الصراط المستقيم

دور الأزهر الشريف في تعليم الأمة وحماية القيم

بقلم /محمد عبد العاطي

بالأمس طالعتنا الصحف بخير كالصاعقة، حادثة لم نعتد في مجتمعاتنا الإسلامية على سماعها ولا رؤيتها، ولا كنا نتصور حدوثها عقلًا، هذه الحادثة هي قيام شاب بذبح فتاة جامعية أمام سور الجامعة بمحافظة الدقهلية، وبالرغم من سوء المشهد وبشاعته، وسوء المنظر وقبحه على المشاهدين والناظرين، إلا أن أثاره السلبية على المجتمع أكبر بكثير من مجرد فيديو شاهده الملايين من البشر.

حدث جلل

الطالبة الضحية نيره أشرف

ويجدر بنا أمام هذا الحدث الجلل أن نتساءل عن الأسباب التي تدفع شاب في مقتبل عمره أن يرتكب مثل هذه الجريمة، وكيف صورت له نفسه، ووسوس إليه الشيطان، وهداه تفكيره حتى يقوم بمثل هذه الجريمة؟ كيف خطط لها ودبر؟ وكيف نجح أن يفعل هذه الجريمة دون أن يتردد أو يتراجع؟!!!

إننا أمام مشهد جلل يجب على علماء النفس والاجتماع والدين والتربية  البحث عن تفسيره، والوصول إلى أبعاده ومراميه، وكيفية علاجه . لأننا نحن العامة نعجز عن إدراك ماهية وحقيقة هذا الفعل، ولا نستطيع أن نتصور أبدًا أنه مهما كانت الدوافع والأسباب، ومهما كانت التبريرات، يمكن أن تحدث مثل هذه الجريمة، كيف لشاب في مقتبل العمر، ملئ بالبراءة يافعًا صبيًا، أن يقتل فتاة بريئة لم تفعل في الدنيا ما تستحق عليه هذه الجريمة، وعلنا نحتسبها عند الله من الشهداء الأبرياء، ونسأل الله لأهلها الثبات والصبر وحسن الحال.

دور الدين في التربية

ويجدر بنا في هذا المقام أن نؤكد على دور الدين في التربية وبناء الذات، وبناء الهوية وشخصية المسلم، ذكرًا أو أنثى، فالثابت أن كل القيم يمكن أن تضيع، ويعلوها التراب، ولا يبق إلا الدين راسخًا ثابتًا، يقوِّم المعوج، ويصحح المخطئ، ويربي الأنفس على كل خير وفعل كل حسن، واجتناب كل رذيلة.

ولا غرو في أن الدين الإسلامي بشموليته وكماله اشتمل في طياته على العبادات والمعاملات والأخلاق، فمدار الدين الإسلامي كله بين هذه الثلاث، ولا تصح العبادات إلا إذا صادفت خلقًا حسنًا، ومعاملة ترضي الله ورسوله.

أثر العبادات في السلوك

ومن خلال مطالعة أدلة الكتاب والسنة نجد أن العبادة الحقة تستلزم أثرًا في نفس صاحبها وسلوكه وأخلاقه، وأركان الإسلام جميعها بنيت على مكارم الأخلاق، والالتزام بالفضائل وترك الرذائل، فالصلاة أهم أركان الإسلام بعد شهادة التوحيد، ولها مكانتها الخاصة في الإسلام،  إنما شرعت من أجل أن تنهى عن الفحشاء والمنكر ، قال الله عز وجل: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45)

وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن امرأة تقوم الليل ولكنها تقوم في الصباح لتؤذي جيرانها فقال صلى الله عليه وسلم عن فعلها: ” هي في النار ” فحقيقة الصلاة تتمثل في تزكية وتطهير النفس من الصفات السيئة، وتدفع المؤمن أن يتحلى بكل ما هو حسن ويبتعد عن كل ما هو قبيح، فمن لم ينتفع بصلاته في تحسين أخلاقه وسلوكه فكأنه لم يستفد من أعظم ثمرات الصلاة التي شرعت من أجلها.

وإذا تحدثنا عن ركن الصيام فإنه قبل أن يكون حرمانًا للنفس من الطعام والشراب والشهوات المباحة، إنما شرع لتهذيب النفس وتدريبها تدريبًا فعليًا على ترك شهواتها ونزواتها المحظورة. وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”. وفي القرآن الكريم ذكر صريح لثمرة الصوم الحقيقية، قال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، وفي نفس السياق بين صلى الله عليه وسلم أن الصوم إنما جعل امتثالًا لأمر الله عز وجل، وينبغي على المسلم أن يتميز بأخلاقه وحلمه: قال صلى الله عليه وسلم: ” فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم” .

وقد فرض الله عز وجل الزكاة حتى تكون تطهيرًا للنفس من البخل والشح، وضيق اليد، وجعلها تعويداً للمسلم على تعلم السخاء و والكرم والمبادرة في قضاء حوائج الناس والشعور بحاجاتهم، ولهذا قال الله عز وجل : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: من الآية103) .

وبهذه النظرة تكون فريضة الحج، فهي ليست مجرد رحلة إلى البقاع المقدسة وفقط، إنما الحج في أساسه رحلة روحية إيمانية بها الكثير من معاني الكمال الأخلاقي والرقي الروحي، وقد قال الله عن الحج: ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة:197)

واقعنا مختلف 

وإذا عدنا إلى واقعنا وجدنا الأمر مختلفًا، والبون شاسعًا، وتملؤنا الحسرة حين نرى فئات من الناس تفعل عكس هذه الأخلاق التي تعلمناها وتدربنا عليها من عبادة الله تعالى، فبعض الناس إذا صاموا ساءت أخلاقهم  وضاقت صدورهم، ويتعللون بأنهم صائمون!! فهل حقق هؤلاء ثمرة الصيام ؟ وهل امتثلوا توجيه رسولهم الكريم؟.

هذه المعاني وغيرها من القيم التربوية النبيلة لا تجد أحدًا أحرص عليها ولا على تعليمها لطلابه إلا في أروقة الأزهر الشريف، وبين جنباته، وتحت لوائه، يدخل التلميذ إليه غضًا طريًا نقيًا، فيحفظ القرآن الكريم ويتعلم السنة النبوية المطهرة، ويتربى على الأخلاق ومنهاج النبوة وسيرة الصالحين. يرى أمامه نماذج عملية مثالًا لكل خير، وقدوة حسنة لكل عمل صالح.

وأقول لهؤلاء الذين يهاجمون الأزهر، ويهاجمون مناهج الأزهر، ويدعون إلى الحرية والتبرج، ويدعون إلى الانسلاخ من الدين وترك كل ما يتعلق به، أوجه إليهم هذا التساؤل، أرأيتم ما صرنا إليه من اعوجاج في التفكير، وبعدٍ عن التربية والأخلاق؟ أرأيتم أن غياب الدين يمكن أن يؤدي بنا إلى غابات وأحراش لا رادع فيها ولا رقيب؟ لماذا تكرهون الدين؟، وتسئمون من ذكر ه؟، وهو الذي يرشدكم إلى كل خير، ويدلكم على كل حسن، ويبعدكم عن مهاوي الرذيلة والانحطاط الفكري والأخلاقي؟

هؤلاء الشباب الذين تم سلخهم عن دينهم، وتركهم حفاة عراة لا يجدون ما يسترون به أنفسهم من لباس الإيمان، ولا ما يتحلون به من طيب الأخلاق، هؤلاء الشباب لم يتعلموا من سيرة نبيهم الكريم ما ورد في خُطْبتِهِ يوْم النَّحر في حجَّةِ الودَاعِ حيث قال: إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت متفقٌ عَلَيهِ.

ولم يطلعوا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ المُسلِمِ عَلى المُسْلِمِ حرَامٌ: دَمُهُ وعِرْضُهُ وَمَالُهُ “رواهُ مسلم. وسوف يـأتي علماء النفس ليدلوا بدلوهم عن أسباب هذه الحادثة وكيف أدت إلى ارتكاب هذه الجريمة، وعلماء الاجتماع سوف يكون لهم أيضًا باع كبير  في تفسير هذه الظاهرة وأثرها على المجتمع، ولن يذكر هؤلاء وغيرهم أن البعد عن دين الله ومنهج الإسلام هو السبب الرئيسي في مثل هذه الجرائم.

وفي السطر الأخير أوجه حديثي إلى كل أسرة مسلمة  أرجوكم استثمروا في أولادكم بما ينفع دنياهم وآخرتهم، لا تحرصوا على تأمين مستقبلهم بالأموال في البنوك، وشراء الدور والعقارات، وما نهلوا من دينهم شيئًا، وما عرفوا عن إسلامهم إلا اسمه، ولا عملوا لآخرتهم شيئًا. ربوا أبناءكم على الأخلاق الفاضلة، وهذبوهم، واجعلوا من تعليمهم في رحاب الأزهر الشريف بوابة الفلاح في الدينا والآخرة، فالأزهر الشريف يظل بعلمائه حصنًا حصينًا منيعًا، ومرجعًا لتعليم الأخلاق الفاضلة والسير على منهج الله تعالى.

محمد عبد العاطي
تربوي ومترجم بالمعاهد الأزهرية

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. باراك الله فيك أستاذ محمد ،فقد أصبت وأحسنت الاختيار،فهذا الحادث الفج يزعجنا جميعا بل يمرضنا ولا ابالغ فى ذلك ،منذ علمنا بهذه الفعلة الشنيعة التى تتأذى بها النفس ويمرض بها البدن وترفضها الانسانية .
    اللهم ارحمها برحمتك التى وسعت كل شيء
    اللهم احتسبها عندك من الشهداء
    اللهم انزل الصبر والسكينة على قلب أمها
    اللهم انزل الصبر والسكينة علينا .
    اللهم ارزقنا الأمن والأمان والرخاء والاستقرار وجميع بلاد المسلمين يارب العالمين.
    وحسبنا الله ونعم الوكيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.