الصراط المستقيم

رسائل النور في رمضان “4”

الرسالة الرابعة: حين تصوم جوارحك

 

 

✍️ يكتبها وسام عبد الوارث

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي شرّفنا بالصيام، وجعل لنا في رمضان بابًا واسعًا للتطهّر من الآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خيرُ من صام وقام، وسجد ودمعت عيناه في الأسحار.

أيها الصائم، ليس كلُّ صائمٍ صائمًا!

 

قد يُمسك المرء عن طعامه وشرابه، لكنه يُفطرُ على نظرةٍ حرام، أو كلمةٍ جارحة، أو غيبةٍ تُفسد صيامه، وهو يظنّ أنه ممسك!

فهل صامت جوارحك كما صام بطنك؟

 

الصيام ليس عن الطعام فقط

إن الصيام الذي يُريده الله منك أعمقُ من أن يكون جوعًا وعطشًا، إنه صيامُ القلب عن الحقد، صيامُ العين عن النظر الحرام، صيامُ اللسان عن الكذب والغِيبة، صيامُ الأذن عن سماع الباطل.

يقول النبي ﷺ:

“رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلا الجوعُ، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلا السَّهَرُ” (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

فما قيمة صيامٍ، جوارحُ صاحبه هائمةٌ في الذنوب؟!

وما جدوى إمساكٍ عن الطعام، إذا كان القلب مفطِرًا على المعاصي؟!

 

صيام القلب.. صيام العظماء

أتعلم كيف كان الصالحون يصومون؟

كان صيامهم خشوعًا في القلب، وصدقًا في القول، وسلامةً في الصدر.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله في “إحياء علوم الدين”:

“الصوم ثلاث درجات: صوم العوام وهو كفّ البطن والفرج عن الشهوات، وصوم الخواص وهو كفّ السمع والبصر واللسان عن الآثام، وصوم خواص الخواص وهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله بالكلية.”

وعن ميمون بن مهران قال: “إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب”.

فالمرتبة الأولى التي ذكرها الغزالي – رحمه الله – من الصوم: الصوم الناقص، الذي لا يحجز صاحبه عن محرمات اللسان والجوارح.

 

وعن المرتبة الثانية ما روي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: “ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو، والحلف”

 

وأما المرتبة الثالثة، وهي صوم القلب عن الهمم الدنية، والأفكار الدنيوية، وجمعه بالكلية على الله وحده، فلا شك أنها مرتبة عظيمة لا يصل إليها إلا الموفقون، فإن القلب هو ملك الأعضاء، ومحل التقوى، ومحل نظر الرب سبحانه، وكمال العبادة يكون بجمعه على الله، وإقباله عليه، وقطع الشواغل عنه، فمن حقق الصوم بقلبه وجوارحه، فقد حاز الكمال.

فهنيئًا لمن صام قلبه، ولسانه، وعينه، وسمعه، لا فقط جوفه!

 

حين تصوم الجوارح.. تتطهّر الروح

• إذا صامت عيناك، فلن تخطئ طريق الجنة.

• إذا صام لسانك، فلن تجد في صحيفتك ما تخجل منه يوم القيامة.

• إذا صام قلبك، فسيجد لذة الطاعة أعذب من كل شهوة.

 

وقد قال الله تعالى:

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (الشمس 9-10)

فأين أنت من تزكية النفس في رمضان؟

 

رسالتك اليوم

اجعل رمضان هذا العام مختلفًا، لا تصم عن الطعام فحسب، بل صُم عن كل ما يُبعدك عن الله.

اجعل كل لحظةٍ فيه شاهدًا لك، لا عليك.

اللهم طهّر قلوبنا كما طهّرت أجسادنا من الطعام والشراب، واغسل أرواحنا كما تغسل دموع التائبين دروبَ الخاطئين، واجعل لنا في هذا الشهر صيامًا يرضيك.

 

✒️ #وسام_عبدالوارث

 

3 رمضان 1446 هـ

3 مارس 2025 م

مقالات ذات صلة