رأي : روسيا تستغل الأزمة السورية لتطويق أوروبا وأمريكا
من الجلي أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يعتبر الولايات المتحدة الأمريكية شريكا ولا حتى خصما، إنما يعتبرها عدوا، وهذه الحقيقة قد أظهرتها حملة عامة روسية أظهرت صورة للرئيس الأمريكي باراك أوباما مع قرون على رأسه، واصفة إياه بالقاتل الدولي. (وكانت الحكومة الروسية قد أعلنت عدم مسؤوليتها عن الحملة).
وكانت هذه الحملة صادمة وجاذبة للنظر. ولكن المحزن أكثر من ذلك، هو ما يفعله بوتين في سوريا، إذ أنه يخرج واشنطن وحلفاءها من اللعبة مما قد يسبب عواقب كارثية.
في أكتوبر الماضي، عندما بدأت روسيا قصفها في سوريا، تكهن أوباما أن الرئيس الروسي سيندم على قراره بالتدخل في الحرب الأهلية السورية. فقد قال الرئيس الأمريكي إن التدخل الروسي هو “محاولة لدعم الأسد وإسكات الشارع في روسيا، وهو سيجعلهم (الروس) عالقين في مستنقع، ولن يتحقق ما يسعون إليه”، حسب تعبيره.
ربما تكون نظرة أوباما صحيحة على المدى البعيد، فقد تكون سوريا، فيتنام بوتين. ولكن حتى الآن، فإن الرئيس الروسي لم يقلب الأوضاع في سوريا لصالحه وحسب، في وقت كان يخسر فيه الرئيس السوري بشار الأسد يخسر الأراضي السوري بطريقة مستمرة، ولكنه يستخدم تدخله في سوريا كجزء من لعبة شطرنج عالمية يلعبها ضد الغرب. بصراحة، إن بوتين يطوق الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
وهذه خمسة طرق تسعى فيها روسيا إلى إخراج الغرب من اللعبة في سوريا:
1. روسيا تستفز تركيا وتسعى لخلق شرخ في تحالف الناتو.
زادت حدة التوترات بين روسيا وتركيا، العضو في الناتو، بعد أن أسقطت إحدى الطائرات الحربية التركية طائرة حربية روسية قرب الحدود السورية التركية في نوفمبر. ومنذ ذلك الحين، بقيت روسيا عند وعدها بأن يكون ثمن اسقاط طائرتها باهظا. فالعواقب الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية على الأرض واضحة.
تركيا تقول إن روسيا تخترق اجواءها بشكل مستمر. وهي تستهدف مواقع يحتلها الأكراد السوريون الذين تدعمهم روسيا. وفي حال قررت أنقرة التدخل العسكري في سوريا، وهذا أمر ممكن، فإن احتمال اندلاع حرب روسية تركية سيجبر الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على الدخول في الحرب تحت مظلة الناتو التزاما باتفاقية الدفاع المشترك. كما سيواجه الناتو خيار دخول حرب مع روسيا دفاعا عن الحليف الأقل اعتمادا عليه، تركيا، او أن يحدث شرخا في الحلف.
2. روسيا تغازل الأكراد السوريين
قبل أسابيع قليلة، رعت الأمم المتحدة جولة مباحثات سلام فاشلة في جنيف السويسرية. ولم تتم دعوة الاكراد السوريين إلى المباحثات، وهم حلفاء واشنطن الأساسيين في حربها ضد تنظيم داعش كما أنهم يسيطرون على مناطق واسعة في سوريا، لأن تركيا تنظر إلى وحدات حماية الشعب الكردية على أنها إرهابية. في وقت لم تعلق فيه الولايات المتحدة الامريكية على القضية، احتضنت روسيا الأكراد داعية لوجوب إشراكهم في المفاوضات. واليوم يفتتح الأكراد السوريون مكتبا لهم في موسكو، واصفين هذه المناسبة بأنها “لحظة تاريخية للشعب الكردي“.
لا تسلط روسيا الضوء على الاستراتيجية الأمريكية المتناقضة وغير الجديرة بالثقة في سوريا وحسب، وإنما تغازل الأكراد بعيدا عن واشنطن.
3. التصرفات الروسية تنتج موجات مستمرة ومتزايدة من اللاجئين السوريين، ما قد يؤثر على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
رغم أن بوتين قد زعم بأن الضربات الجوية الروسية في سوريا تهدف إلى القضاء على تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، يبقى هدفه الأساسي هو حماية الأسد. ولفعل ذلك، فإن روسيا والأسد استهدفا المسلحين الذين لا ينتمون إلى داعش دون اهتمام كبير بحياة المدنيين، هادفين إلى وضع الغرب بين خيارين، إما الأسد او داعش. القصف المتواصل في داخل ومحيط المدن السورية الكبرى، كحلب التي كان يسيطر عليها الثوار، بدأت فصلا جديدا في أزمة اللاجئين، مما سيشكل ضغطا على تركيا، المثقلة بحوالي 2.5 مليون لاجئ، وعلى أوروبا وواشنطن مستقبلا.
4. محاولة روسيا لزيادة النزوح من سوريا، تساعد في انقسام أوروبا على نفسها
نجى الاتحاد الأوروبي من تحديات كثيرة، فقد تجاوز أزمة الديون اليونانية وانهيار البنوك وحتى الصدام مع روسيا حول أوكرانيا، ولكنه قد لا يستطيع الخروج من أزمة اللاجئين بسلام. يستطيع المرء تخيل ابتسامة الرضى على وجه بوتين وهو يشاهد النداء المثالي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لفتح الحدود والذي يأتي تحت ضغط الهجمات الروسية. تدعم أزمة اللاجئين والجدل القائم حول الهجمات الإرهابية التي نفذها مسلمون متطرفون لديهم ارتباطات بإرهابيين سوريين، اليمين المتطرف في أوروبا وتزرع الشكوك حول بقاء جواز “شنغن” الأوروبي وتفرض الظل على نجاة الاتحاد الأوروبي من هذه الأزمة.
إضعاف أوروبا يشكل خسارة للولايات المتحدة الأمريكية ومكسبا لروسيا.
5. روسيا تلعب بالولايات المتحدة الأمريكية على طاولة الدبلوماسية
فعندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في ميونخ الألمانية، أن القوى العالمية قد اتفقت على “وقف الأعمال العدائية” في سوريا، قليلون توقعوا توقف نيران الأسلحة. في الحقيقة، تأخير الاتفاقية لأسبوع، جعل بعضنا يتوقع بأن القتل سيزداد نتيجة للاتفاق. وهذا بالفعل ما حدث، ولكن هذا ليس كل ما حدث، فروسيا قد لعبت بواشنطن على طاولة المفاوضات.
الضحايا كالعادة هم السوريون، الذين يفقدون حياتهم في وقت تقرر فيه القوى العالمية والجماعات الإرهابية مصيرهم. وافقت روسيا على الاتفاق ولكنها أوضحت بأن وقف القتال لا يشمل المناطق الخاضعة لسيطرة “التنظيمات الإرهابية”. بأسلوب آخر، إن روسيا لم توافق إلا على زيادة وتيرة هجماتها على حلب، مما سيحقق مكاسب استراتيجية ضخمة للأسد. في حين يقف الجهد الدبلوماسي الأمريكي، والذي تقوده النوايا الحسنة، عاجزا.
قد يأتي يوم ويندم فيه بوتين على تدخله في سوريا، ولكن حتى الآن وفي وقت تقصف فيه قواته المستشفيات في سوريا، ومناصروه في موسكو يطلبون من الأمم المتحدة معاقبة أوباما، لا يمكن لبوتين إلا أن يعجب ويسعد بنجاحه في العملية السورية. ليس فقط لأنه أنقذ الأسد مما كان يبدو انهيارا قريبا لحكمه ولكن أيضا لأنه أضعف الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها.