رجل المخابرات المصرية اللواء محمد رشاد .. رمز وطنى يخلده التاريخ

اللواء محمد رشاد .. رجل رسم بذكائه ملحمة أمنية في سجل الوطن
كتب / محمد الهادي
تمر العصور وتتبدّل الأجيال، ويبقى البعض خالدًا في ذاكرة الوطن كرموز لا تُنسى. أحد هؤلاء هو اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، الرجل الذي حمل على عاتقه أخطر الملفات الأمنية في أصعب لحظات التاريخ المصري الحديث، وترك بصمة لا تُمحى في ملف الأمن القومي، خصوصًا في مواجهة العدو الإسرائيلي.
العقل الذي واجه إسرائيل بصمت ودهاء
لم يكن اللواء محمد رشاد مجرّد ضابط مخابرات، بل عقلٌ استراتيجيٌ من طراز نادر. قاد أحد أكثر الملفات حساسية، وهو الملف الإسرائيلي، في مرحلة كانت فيها مصر تتعرض لمؤامرات متشابكة من الداخل والخارج. تحرك رشاد بحنكة في مساحات الظل، دون ضوضاء أو استعراض، مؤمنًا بأن المعلومة الدقيقة أخطر من أي سلاح، وأن الوعي الاستباقي والتخطيط الهادئ هو السلاح الأهم لحماية الوطن.
خلال سنوات خدمته، أحدث اللواء رشاد تحولات جذرية في أساليب العمل الاستخباري، إذ تبنّى نهجًا يقوم على بناء قاعدة معلومات واسعة، وتوظيف التقنيات الحديثة، وغرس قيم الانضباط والعقيدة الوطنية في رجال الجهاز.
شهادة للتاريخ.. المخابرات المصرية في قلب معركة أكتوبر
في شهادته التاريخية، روى اللواء رشاد تفاصيل مثيرة من كواليس عمل المخابرات المصرية أثناء حرب أكتوبر 1973، حيث قال إنه كان أحد الضباط المكلفين بغرفة عمليات الجهاز خلال الحرب. وأكد أن المخابرات بدأت عملها فور نكسة 1967، وخاضت معركة طويلة لاختراق إسرائيل وجمع معلومات دقيقة عن العدو، خصوصًا القوات المتمركزة شرق القناة.
أوضح رشاد أن المعلومات التي جمعها جهاز المخابرات تم تحليلها بدقة، وتم على أساسها تحديد ساعة الصفر وخطة العبور، مشيرًا إلى أن اختيار يوم “عيد الغفران” (كيبور) لم يكن صدفة، بل نتيجة دراسة دقيقة أعدها الضابط محمد أحمد إسماعيل حول الأعياد اليهودية لتحديد أنسب وقت للضربة المفاجئة.
غرفة المعلومات.. عقل مصر الأمني في 1968
وأشار اللواء رشاد إلى أنه بتوجيه من الوزير أمين هويدي، تم تجهيز غرفة معلومات هي الأقوى في الشرق الأوسط منتصف عام 1968، وضمت أحدث وسائل جمع وتحليل المعلومات، ومجسمات دقيقة للمنشآت الحيوية في إسرائيل، ما مكن الجيش المصري من التخطيط الدقيق للهجوم وتحقيق نصر باهر خلال ست ساعات فقط، وسط خسائر محدودة.
ضربات استباقية واختراقات كبرى.. من هبة سليم إلى قواعد العدو
استعرض رشاد بعض العمليات النوعية التي قامت بها المخابرات، مثل القبض على الجاسوسة هبة سليم، التي كانت من أخطر عملاء إسرائيل، وتم استدراجها من باريس إلى ليبيا ثم إلى القاهرة. كما كشف أن المخابرات المصرية كانت تتابع عن كثب الإعلام العبري، ونجحت في تحليل 16 كتابًا إسرائيليًا بعد رفع الحظر عن المعلومات عقب نكسة 67، مما شكّل حجر الأساس لقواعد البيانات التي خدمت الخطة العسكرية لاحقًا.
العدو في حالة خديعة.. ومصر تختار اللحظة الحاسمة
كشف اللواء رشاد أن التقديرات الإسرائيلية ظلت طوال الوقت تعتقد أن مصر عاجزة عن شن أي عملية عسكرية، وهو ما ظل يهيمن على عقل “إلياهو زاعيرا” مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حتى لحظة اندلاع الحرب. وعلّق: “كنا نؤكد لهم هذا المفهوم الزائف حتى نضمن عنصر المفاجأة”.
مدرسة أمنية وإنسانية فريدة
لم يكن اللواء رشاد مجرد رجل استخبارات، بل معلمًا وقائدًا غرس في رجاله قيم الانتماء والانضباط والعمل الجماعي. ترك إرثًا مؤسسيًا وإنسانيًا، وخلّف جيلًا من الكوادر الأمنية المخلصة التي تحملت مسؤولية الحفاظ على مصر في أصعب الأوقات.
اسم يسطع في كتاب مصر
إن اللواء محمد رشاد لم يكن يبحث عن مجد شخصي أو شهرة إعلامية، بل كان ضميرًا وطنيًا حيًا اختار أن يخدم بلده في صمت، ويصنع أمنه من الظلال. واليوم، إذ نُحيي ذكراه ونستلهم سيرته، فإننا نستحضر قيم الشجاعة والتفاني والانتماء الحقيقي، ونروي لأبنائنا أن هناك رجالًا عاشوا ليحموا، لا ليظهروا.