أراء وقراءاتشئون عربيةمصر

رئيس التحرير يكتب :متى نستوعب دروس المعلم الأول ؟!


يعتبر الغراب المعلم الأول للإنسان ، فعندما وقعت أول جريمة قتل في تاريخ البشرية ، إحتار قابيل في كيفية التصرف في جثة أخيه هابيل. وأجمعت تفاسير القرآن الكريم أن الله بعث غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدهما صاحبه‏ ,‏ فحفر له‏ ثم حثي عليه حتى دفنه . وسجل القرآن الكريم الواقعة في الآية 31 من سورة المائدة فقال سبحانه وتعالى : “فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُرِيَهُۥ كَيْفَ يُوَٰرِى سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَٰوَيْلَتَىٰٓ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَٰرِىَ سَوْءَةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّٰدِمِينَ “.
من الظواهر المعروفة تجمع الغربان حول جثة أي غراب ميت ، وكان يعتقد حتى وقت قريب أنه تجمع للتعبير عن الحزن. ولكن العلماء بحثوا عن تفسير للظاهرة ،وفي دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة (سلوك الحيوان ) الأميركية ، أظهرت أن الغرض الحقيقى للتجمع هو التعرف على الأسباب التي أدت إلى مصرع واحد منها لتفاديها.
ورغم أن دروس الغراب قديمة قدم البشرية إلا أن غالبية المصريين عامة وكل الحكومات والمسئولين بصفة خاصة لم يعلموا عنها شيئا أو لم يستوعبوها. فرغم أن أسباب المشاكل والأزمات التي تمر بها مصر معلومة ، والحلول واضحة ومدونة في شكل دراسات واستراتيجيات مكتوبة ، إلا أننا لا نطبقها ، بل واحيانا يطبق القيادات والمسئولين عكسها مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات.
والأمثلة على ما نقول تملأ أسفارا من المجلدات ، وسنكتفي بذكر بعضها. وكلنا أمل أن تجد قبولا لدى المسئولين من باب المصلحة العامة للوطن ، وان لا يفسرها ترزية الاتهامات ويصنفونها في دائرة المعادين أو الخونة.
فقد أجمع خبراء التنمية أن نهضة أي بلد لا بد أن تعتمد على مواردها المحلية ، وحذرنا مرارا من مخاطر اللجوء للاقتراض الخارجي وطالبنا بعدم رهن إرادة مصر والمصريين لمؤسسات التمويل الدولية التي تعمل وفق أجندة إستعمارية تخدم أعدائنا . ورغم ذلك لجأت الحكومة لقرض صندوق النقد الدولى ، ومن أجل الحصول على الدفعة الاولى من القرض إضطرت لرفع أسعار الوقود والمياه والكهرباء والدواء، وتعويم الجنيه وهو في أضعف حالاته . فكانت الضربة القاصمة للمصريين وتعالى صراخنا جميعا من لهيب الأسعار .
ولا ندرى المصائب الأخرى التي سترتكبها الحكومة للاستجابة لشروط الحصول على الدفعة الثانية من القرض ، ومن المقرر ان تزور مصر بعثة من صندوق النقد ( النكد) الدولي الشهر القادم لبحث هذه الشروط . وأرى أنه من المخجل أن تتباهى د.سحر نصر وزيرة التعاون الدولي بان نسبة المنح تشكل 40% من نسبة التمويلات الخارجية التي وفرتها الوزارة. متجاهلة الشروط المصاحبة لتلك المنح وتاثيراتها الضارة خاصة أن المنح توجه لقطاعات التعليم والصحة والمشروعات الصغيرة.
ويقول خبراء الاقتصاد والاجتماع أن المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر هي أساس التنمية الصحيحة وتعجل بالقضاء على الفقر . ونرى حكوماتنا تبدد عشرات المليارات من الجنيهات في مشروعات قومية ، لا ننكر اهميتها ولكن العائد منها بعيد المدى ، بينما يحتاج الفقراء ما يسد جوعهم اليوم قبل الغد.
جميعنا يعلم مخاطر الثلوث وأن الإحصائيات المؤثقة تؤكد أن أكثر من 30 مليون مصرى ( ثلث المصريين ) مصابون بالأمراض المزمنة والخطرة وفى مقدمتها السكر والقلب وفيروس الكبد الوبائى والكلى من جراء تلوث الماء والغذاء والبيئة. ورغم ذلك نستمر في تلويث مياه النيل بصب مخلفات المصانع فيه ،ونلوث الترع برمي جميع انواع المخلفات خاصة الصرف الصحي فيها. ومن الغرائب أن المواطنين يرون بأعينهم عربات الصرف الصحي تفرغ حمولاتها بشكل يوم في الترع دون أن يحركوا ساكنا . بل ومن البلادة أنه على بعد أمتار يقومون بري الزرع ويغسلون ثيابهم وادوات مطبخهم .
أجرت الدكتورة منى الطباخ بكلية العلوم جامعة الأزهر دراسة علمية ميدانية أثبتت فيها أن مياه الشرب تخرج من المحطات صالحة للشرب ، وتصاب بالتلوث بسبب الغشاء الحيوي في مواسير التوزيع والخزانات فوق الاسطح . وقامت بتحليل عينات مياه في عدد من المناطق الشعبية ووجدت بالمياه بكتيريا معوية وبرازية وطحالب وجراثيم وميكروبات ، وعثرت بقايا لحوم من طيور وقطط وفئران وكلاب وأتربة في الخزانات. وابتكرت الدكتورة منى مادة مطهرة من مكونات طبيعية وكل المطلوب صيانة دورية للخزانات والمواسير مع استخدام المادة المطهرة.
كثفت هيئة الرقابة الادارية جهودها خلال الشهور الماضية ، وتمكنت مشكورة من كشف عشرات قضايا الفساد وفرت للدولة مليارات من الجنيهات وقدمت المفسدين للمحاكمة . ولكن سرعة مكافحة الفساد الذي انتشر كالاخطبوط ، وأصبح أخطر على المجتمع من الارهاب يتطلب تحرك فعال من جانب بقية الاجهزة واللجان الرقابية بمصر خاصة من الجهاز المركزي للمحاسبات، ومباحث الأموال العامة .على أن يتم التنسيق بينها وفق خطة عمل دقيقة مع تعديل في بعض القوانين لمنحها الاستقلالية عن السلطة التفيذية ، والحق في تحريك الدعاوى القضائية مباشرة كما هو الحال في الدول المتحضرة.

بقلم : مدبولي عتمان
Aboalaa_n@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.