ذكرى مذبحة تياروي تعيد التوترات بين السنغال وفرنسا
كتبت: د. هيام الإبس
تمر السنغال بالذكرى الثمانين لمجزرة تياروي، التي قُتل فيها مئات الجنود الأفارقة على يد الجيش الفرنسي عام 1944، في أعقاب مطالباتهم بأجورهم المتأخرة بعد الحرب العالمية الثانية. ما زالت الحادثة محاطة بالغموض، خاصة فيما يتعلق بعدد الضحايا ومواقع دفنهم، مما يعمق التوترات بين السنغال ومستعمرها السابق فرنسا.
بيرام سنغور، الذي فقد والده في تلك المجزرة، يواصل زيارة مقبرة تياروي العسكرية حيث جميع القبور مجهولة. ويطالب فرنسا بـ”التوبة” والاعتراف بالمجزرة، معتبراً أن التصريحات الفرنسية السابقة غير كافية.
تفاصيل المجزرة
الجنود الأفارقة، الذين كانوا جزءاً من وحدة “التيريلور السنغالي” في الجيش الفرنسي، تعرضوا لإطلاق نار من الجنود الفرنسيين في 1 ديسمبر 1944. التقارير الفرنسية الرسمية قللت من أعداد القتلى، مدعية أن العدد 35 فقط، بينما تتحدث مصادر أخرى عن مقتل ما يقرب من 400 جندي.
المؤرخ الفرنسي مارتن موري يؤكد أن الحادثة كانت “إعداماً للجنود الأفارقة غير المسلحين”، نافياً مزاعم وجود مواجهة بين الطرفين.
اعترافات متأخرة من فرنسا
في رسالة رسمية حديثة، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحداث بأنها “مجزرة”، لكنه تجنب ذكر عدد الضحايا، مما أثار انتقادات واسعة. وتعود محاولات تسليط الضوء على القضية إلى عام 2014 عندما سلم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بعض الأرشيفات إلى السنغال. ومع ذلك، لا تزال الوثائق الأساسية حول المجزرة مفقودة، ما يعمق الغموض ويثير تساؤلات عن شفافية السلطات الفرنسية.
التحركات السنغالية
الرئيس السنغالي الجديد باسيريو ديوماي فاي أطلق حملة واسعة لإحياء الذكرى، تشمل فعاليات تمتد حتى أبريل 2025. كما أعلن عن بناء نصب تذكاري ومركز بحثي للحفاظ على الأرشيفات المتعلقة بالمجزرة، وإدخالها في المناهج الدراسية.
في خطاب ألقاه بالمقبرة العسكرية، أكد فاي أن إحياء الذكرى هدفه استعادة التاريخ الوطني وليس إثارة الكراهية. كما اقترح إعادة النظر في الوجود العسكري الفرنسي في السنغال، حيث لا يزال حوالي 350 جندياً فرنسياً متمركزين هناك.
تراجع النفوذ الفرنسي
تأتي هذه الذكرى وسط تراجع واضح للنفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا، حيث أُجبرت فرنسا على سحب قواتها من مالي والنيجر وبوركينا فاسو. كما أنهت تشاد مؤخراً اتفاق تعاونها العسكري مع فرنسا.
نحو العدالة التاريخية
رغم التحركات الجديدة، لا تزال السنغال تواجه تحديات في كشف الحقيقة حول مذبحة تياروي. يرى محللون أن الذكرى الثمانين تشكل فرصة لرفع الوعي بالحدث وإعادة صياغة العلاقة مع فرنسا على أسس أكثر عدالة واحتراماً للتاريخ.