رئيس التحرير يكتب.. نذر خطر من شاطئ الاسكندرية
الأسبوع الماضي تركت القلم والأوراق ، وابتعدت عن شاشات الفضائيات ومواقع الانترنت ، طلبا لساعات محدودة من الراحة بعد شهور من اللهث وراء الاحداث، وهي ساعات مطلوبة لتنشيط الذهن المرهق والجسد المتعب.
وحاولت جاهدا أن استمتع بتلك الاجازة القصيرة ولكنى لم أستطع أن أتجاهل نذر خطر تهدد حاضر ومستقبل بلدنا العزيز مصر . وأولها أنين المواطنين ليس فقط من لهيب الاسعار التي ليس لها “ضابط أو رابط”، وليس من تدهور مستوى الخدمات الأساسية خاصة الصحة والتعليم. وإنما الأمر الاخطر هو الوجوم الذي يبدو واضحا على وجوه البشر في الشوارع والاسواق وفي وسائل المواصلات وحتى على شواطئ البحر. واختصر عامل شاب بأحدي مقاهي كورنيش ميامي الوضع قائلا :” هو فيه ايه يخلى الناس تضحك .. دي العيشة أصبحت مرار”. وعندما استفسرت منه ، أجاب بان دخله الشهرى تراجع الى أقل من نصف ما كان يحصل عليه في العام السابق بينما الاسعار ترتفع كل يوم.
واعتقد أن سبب وجوم الوجوه يعود أساسا إلى فقدان غالبية المواطنين للأمل في تحسن أحوالهم ، فوقائع التاريخ تؤكد أن المواطن المصري على استعداد لتحمل متاعب الحاضر بشرط أن يرى أمام عينيه إنجازات على أرض الواقع تبشر بمستقبل افضل ، وأنه سيشارك في حصد ثمار هذه الإنجازات . ونحذر القيادة أن أخطر شئ في حياة الدول والأمم أن يصل مواطنيها إلى مرحلة اليأس ، وهو في رأي خبراء علم النفس والاجتماع :” حالة نفسية تعتري الإنسان، يشعر فيها بالإحباط والتشاؤوم والانهزام، ويحكم على نفسه ومحيطه بالفشل ، فلا نجاح ولا نصر يُذكَر، ولا أمل بالنهوض يُنتظَر، فيتولد من ذلك عزيمة ضعيفة وإرادةٌ لينة لا تقوى على مواجهة أدنى تحدٍ أو خطر”، فهل ممكن ان يتقدم مجتمع يعترى أفراده هذه الحالة ؟. ونحمد الله أن المصريين لم يصلوا بعد إلى هذه الحالة ولكن إستمرار الضغوط عليهم ، وتحمل الفقراء وحدهم الأعباء قد يعجل بحالة لا يمكن التنبؤء بنتائجها الخطيرة.
ونحن نجلس على شاطئ أبوقير لفت نظرى توافد مجموعات من التلاميذ الذكور والإناث تشير أعمارهم إلى أنهم يدرسون بالمرحلتين الإعدادية والثانوية.، ويقومون بحركات مائعة ويصيحون بأصوات ممجوجة ، ثم يتحولون إلى ثنائيات هامسة تعبر عن طيش سن المراهقة، واستغربت من حدوث ذلك في شاطئ شعبى في منطقة ابو قير. وتساءلت عنهم فقيل لي انهم يقضون أوقات الانتظار بين حصة وأخرى من الدروس الخصوصية. زاد قلقى على مستقبل مصر خاصة في ضوء التقارير الرسمية التي تشير إلى أن عدد الدارسين بالمرحلة الإعدادية 4,337705 ، وبالمرحلة الثانوية العام 1,455472 طالبًا وطالبة طبقا احصائيات وزارة التربية والتعليم عام 2014. وتساءلت بكل دهشة : هل هؤلاء الصبية أحفاد محمد كريم حاكم الاسكندرية الذي قاد الأهالي لمقاومة الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بنوبارت عام 1798. وعندما القى القبض عليه حكم عليه الفرنسيين بالاعدام أو دفع فدية قيمتها 30 الف جنيه يدفعها إلى خزينة الجيش الغازي. ورفض محمد كريم أن يدفع الفدية وقال: ” إذا كان مقدورا على أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدورا عليّ أن أعيش فعلام أدفعها ؟ “. ألم يذكر هؤلاء الصبية أحد بشجاعة كريم ورفضه طلب نلسون قائد الأسطول الانجليزي كي يسمح لأسطوله بانتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء وأن يسمح لهم أن يشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زاد ، وقال :””ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا”.
وتساءلت أيضا وبكل استغراب عن غياب الأسر في متابعة أبنائها عن قرب ، وضرورة ذلك لحمايتهم من الانجراف . وتأكدت من دور ثورة الاتصالات الغربية في تراجع اخلاقياتنا وطمس هويتنا.
وثاث النذر تتمثل في حال التجاهل التي يعيشها فندق فلسطين بشاطئ الاسكندرية لصالح فندق شيراتون المنتزة. ولفت نظرى صديق اسكندراني وطني مخلص إلى أن هذا التجاهل متعمد لمحو اسم فلسطين من الذاكرة . ويسجل التاريخ أن فندق فلسطين تم تشييده في عام 1964 ليشهد إقامة ثاني قمة عربية احتضنتها مصر بالإسكندرية في سبتمبر من نفس العام ، وظل الاكثر شهرة في استقبال ضيوف مصر الكبار من الملوك والرؤساء وتعقد فيه المؤتمرات الهامة حتى عقد معاهدة الصلح مع اسرائيل عام 1979 حيث اقام المستثمرون اليهود فندق شيراتون المنتزه في مواجهته لسحب البساط من الفندق الرمز ( فلسطين).
اللفتة المفرحة الوحيدة في تلك الأجازة القصيرة أني التقيت خلالها باصدقاء دراسة وبأصدقاء عمل حالت ظروفنا أن نلتقي بهم منذ أكثر من 20 عاما. وسعدت خلال اللقاءات بصدق المشاعر في زمن كثر فيه الكذب والغش والخداع والنفاق. وزاد من سعادتي الرفقة الطيبة من الجماعة الصحفية في رحلة ابوقير.