
✍️ يكتبها وسام عبد الوارث
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي جعل في رمضان مواسمَ إجابةٍ للدعوات، وفتح لنا أبواب السماء لمن أراد أن يطرقها بصدق التوسلات، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي كان يرفع كفّيه في الأسحار، ودموعُه تسابق كلماته إلى عرش الرحمن.
حين ترفع يديك.. تفتح لك أبواب السماء
أيها الصائم، أما أحسست يومًا بحرارة الدعاء حين يخرج من قلبٍ منكسر؟ أما جربت أن تناجي ربك عند الغروب، فتشعر أن الكون كله يصغي إليك؟
إنها لحظةٌ فارقة، حين تمتد يدُك إلى السماء، لا طلبًا لمالٍ، ولا رجاءً لجاه، بل انكسارًا بين يدي مولاك، واعترافًا بفقر روحك إليه، إنها اللحظة التي يتحقق فيها وعد الله:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِيٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60).
فهل أدركت الآن أن الدعاء ليس كلماتٍ تُقال، بل هو بابٌ يُفتح على مصراعيه بين قلبك والسماء؟
دموعٌ لا تردّ
ما من دمعةٍ تسقط في السَّحَر، إلا وتُكتب في صحيفتك نورًا.
وما من همسةٍ صادقةٍ بين يدي الله، إلا وتحملها الملائكة إلى العرش.
فلا تقل: دعوت ولم يُستجب لي، بل قل: طرقت الباب، وسيُفتح لي، في الوقت الذي يختاره الكريم، لا الذي يختاره العبد العجول.
يقول النبي ﷺ:
“يُستَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي” (رواه البخاري ومسلم).
أيها الصائم، إن كنت جائعًا الآن، فثِق أن موعد الإفطار قريب، وإن كنت مهمومًا، فثِق أن موعد الفرج أقرب مما تظن، فإن الذي جعل لك في نهاية النهار مغربًا، سيجعل لك في نهاية كربك مخرجًا.
أيها الصائم، أتدري من هم أعظم الناس حظًا في الدنيا والآخرة؟ إنهم الذين لا يملّون طرق باب الله بالدعاء، الذين يوقنون أن كل شيء في الكون يُستجاب لهم إن هم أحسنوا التوجّه إلى الله.
إن الأنبياء حين ضاقت بهم السبل، لم يكن سلاحهم سوى الدعاء، فكيف وأنت عبدٌ ضعيفٌ لا حول لك ولا قوة؟
دعاء إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار: ﴿حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: 173)، فجعل الله النار بردًا وسلامًا عليه.
دعاء يونس عليه السلام في بطن الحوت: ﴿لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ (الأنبياء: 87)، فاستجاب الله له ونجّاه من الغمّ.
دعاء أيوب عليه السلام حين أصابه البلاء: ﴿إِنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ﴾ (الأنبياء: 83)، فكشف الله عنه الضر وأعاد إليه العافية.
فيا عبد الله، إن كنت تمرّ بضيقٍ أو همٍّ، فاسجد وقل: “رب إنّي مسّني الضر، وأنت أرحم الراحمين.”
إن كنت محاصرًا بالذنوب، – وكلنا كذلك- فاهتف بقلبٍ خاشع: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.”
إن كنت تخاف من المستقبل، فقل كما قال خليل الله: “حسبنا الله ونعم الوكيل.”
ساعةٌ لا تُردّ فيها دعوة
أما علمتَ أن للصائم ساعة لا تُردّ فيها دعوته؟
أما علمتَ أن لحظة الإفطار ليست فقط لحظة طعام، بل هي لحظة فتح أبواب السماء؟
قال النبي ﷺ:
“إن للصائم عند فطره دعوةً لا تُرد” (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).
فلا تجعل الغروب يناديك إلى الطعام قبل أن يناديك إلى الدعاء، ولا تجعل لهفة الشراب تنسيك لهفة القلب أن ينال رضا الله.
ولقد قال النبي ﷺ:
“ما مِن مُسلِمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلَّا أعطاه اللهُ بها إحدَى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعجِّلَ له دَعوتَه، وإمَّا أنْ يدَّخِرَها له في الآخرةِ، وإمَّا أنْ يَصرِفَ عنه مِن السُّوءِ مِثلَها.” (رواه أحمد وصححه الألباني).
فلا تيأس من تأخّر الإجابة، فإنّ الكريم لا يمنعك إلا ليُعطيك ما هو خيرٌ لك، وما أنتَ بحاجةٍ إليه أكثر مما تسأل.
دعوة لا تضيع أبدًا
أيها الصائم، لا تظنّن أن دعاءك يضيع في الفراغ، أو أنه يتلاشى بين السماء والأرض، فإن الله قد تكفّل بحفظه لك، إمّا أن يجيبه في الدنيا، وإمّا أن يؤخّره لك لوقتٍ هو أعلمُ بصلاحه لك، أو يدّخره لك حسناتٍ يوم القيامة، حين تكون في أشد الحاجة إليها.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
“إذا فتح الله عليك باب الدعاء، فاعلم أنه يريد أن يعطيك، فإن الله لا يُلهم عبدًا الدعاء إلا وهو يريد أن يستجيب له.”
الدعاء.. حياة القلوب
هل جربتَ أن تجعل من الدعاء عادةً يوميةً في رمضان؟
أن ترفع يديك بعد كل صلاة، وقبل كل إفطار، وبعد كل ركعة في التهجد، أن تجعل بينك وبين الله سرًّا لا يعلمه أحد؟
إن الدعاء ليس فقط سؤالًا، بل هو تربيةٌ للنفس، هو إدراكٌ لضعفك، هو إعلانُ عبوديتك لمن بيده ملكوت السماوات والأرض.
رسالتك اليوم
اجلس متذللا بين يدي ربك، وارفع يديك، وقل:
“اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي.”
“وقل: يا رب، إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدًا فقرّبه، وإن كان عسيرًا فيسّره، وإن كان قليلًا فبارك لي فيه.”
ولا تنسَ أن تدعو لأهل غزة، وللمستضعفين في كل مكان، فلعل دعوةً من قلبك تكون لهم غيثًا من حيث لا تحتسب.
اللهم اجعل هذا الشهر شهر إجابة، واملأ قلوبنا يقينًا بأن الخير آتٍ، ولو بعد حين.
✒️ #وسام_عبدالوارث
#رسائل_النور_في_رمضان
4 رمضان 1446ه
4 مارس 2025 م