أراء وقراءات

دار المُقامة

 

قرأ الإمام في صلاة الفجر قوله تعالى: “الذي أحلنا دار المُقامة من فضله..” الآية.

فجال بالخواطر والقلوب ما جال مما تتوق إليه قلوب العشاق والمحبين.

دار المقامة…

حيث الشبع من مجالس الكرماء ومسامرة الأخلاء..

دار المقامة…

حيث لا ينغص السعادة خوف موت أو خشية فوت.

دار المقامة…

حيث لا ينتهي عقد الإيجار…

ولا يقطع على المحبين كثرة الأسفار..

يقول احدهم: ودعت يوما أخا حبيبا منذ سنوات على الهاتف قبل أن يدخل الطائرة ثم بكيت…

وقلت في نفسي:

رب لا تحرمنا الجنة فتجمع علينا ألم الفراقيْن…

فراق هنا وفراق هناك..

ورضي الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. لما ذهب ليفتح بيت المقدس طال عناقه لأبي عبيدة حتى لكأن فرحته بلقيا من يحب لا تقل عن فرحته بمفاتيح بيت المقدس!!

ما اوجع قلوب المتحابين في الله وقد تفرق أحبابهم في كل واد..

فالقبور أخذت حظها من أحبتهم…

والأسفار كذلك…

والدنيا بمشاغلها أتت على البقية…

حتى أصبح بعضنا يخرج من الدنيا ولم يرو ربع ظمئه ممن أحب.

كنت قديما أتعجب من شوق عمر لأبي بكر ومعاذ وأبي عبيدة من العشاء إلى الفجر حتى كان يقول لأحدهم في صلاة الفجر:

ما أطول الليلة يا فلان…

لقد بت أتقلب الليلة في فراشي فلم أنم شوقا إليك!!

كنت أتعجب من هذه الأشواق…

حتى اكتوى قلبي بتفرق الأحبة في الآفاق…

فعلمت كم يُعمِل الشوق عمله في الأعماق.

واشوقاه إليك يا دار المقامة..

فلن يطبب أوجاع المتحابين في الله إلا أنت..

وحتى يدخلنا الله إياكِ برحمته -إن من علينا وجعلنا من أهلك- سنظل نسكن أوجاع أشواقنا بالدعوات والدمعات حتى تجمعنا الجلسات والتكؤات والضحكات على أرائك الجنة…

هناك في دار المقامة…

حيث لا وجع ولا سآمة.

من اختيارات الكاتب الصحفي محمد يوسف رزين

مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.