قام الشاب من النوم متأخرا ، ركب السيارة التي اشتراها له بابا ، قادها بتهور وعدم مسئولية في شارع مزدحم فدهس سيدة عجوزها واصابها بكسور عدة بجسدها الضعيف . وقع هذا الحادث في احدى مدن الدلتا ، وعلى الفور تحركت عدة اجهزة لحماية ( الولد الفرفور ) ابن سعادة الباشا ، “ومش مهم الضحية لانها ست غلبانه ملهاش ضهر”. وكاجراء احتياطي لرفض السيدة قبول الترضية المالية، أمر الباشا بتسجيل مخالفة مرورية للسيارة في نفس توقيت الحادث في احدى مدن القناة. هذا يسمى فساد استغلال السلطة المنتشر في أنحاء القطر المصري .
تتحرك حملة مشكلة من عدة أجهزة حكومية لازالة المباني المخالفة فتقوم بخدش خفيف في حائط باحدى المباني ( من السهل معالجته ) وتقوم بهدم الاعمدة والاسقف الخرسانية للمبنى المجاور بالكامل. يحدث هذا في جميع أنحاء مصر أمام الأعين والكل يرى الظلم واضحا ولكنهم يكتفون بمصمصة الشفايف .
الغالبية يحصرون الفساد في شكله المالى او الاقتصادي أو السياسي ، ولكن للفساد في مصر أشكال والوان وله أوجه كثيرة متنوعة ومتعددة ، وله جذور عميقة ، وطال للأسف الشديد كل شئون حياتنا ، ولكن أخطرها الفساد التشريعي ( القوانين الفاسدة التي تقنن الفساد وتحمي المفسدين). فطوال العقود الماضية كانت الحكومات المصرية هي التي تضع التشريعات وتسن القوانين ، ثم يمررها نواب الشعب سريعا دون دراسة أو تدقيق بالطريقة المشبوهة عندما كان يخاطب رئيس المجلس النواب قائلا : “من يوافق على مشروع القانون يتفضل برفع يده “.
وقد طالبني القراء الأعزاء في مرات كثيرة أن أكتب عن حل للأزمة الحالية لمصر. وبعد مشاهدات ميدانية ودراسات عميقة وموضوعية ، أقول بكل صدق واخلاص أن الحل العملى يبدأ بمحاربة الفساد الدي اعتبره أخطر على مصر من الارهاب ، فقد ثبت عمليا أن عدة عمليات ارهابية نجحت بمساعدة المفسدين في أجهزة الدولة.
وتأكد عمليا أن الفساد هو السبب الحقيقي للفقر في بلدنا . فقد كشفت وثيقة الفساد التي أعلنها الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة أن تكلفة الفساد المتراكم لسنوات في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة المدن التابعة لها بلغت 879,6649 مليار جنيه مصري وانتهت الدراسة باشارة محزنة (صفحة 16) تقول : “الاجمالي يمثل ما أمكن حصرة من تكلفة الفساد في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة “. هذا المبلغ الضخم الضائع على الشعب بسبب فساد قطاع واحد من قطاعات الدولة يقترب من حجم الانفاق العام الذي خصصته الحكومة خلال عامي 2016 و2017 والبالغ 936مليار جنيه ، ويفوق بكثير إيرادات الدولة المتوقعة في نفس العام وقدرها 627 مليار جنيه.
فالحل يبدأ بتوافر ارادة سياسية وحكومية جادة لمكافحة الفساد ، على أن تكون البداية بمكافحة الفساد التشريعي الذي اعترف بوجوده رجال القانون أنفسهم . فقال المستشار محمد سمير، المتحدث باسم النيابة الإدارية، في مداخلة مع احدى الفضائيات المصرية مساء الأربعاء 9 سبتمبر 2015 أن “بعض القوانين سيئة السمعة تغل يدنا عن التحقيق في وقائع فساد”. وأوضح سمير”السنوات الماضية شهدت ظهور قوانين عديدة لا تساعد على الفساد فقط، بل هي فاسدة بالأساس”، متسائلًا: “كيف يمكن أن نحارب الفساد بقوانين هي بالأساس فاسدة؟”.
ويرى عادل زايد المحامي بالاسكندرية أن القوانين فاسدة كثيرة منها القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الادارات القانونية الذي يمنح رؤساء الهيئات والمؤسسات العامة التى بداخلها الادارات حق حفظ الدعوى او التنازل عنها. والقانون رقم 32 لسنة 2014 بحظر الطعن على عقود الدولة مع المستثمرين . واخطرها قرار رئيس الوزارء باستثناء 7 جهات تابعة للجيش والشرطة من قرار رئيس الجمهورية رقم 32 لسنة ٢٠١٥ بربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية ٢٠١٥/٢٠١٦.
فيجب على نواب البرلمان التحرك سريعا للتخلص من الفساد التشريعى ثم يقود حملة شاملة مكافحة الفساد