروا للسير بها ليلا.
ورغم أنهم غير مسجلين في أي برنامج من برامج الرعاية الصحية أو التأمين الصحي المنتشرة في كل ربوع أمريكا، فإنهم قوم محظوظون. فنظرا لنمط حياتهم الذي يعتمد- في معظمه- على العمل اليدوي والمجهود العضلي فإن نسبة أمراض العصر كالسكري، والضغط، وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وغير ذلك من الأمراض قليلة للغاية عندهم.
وقد يتمرد بعض المراهقين منهم على نمط الحياة البدائية هذه سعيا وراء مايسمى بالحلم الأمريكي أو سعيا وراء ملذات الحياة التي تعج بها الحياة الأمريكية التقليدية من جنس ومخدرات فيهربون من مجتمعاتهم في جنح الظلام، ونظرا إلى افتقارهم لأية مهارة أو مهنة من المهن الحديثة فإنهم يتلقفهم مقاولوا بناء المنازل الأمريكية التقليدية ليعملوا كعمال بناء، ومنهم من يكمل تعليمه الجامعي ومنهم من لا يرغب في ذلك، ومنهم من يغرق في أوحال الجنس والخمر والمخدرات حتى الثمالة، ولكن أغرب مافي الأمر أن نسبة من يرجعون في النهاية لأسرهم ومجتمعاتهم الأصلية تتعدى 80% من نسبة المتمردين الهاربين بسبب الروابط العائلية والحياة الهادئة التي افتقدوها بعد هروبهم من مجتمعاتهم.
إنني أرى هؤلاء الآميش أناسا محظوظين حقا. وليت مجتمعاتنا توقف بها الزمان في الزمان الذي يطلق عليه صدر الإسلام كما توقف بهؤلاء الناس في القرن الميلادي السابع عشر. فلربما كانت حياتنا أفضل مما هي عليه الآن حيث أننا لا طلنا بلح الشام ولا عنب اليمن فلم نتقدم حضاريا مثل الأمم والشعوب المتقدمة في الشرق والغرب، ولم ننعد متمسكين بقيمنا وأخلاقنا العربية الأصيلة ولا بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي تمسك بها المسلمون الأوائل في صدر الإسلام فسادوا الدنيا وفازوا بالآخرة. وأخشى ما أخشاه أن نكون كالتي رقصت على السلم (كما يقول المثل المصري) فلا نفلح في الدنيا ولا في الآخرة. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ألستم معي في ذلك؟
وقد يعترض معترض على الفقرة السابقة في هذا المقال قائلا أن: “المسلمين لم يتوقفوا عند صدر الإسلام كما أشرت، ولكن تقدموا فى العلوم والطب والفلك والهندسة، ثم انتقلت الحضارة الاسلامية إلى الغرب ليكملوا مسيرة الحضارة.و تخلفنا لم يكن بسبب المدنية ولكن لأننا ركنا الى الملذات والشهوات وتركنا غيرنا يعمل ويتقدم ويتحكم فى ثرواتنا وأقدارنا. وكثير منا ينظر إلى إسلامنا أنه سبب تخلفنا ولم يع أن أوامر إسلامنا فيها خير لحياتنا من خلال افعل ولا تفعل، وأن علينا أن نختار من المدنية ما ينفع حياتنا وآخرتنا.”
وأنا أوافق على هذا الاعتراض بنسبة 100% من الناحية المادية الدنيوية.وهي من الأهمية بمكان لأنها شق الحياة بلاشك. ولكنني كنت أقصد بهذه الفقرة الشق الآخر أي الناحية الدينية والروحية التي كانت في قمتها في صدر الإسلام حيث كان الإسلام النقي منهج حياة لكل المسلمين بكل ما تعنيه الكلمة، لأنه لم تكن قد ظهرت بعد الانقسامات والطوائف والملل والنحل المتعددة من سنة وشيعة أوخوارج، وسلفية وصوفية و .. و…إلى غير ذلك من الملل والنحل التي اخترعها البشر وأضافوها عنوة إلى الإسلام فكانت سببا آخر يضاف إلى الركون إلى الملذات والشهوات (كما جاء في هذا الاعتراض) في تمزيق المسلمين روحانيا وتعبديا مما أدى بالتالي إلى تخلف المسلمين وذهاب ريحهم بين الأمم.
وحتى لا أطيل عليكم أكثر من ذلك، أعتقد أنكم اشتقتم الآن لرؤية هؤلاء الآميش وهم يمارسون حياتهم العجيبة تلك على أرض الواقع، فإليكم هذه الروابط عن فيديوهات تتحدث عن الآميش باللغة العربية ومن يجيد الإنجليزية يبحث عنهم في اليوتيوب تحت كلمة Amish وسيجد الكثير من المعلومات عنهم.
ومن بين هذه الفيديوهات فيديو طريف لسيدة داعية إسلامية من إحدى دول الخليخ تدعو شيوخ الخليج (ماعدا العريفي) للذهاب إلى هؤلاء الآميش والاختلاط بهم والزواج منهم ودعوتهم إلى الإسلام لأنها تراهم قريبين جدا من الإسلام، أو (مسلمين إلا خمسة) كما تقول عنهم. وفي نفس الفيديو معلومات أخرى إضافية عن الآميش وحياتهم التي أرجو ألا تظنوا أنها حياة متخلفة، وإنما هي حياة من اختيارهم هم.
تحياتي
يوسف عبد النعيم