رحلة بلا رجوع.

بقلم / ياسر راجح

سريعًا و بشكلٍ ما، تمضي بنا سنوات العمر، دون أن نشعر بها أو ندري، لتعبر بنا الأيام من الطفولة إلى الشباب، فتتفتح له براعم مشاعرنا البريئة و تسكن أحلامنا الرؤى و تولد معها الأمنيات، و نلتفت هنا و هناك، ننظر حولنا في خجل باحثين عن الحب.
و سرعان ما نجده بالقرب منا فيمن يشبهنا روحًا و دم، فترفرف له قلوبنا فرحًا بالكلمات الحنونة الدافئة و نظرات الإعجاب الصامتة و روعة التفاصيل الصغيرة عند اللقاء .
و تدفعنا مشاعرنا لنقترب، فنخطوا أكثر من ذلك و نقترب، لتوقفنا بعدها الأقدار قائلة: هذا يكفى، و تبعدنا حسابات الحياة الجافة التي لا تعبأ كثيرًا بمشاعرنا أو تهتم بأمنياتنا و الأحلام، فنقف على حافة الطريق حائرين، نسأل أنفسنا و الأخرين : أي الجهات نسلك ؟!، الزواج عن حب و تفاهم أم زواج العقل القائم على المنطق و حسابات الواقع الصعب ؟!
ليقول العقل كلمته أخيرا، فتضطرب لها قلوبنا جزعًا من فراقٍ محتوم، و ينتهي كل شيئ فجأة كأن لم يكن، و يمضي كلٍ في طريق، لنجد بعدها أنفسنا مع شخص ما، لا تميل إليه قلوبنا و لا تربطنا به أية عاطفة، شكل من أشكال الشراكة التجارية الخالية من مشاعر الألفة و الإحتواء، مجرد صفقة هدفها الربح، و قد يكون الربح مالًا أو نفوذ، أو حتى الحصول على جنسية لدولة ما من دول الثراء الإقتصادي التي يتهافت على الهجرة إليها كثيرٌ من الشباب اليوم، و ربما ألقوا بأنفسهم في مهالك البر و البحر أملأ في الوصول إليها !
و كثيرًا ما ينتهي زواج المصلحة بالفشل، فحتى و إن إستمرت الحياة الزوجية و لم يحدث إنفصال بشكل رسمي، يبقى الزواج في كثيرٍ من الأحيان حبرًا على ورق ليس إلا، لإعتباراتٍ كثيرة، أهمها الخوف من الضغوط النفسية التي تفرضها نظرة المجتمع للمرأة المطلقة في ثقافتنا الشرقية، و تفادي شماتة الأعداء و الحاقدين من الناس، و مراعاةً لمستقبل الأبناء ثمرة هذا الزواج.
و رغم ذلك يظل زواج المصالح واقعًا ملموسًا يزداد إنتشاره يومًا بعد يوم بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع، حيث ترى الكثير من الفتيات اليوم أن الرجل الأكبر سنًا، حتى و إن كان فارق السن كبير نسبيًا، يكون أكثر عقلًا و حكمة و خبرة بالحياة، علاوة على إمكاناته المادية الجيدة، أما الحب فحتمًا سيأتي مع العشرة، فما الداعي لأن تسلك الفتاة طريق الشقاء و التعب مع شاب في مثل عمرها لم يبدأ حياته العملية بعد ؟!
لكن من يستطيع أن يضمن النتائج، لا يعلم الغيب إلا الله، فحتى و إن كانت القاعدة أن يكون الرجل الأكبر سنا أكثر نضجًا من الناحية النفسية و الفكرية و العاطفية، فعلى الأقل لكل قاعدة شواذ، و إن كان الشاذ يحفظ و لا يقاس عليه فالفشل في زيجات الحسابات وارد بكل تأكيد، وعندها تبدأ المأساة، و يتحول زواج العقل من شراكة مادية بحتة خالية من الحب، إلى حفرةٍ صغيرةٍ ضيقة، قبرًا جميلا أحكمت ظروف الحياة و ضروراتها إغلاقه علينا حتى أخر العمر .
الحياة بسيطة، أبسط من ذلك بكثير، و لا أدري لماذا نحمل فيها أنفسنا ما لا نطيق، فنعقد بذلك أمورنا و نجلب على أنفسنا التعاسة و الألم، ماذا علينا إذا أصغينا لنبضات قلوبنا و إرتبطنا بمن نحب، ضاربين عرض الحائط بضعف الإمكانات و حسابات المنطق، فدائما ما تكون البدايات صعبة ، غير أن الله لا يخلق إنسان منا و ينساه، و لا يولد أحد إلا و معه رزقه، الصغير يكبر بمرور الزمن، و بالسعي و الاجتهاد يأتي المال و يأتي كل شيئ، و لا يحتاج الأمر منا سوى قليل من الصبر .
لكن حتى و لو لم يأتي كل شي كما تمنينا تماما، يجب علينا أن لا ننسى أن المال يذهب و يعود، أما الحب الحقيقي فلا يأتي في حياة الإنسان منا سوى مرةٍ واحدةٍ فقط، فإن ذهب فمن المستحيل أن يأتي بعدها أبدًا، فحتى و إن أتى، ما الجدوى من عودته و قد دار الزمان دورته و تبدلت الظروف و تغيرت الأحوال، و لم نعد ملكا لأنفسنا، و ذهبت أحلامنا بعيدًا و ضاعت في رحلة بلا رجوع .

الجمعة : 2021/10/29

Exit mobile version