رئيس التحرير يكتب: الحكومة ترقص على أنين المواطنين..!!
تجرأت الحكومات خلال السنوات القليلة الماضية على إتخاذ قرارات كانت حكومات في عهود سابقة تتردد كثيرا في اتخاذها خشية الاضرار بالمواطنين وخوفا من الغضبة الشعبية . ويتذكر التاريخ جيدا إنتفاضتى الطلاب في فبراير ونوفمبر عام 1968، وانتفاضة الطلاب يناير 1972 . والذي يجب أن ننتبه اليه جيدا أن إنتفاضات الطلاب لم تكن من أجل مطالب خاصة بهم ولكن من أجل مطالب شعبية عامة . وقد شاركت في الإنتقاضة الطلابية 1972 ، ولا تزال ترن في أذني الهتاف الذي كان الاف الطلاب يرددونة بصوت عال اجتجاجا على ارتفاع اسعار اللحم في عهد الرئيس أنور السادات ونصه :” أنور بيه أنور بيه .. الكيلو اللحمة بقى بجنيه “. قد يستغرب البعض حاليا من الاحتجاج على وصول كيلو اللحم الى جنيه واحد ، فماذا يفعل الفقراء الان في ظل تجاوز سعر كيلو اللحم الـ 100 جنيه.
ويتذكر التاريخ أيضا “انتفاضة الخبز” وهي مظاهرات شعبية ضد الغلاء، جرت في أيام 18 و 19 يناير 1977 في عدة مدن مصرية رفضا لرفع أسعار العديد من المواد الاساسية بينها الخبز استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي .واستمرت المظاهرات حتى استجابت الحكومة وتراجعت عن زيادة الأسعار .
وبالأمس القريب اتخذت الحكومات غير الرشيدة قرارات بتخفيض دعم السلع الغذائية للفقراء وقلصته الى 15 جنيها للمواطن شهريا . ورفعت أسعار الكهرباء والماء والدواء ، وتخطط لالغاء دعم الكهرباء والطاقة نهائيا خلال 5 سنوات وتراجعت لتمد فترة الالغاء الى 8 سنوات .
وتسعى الحكومة ،التي يبدو أنه يطربها أنين المواطنين وترقص على نغماته ، حاليا لتطبيق ضريبة القيمة المضافة وهي أحد أنواع الضرائب غير المباشرة التي تسري على جميع السلع والخدمات إلا ما أعفي منها القانون صراحة. وتم اقتراح هذه الضريبة منذ عام 2005 لتحل محل ضريبة المبيعات المطبقة منذ عام 1991بنسبة 10 % وتشمل 17 سلعة فقط . ولكن كل الحكومات كانت تتردد في تطبيقها خوفا من أضرارها على الرغم من ضغوط صندوق النقد الدولي الذي أدرج الضريبة ضمن عدة خطوات يتعين على مصر اتخاذها مقابل عقد اتفاق بمنحها تسهيلات ائتمانية.
وحسب تصريحات لمسئولين فان القانون الجديد الذي وافقت عليه الحكومة يحدد نسبة ضريبة القيمة المضافة بـ 14 % يتحملها المستهلك في النهاية مما سيؤدي الى الى ارتفاع الاسعار ( المرتفعة اصلا ) بنسبة 40 % حسبما يقول عدد من الخبراء. بينما قالت الدكتورة أمنية حلمى أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن فرض الضريبة بهذه النسبة المرتفعة سيؤدى لإرتفاع الأسعار بنسبة قد تصل إلى 70% بجانب تأثيرات ارتفاع سعر الصرف للدولار أمام الجنيه.
ويوجد توجه لوزارة المالية باستثناء المواد الغذائية من السعر الموحد للضريبة، بفرض سعر مخفض لا يتجاوز 5%، لكن صندوق النقد الدولي، في تقرير حديث حول العدالة الضريبية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أبدى معارضة لهذا التوجه عمومًا قائلا أن “معدلات الضريبة (على القيمة المضافة) بالرغم من أنها تفيد الفقراء، فإنها تعود بالنفع على الاغنياء بصورة أكبر بالقيمة المطلقة”. وهذا اعتراف رسمي من الصندوق بانها تضر بالفقراء.
ويرى الدكتور محمود الخفيف كبير اقتصاديين بمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن ضريبة القيمة المضافة، تحابي الأغنياء، ويقع عبئها الأكبر على الفقراء ، لأن النسبة المنفقة على الاستهلاك من دخل الفقراء أكبر من النسبة المنفقة على الاستهلاك من دخل الأغنياء، فعلى سبيل المثال الفقير الذي دخله 1000 جنيه فى الشهر ينفق كل دخله على الاستهلاك، وبذلك يدفع ضريبة قيمة مضافة قدرها 14% على كل دخله، فى حين أن الغني الذى دخله مليون جنيه فى الشهر قد يستهلك فقط عُشر دخله وبالتالي يدفع الـ 14% فقط على 100ألف جنيه من دخله، وبذلك تمثل هذه الضريبة 1.4% فقط من دخل ذلك الغني.
وتبرر وزارة المالية فرض الضريبة بالحاجة الملحة لزيادة الإيرادات لاحتواء العجز المرتفع والمتزايد في الموازنة العامة للدولة الذي بلغ نحو 319.5 مليار جنيه.وتقدرت الوزارة مقدار الزيادة فى الحصيلة الضريبية المتوقعة من تطبيق ضريبة القيمة المضافة بـ 30 مليار جنيه سنويا .
هناك بدائل كثيرة لخفض العجز في الموازنة بدون زيادة الأعباء الضريبية على المواطنين ، منها تطبيق الحد الأقصى للأجور على جميع الموظفين الحكوميين دون استثناء مما سيوفر نحو 20 مليار جنيه سنوياً. وترشيد الانفاق غير الضرورى في كل الجهات الحكومية ووقف الاهدار الي يقدره الخبراء بحوالى 30 مليار جنيه سنويا. والاهم من ذلك كله زيادة الانتاج وتنشيط الصادرات.
بقلم : مدبولي عتمان
Aboalaa_n@yahoo.com
ينشر بالتزامن مع جريدة الجمهورية المصرية